حادثة
باريس، التي أدت إلى مقتل رسامين وصحفيين في صحيفة فرنسية، حادثة مفصلية؛ لأنها من جهة ستضع مسلمي أوروبا، أمام خطر ماحق، ولأنها من جهة أخرى سترتد إقليمياً على بوصلة العالم، من حيث الأولويات.
إحدى القراءات تقول إن أكثر المستفيدين من حادثة باريس هو بشار
الأسد، أو النظام السوري الحالي، دون بشار، وبرأس بديل.في الحالين يراد القول إن الثورة السورية انتهت وسوف ينزع العالم إلى طي هذا الملف، بكل الوسائل.
السبب في ذلك أن وصول الدواعش إلى فرنسا، وإلى أوروبا، نتيجة مباشرة للأزمة السورية، فسوريا حاضنة للدواعش، والسلاح والمال اللذان تدفقا إلى داعش، مباشرة وسراً من دول إقليمية وعربية، ذات تواقيت معينة رغبة بإسقاط بشار الأسد، ارتدا على الساحر هنا، والسحر انقلب على الساحر، لأن الفكرة التي يتبناها التنظيم، لايمكن أن تبقى محصورة في الساحة السورية ولابد أن تتمدد.
باريس الرسمية أبدعت في موقفها السلبي ضد بشار الأسد، وشنت عليه حملات سرية وعلنية، وتركت أثراً على حلفائها، خصوصاً، أن ملفي سوريا ولبنان، مهمان لدى الفرنسيين تاريخياً، وهناك صلة وجدانية تربط باريس ببيروت ودمشق.
بشار الأسد نجح بقوة في القول للعالم، إن بديله هو هذا التطرف، وهذه التنظيمات، وتناسخها تنظيمياً وعلى صعيد الفكرة، واليوم يضربون بشار وجنده، وغداً يتجاوب أنصار آخرون في فرنسا والسويد وبريطانيا والحبل على الجرار.
استمد التنظيم قدرته على الإغراء من تجربته السورية حصراً، ثم تلك العراقية، وهذه التجاوبات في أوروبا لم تأت من فراغ، وهي مؤهلة للتمدد أيضاً، ونحن أيضاً نعرف أن كل المعارضة السورية المعتدلة وتلك غير المعتدلة فشلت في المهمتين؛ إسقاط الأسد، من جهة، وكبح تمدد القاعدة والنصرة.
برغم أن الحملات العسكرية على سوريا، ضد داعش، مستمرة إلا أنها لم تؤد هدفها المقصود، ومازال التنظيم قوياً على الأرض.
سيناريوهات كثيرة مطروحة اليوم، من الحرب البرية، مروراً بمواصلة الحملات الجوية، وصولاً إلى خيارات أخرى ، لكن أخطر تلك السيناريوهات المحتملة تجديد
البيعة للأسد دولياً، ومنحه وكالة محاربة داعش والقاعدة، وانقلاب البوصلة العالمية لصالحه، بحيث يصير هو وكيل العالم لإنهاء التطرف، ولحظتها يصير الأسد في حلة جديدة، وبدور جديد، مقابل صفقة كبرى دولية إقليمية على أساس إعادة إنتاج حصص النفوذ كلها.
هذا مجرد احتمال، وكل شيء، ممكن، غير أن المؤكد أن دمشق الرسمية، أجبرت العالم على عض أصابعه؛ ندماً على إذكاء نار الثورة السورية، وبئر الأسد على ما يبدو جاهزة لاستقبال إمدادات العالم كلها.
(نقلاً عن صحيفة الدستور الأردنية)