كتب الصحافي البريطاني روبرت فيسك في صحيفة "إندبندنت"، معلقا على طلب
الفلسطينيين الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، وتساءل فيه متى يتعلم الفلسطينيون؟، ويرى أن "اللجوء إلى القانون الدولي ليس هو الحل، اسألوا أمريكا وإسرائيل". متسائلا "إن كان طلب الفلسطينيين يأتي بـ(نتائج عكسية)، فماذا عما فعلته
إسرائيل الصيف الماضي".
وبدأ الكاتب مقالته بالقول: "ارم عظمة لكلب مسن فسيعدو خلفها، وهذا هو الهدف من طلب فلسطين الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية، وهي محاولة من محمود
عباس لمحاكمة إسرائيل على جرائم الحرب التي ارتكبتها ضد غزة صيف العام الماضي، بحسب ما يقال لنا. ولكن الانضمام هذا سلاح ذو حدين، قد يستخدم لوضع
حماس في (قفص الاتهام)".
ويضيف فيسك "قد غضبت إسرائيل وعارضت أمريكا بشدة هذا الطلب الخسيس، الذي تقدم به (العاهل المسن)، الذي يظن أنه يحكم دولة مع عدم وجود الدولة".
ويستدرك الكاتب بأنه "ليست هذه القصة، ويبدو أن الـ(بي بي سي) والـ(سي إن إن) وحتى الجزيرة فاتها وضع القصة في سياقها الصحيح؛ لأن الأمر الأهم في هذه القصة هو أن المنحدرين من منظمة التحرير، التي كانت تعد قبل ربع قرن أخطر منظمة إرهابية، حيث وصف أرئيل شارون عرفات بأنه (بن لادن إسرائيل)، هم اليوم يبحثون عن الالتزام بالقانون الدولي".
ويتساءل فيسك "هل هؤلاء الناس بعد دعواتهم السابقة كلها للقضاء على إسرائيل، وبعد عملياتهم الانتحارية كلها والانتفاضات يسعون اليوم للانضمام إلى أكثر الهيئات القضائية أهمية؟. لقد طالب الفلسطينيون بالعدالة لسنوات طويلة، وذهبوا إلى لاهاي لرفع قضية لهدم جدار الفصل العنصري الإسرائيلي، ولكن إسرائيل لم تبال بحكم المحكمة.. ويظن المرء بعد ذلك أن أي فلسطيني عاقل سيدير ظهره لمثل تلك المبادرات السلمية".
ويبين الكاتب أنه "ومع هذا يصر هؤلاء الفلسطينيون التعساء بعد هذه الإهانات المتكررة على اللجوء للقانون الدولي لحل مشكلتهم مع إسرائيل، وها هم اليوم يسعون بإخلاص للانضمام لمحكمة الجنايات الدولية، فهل لا يتعلم هؤلاء العرب أبدا؟".
ويواصل "بالطبع أمريكا تهدد بالعقوبة على هذه الوقاحة بقطع ملايين الدولارات كمساعدات للفلسطينيين، وتدعم إسرائيل في رفضها لطلب فلسطين للانضمام لمحكمة الجنايات الدولية، كما أن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وفرنسا تحديدا تماشتا مع هذه المهزلة، وقامت إسرائيل بتجميد 80 مليون جنيه إسترليني من الضرائب التي جمعتها نيابة عن السلطة الفلسطينية".
ويشير فيسك لما قاله المتحدث باسم الخارجية الأمريكية إن حكومته "متضايقة جدا من الطلب الفلسطيني، الذي يجلب نتائج عكسية تماما"، وإن هذا التحرك لا يفعل شيئا للتقدم نحو تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة، مع أن الانضمام لمؤسسة محترمة مثل محكمة الجنايات الدولية كان يجب أن يقنع العالم بأن الفلسطينيين أصبحوا جاهزين لتحمل أعباء دولة".
ويعلق الكاتب ساخرا بأن "الانضمام للمحكمة يعني أن على الفلسطينيين الالتزام بالقانون الدولي، وإن كان هذا القانون سيتم تطبيقه بأثر رجعي، فهذا يعني أن على الفلسطينيين تحمل الخزي للجرائم التي ترتكبها حماس ولجرائم المنظمة سابقا".
ويلفت إلى أن "الولايات المتحدة طبعا لم تنضم لمحكمة الجنايات الدولية، والغريب أن هذه الحقيقة لم تذكر في التقارير الإخبارية الكثيرة التي تحدثت عن طلب السلطة الانضمام للمحكمة. وهناك سبب مهم لعدم انضمام أمريكا للمحكمة، وهو خوف واشنطن من محاكمة جنودها ومسؤوليها لارتكاب جرائم حرب، مثل الإيهام بالإغراق وجرائم (أبو غريب) وتقرير التعذيب الذي مارسته وكالة الاستخبارات المركزية".
ويرى فيسك أنه "ليس غريبا إذن أن يقول المتحدث باسم الخارجية إن التحرك الفلسطيني (يفسد الأجواء كثيرا مع إسرائيل ويهدم الثقة، ويثير الشكوك حول جدية الفلسطينيين بالتوصل إلى حل تفاوضي)، ولنتذكر أن عباس لم يقدم على خطوته هذه إلا بعد أن أفشلت أمريكا المشروع الذي تقدم به لمجلس الأمن، وقد استخدمت أمريكا حق الفيتو ضد الفلسطينيين أربعين مرة منذ عام 1975، آخرها ضد مشروع قرار لإنهاء الاحتلال عام 2017".
ويمضي بالقول: "لكن الشجار هو أبسط من ذلك بكثير، فقد تعب العالم من رؤية معاناة الفلسطينيين. ويتهم من لديهم ذرة من الإنسانية يتضامنون بسببها مع الفلسطينيين بأنهم معادون للسامية أو معادون للصهيونية كلما عبروا عن غضبهم بسبب وحشية تعامل الإسرائيليين مع الفلسطينيين".
ويذكر قائلا: "قتل أكثر من 2000 فلسطيني الصيف الماضي، مئات منهم من الأطفال، كانت مذبحة حقيقية، وشاهدنا هذه المذابح مرات عديدة في غزة بشكل رئيسي حتى أصبحت جداول إحصاءاتنا ملوثة بالدم".
ويتساءل فيسك: "من يتذكر اليوم أعداد القتلى في حرب 2008 /2009 على غزة؟ 1417 قتيلا، منهم 313 طفلا، وأكثر من 5500 جريح، وكانت تلك حرب لم يعلق عليها الرئيس المنتخب باراك أوباما".
ويعاود الكاتب التساؤل "من يعلم ماذا ستفتح عضوية محكمة الجنايات من خفايا؟ طيار الطائرة التي قتلت 15 مدنيا عام 2002، من بينهم 11 طفلا في غارة على شقة سكنية لاغتيال أحد مسؤولي حماس؟ ألا تشكل تلك الحادثة جريمة حرب؟ ألا تفسد هذه الجرائم الأجواء وتهدم الثقة؟ ألم تكن تلك المذابح تأتي بنتائج عكسية؟ وماذا عن استعمار الضفة الغربية؟".
ويجد فيسك أن الغرض من عضوية المحكمة هو "بالتأكيد ليسجنوا من هم وراء عمليات الجهاد وحماس الانتحارية وجرائم الحرب، وليقوموا بمحاسبة مجرمي السلطة الفلسطينية، الذين يعذبون سجناءهم. ولكن ليس هذا ما يقلق إسرائيل وأمريكا، لكن ما يقلقهما هو أنه بعد أن يراجع القانونيون آلاف الوثائق قد يقرروا أن على إسرائيل أن تجيب عن نفسها أمام العدالة الدولية، وهذا أمر لن يستطيع فيتو أمريكي روتيني أن يمنعه".
ويدعو الكاتب قراءه قائلا: "تخيلوا لو أن إسرائيل وأمريكا أرادتا من الفلسطينيين توقيع بروتوكول روما وتنضم لمحكمة الجنايات الدولية ليكونوا مؤهلين للدولة، ولو رفض عباس التوقيع لقيل إن ذلك دليل على نواياه الإرهابية، ولكن كون الفلسطينيين يريدون توقيع المعاهدة الدولية ويلتزمون بالقانون الدولي هم يعاقبون، وهذه أول مرة تحصل في التاريخ الحديث".
ويختم بالقول: "لا أستطيع التفكير إلا في عبارتين تناسبان الفضيحة التي يرتكبها السياسيون الغربيون في تعاملهم مع هذا الموضوع وهما (إرباك سياستهم) و (إبطال حيلهم الخبيثة)".