بدا العام 2014 أشد الأعوام عنفا وتوترا في
اليمن، إذ شهد تطوراً دراماتيكياً في
الأحداث، انتهت بسقوط الدولة بمختلف مؤسساتها بأيدي مسلحي جماعة (أنصارالله) الحوثي.
ورغم تفاقم حالة القلق من الآتي، إلا أن آمال اليمنيين، ما زالت معقودة في تجاوز هذا الواقع البئيس،
ما يعني أن السيناريوهات تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات، لكنها تأتي هذه المرة محاطة بمزيد من الترقب والحذر الشديدين، لاكتمال حلقات الصراع التي دشنت في عام لم يجد البعض من وصفه بعام "
النكبة" لليمنيين.
مدير تحرير صحيفة المنتصف الأسبوعية يوسف المليكي قال معلقا على ذلك لــ "عربي21": "ما يأمله المواطن أن يكون كل عام أفضل من ذي قبل، لكن ما كل ما يتمناه المرء يدركه، أمور كثيرة حصلت، وأحداث عصيبة حملها العام 2014، فقد كان بشكل عام،
كارثة بالنسبة لليمن وللمنطقة برمتها".
وتابع المليكي "عام 2014، زادنا قلقاً على حاضرنا ومستقبلنا، توسعت فيه آلامه وأحزانه في نفوسنا، مشيرا إلى أن "هذا العام، جسّد إخفاق قيادات البلد في أداء واجبها تجاه الشعب المنكوب بهم" متمنياً أن "لا تتكرر أحداث هذا العام في حياتنا، فليرحل عنا بكل أوجاعه، غير مأسوف عليه".
من جهته، يعتقد الكاتب والصحفي عبدالله المنيفي أن "الأحداث التي شهدها اليمن خلال عام 2014، لم يكن يتوقعها أسوأ المتشائمين، خصوصا أن العام بدأ باختتام مؤتمر الحوار الذي كان يشكل بارقة أمل في خروج البلاد إلى بر الأمان، وحل كل القضايا التي تعاني منها البلاد بتنفيذ مخرجات الحوار وفي مقدمتها ما يتعلق بقضيتي صعدة والجنوبية، غير أن الأمور نحت منحى آخر، وصارت هذه المخرجات في خبر كان".
وأضاف المنيفي لـ"عربي21" أن "الأمر الأهم فيه انحسار الدولة، على حساب تمدد جماعة الحوثي المسلحة، يوازيه تزايد نشاط تنظيم القاعدة الذي وفرت له حروب الحوثي وسطوته العنيفة بيئة خصبة، كما أن القضية الجنوبية بقيت كما هي، إن لم تكن زادت تعقيداً، حيث انشغلت البلاد بحروب الحوثي طوال عام كامل". وفق تعبيره.
ولفت إلى أن "الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي، بدا قوياً مطلع العام، بدعم قوى سياسية لسلطته، قابله دعم دولي كبير، إلا أنه ظهر مع نهاية هذا العام، رئيس رمزي لا صلاحية حقيقية له بعد سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة وأغلب محافظات الشمال، وفرضها سلطة الأمر الواقع، وتغلغل الجماعة المسلحة في أجهزة الأمن".
وأشار إلى أن "الأحزاب السياسية انزوت جانباً، فحزب صالح صار متماهياً مع مشروع الحوثي، أما الإصلاح فتوارى حين شعر أنه المستهدف من مؤامرة كما لو أن الرئيس هادي طرفاً فيها، فيما فضلت بقية الأحزاب الصمت".
وقال الصحفي المنيفي متشائماً: "يبدو الوضع اليمني مستمراً في التدهور وليس هناك من حلول على المدى المنظور يمكنها أن تعيد الأمور إلى الطريق الصحيح".
في السياق ذاته، أكد الباحث والمحلل السياسي رياض الأحمدي أن "ما حصل باليمن في العام 2014، من تطورات وسيطرة للميليشيات، لم يكن مفاجئاً تماماً، لمن راقب الوضع بدقة، إذ أن المقدمات في مؤتمر الحوار كانت تتجه إلى إنهاء الدولة، بإقرار صيغة دولة فيدرالية غير ممكنة التطبيق، وكذلك جرى من خلال الحوار، الاعتراف بالجماعات المسلحة دون وضع أي شرط عليها بترك السلاح".
وأوضح الأحمدي أن "الذين وافقوا على دخول اليمن الحوار كشمال وجنوب وأقروا التقسيم الفيدرالي مع استحالة النجاح وفقاً لظروف الدولة اليمنية، كان من المتوقع أن يسهلوا سيطرة الميليشيات ويساهموا بضرب الدولة بأكثر من مطرقة وسندان في 2014".
وأشار إلى أنه "ألم يكن متوقعاً، استمرار صمت القوى السياسية في اليمن، وعدم قيامها بحراك سياسي، يمنع المزيد من تدهور الدولة، إذ أختزل الجميع خلافات السنوات الماضية، وتركوا البلد يتجه إلى تهديدات تمس كيان الدولة ونسيجها الاجتماعي"، بحسب تعبيره.
إلى ذلك، تمكنت "عربي21" من رصد أهم الأحداث التي شهدتها اليمن خلال العام 2014، وكانت كالتالي:
ففي منتصف كانون الثاني/ يناير مطلع عام 2014، شهد اليمنيون أشهر عملية تهجير قسري بحق السلفيين من منطقة دمّاج بمحافظة صعدة شمال اليمن،التي يوجد فيها أكبر مركز تعليمي للسلفيين في البلاد منذ إنشائه قبل أربعين سنة، وجاء قرار التهجير بعد جولتين من المواجهات بينهم وبين مسلحي جماعة (أنصارالله) الحوثيين الشيعة.
وفي 21 من كانون الثاني/ يناير، أُعلن عن اختتام فعاليات مؤتمر الحوار الوطني بعد10 أشهر من النقاشات العميقة للقضايا اليمنية العالقة، أنتهي بإقرار وثيقة الحوار الوطني التي تم التوقيع عليها من قبل جميع الأطراف المشاركة في المؤتمر والتي لازالت حبراً على ورق، حتى اللحظة.
وفي 27 من كانون الثاني/ يناير، شكل الرئيس عبد ربه منصور هادي لجنة تحديد الأقاليم، وصدر بذلك قرار جمهوري.كما شهد هذا اليوم، اغتيال أحد ممثلي الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني أحمد شرف الدين.
في العاشر من شباط / فبراير، أقرت لجنة تحديد الأقاليم المشكلة بقرار من الرئيس هادي، رسيماً تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم في إطار الدولة الاتحادية، اثنان في الجنوب، وستة أقاليم في الشمال. وشهدت العاصمة اليمنية صنعاء في 14 من الشهر نفسه، عملية نوعية لتنظيم القاعدة، حيث جرى استهداف السجن المركزي في صنعاء، بسيارة مفخخة، ما أدى إلى هروب 29 سجينا منهم 21 مسجونا من عناصر التنظيم.
وفي 22 آذار/ مارس، رفض زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي تسليم جماعته للأسلحة التي بحوزتها، معتبراً دعوات تخليهم عن السلاح، مؤامرة خارجية تتعرّض لها اليمن في ظل جيش مفكك وحكومة خاضعة.
وفي 24 من آذار/ مارس، قتل أكثر من 20 جندياً في هجوم انتحاري شنه أحد العناصر التي يعتقد انتماؤهم للقاعدة، بسيارة ملغومة على حاجز عسكري للتفتيش على المدخل الغربي لمدينة المكلا بمحافظة حضرموت.
وفي 31 من آذار/ مارس، دعا الرئيس اليمني إيران إلى وقف دعمها للانفصاليين في الجنوب وللجماعات الدينية في شماله، متهما إياها بالتدخل في شؤون بلاده الداخلية، كما دافع عن العمليات التي تنفذها الطائرات الأمريكية بدون طيار.
في الـتاسع عشر من نيسان/ إبريل، أعلنت الداخلية الإفراج عن طبيب أوزبكي بعد أسبوع من اختطافه على أيدي مسلحين قبليين بمحافظة مأرب، في حين أعلنت السلطات اليمنية مصرع أكثر من 40 عنصرا من عناصر القاعدة خلال غارات جوية متفرّقة بين محافظات متعددة خلال ثلاثة أيام، وفي أواخر الشهر نفسه، أعلنت وزارة الدفاع إطلاق حملة عسكرية برية وجوية تستهدف معاقل القاعدة بمحافظتي أبين وشبوة جنوب وشرق البلاد.
في 11من حزيران / يونيو اقتحمت قوات الحرس الرئاسي مقر قناة اليمن اليوم التابعة لنجل الرئيس السابق علي عبد الله صالح بالعاصمة صنعاء، وصادرت أجهزة ومعدات البث، بعد اتهامها بالتحريض للانقلاب على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي. وفي العشرين من الشهر نفسه، أحاط مبعوث الأمين العام الأمم المتحدة الخاص لليمن جمال بنعمر مجلس الأمن حول العملية السياسية وتطورات الوضع في اليمن، لافتا إلى أن "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، ما زال يشكل تهديداً جدياً وخطيراً جداً. وشدّدت في هذا السياق على ضرورة تكثيف الدعم الدولي وتعزيز استدامته.
وفي السابع من تموز/ يوليو، سيطر مسلحو جماعة الحوثي على محافظة عمران (50) كيلومترا شمال صنعا، عقب اقتحامهم معسكر اللواء 311، وقتل قائده العميد الركن حميد القشيبي وعدد أخر من القادة العسكريين، عقب مواجهات دامية بين قوات الجيش ومسلحي الحوثي المدعومين من شخصيات قبلية وعسكرية موالية للرئيس السابق علي صالح، وسط اتهامات للرئيس اليمني ووزير دفاعه السابق محمد ناصر أحمد بتقديم العون للحوثيين، ورفض تعزيز قوات الجيش.
وفي 31 من تموز/ يوليو، أقر الرئيس اليمني رفع الدعم عن الوقود في ثالث أيام عيد الفطر، مما أدى إلى زيادة أسعارها بنسبة مئة بالمئة، ومع بدء تطبيق قرار إلغاء الدعم شهدت صنعاء وعدد من المدن الرئيسة أعمال عنف وقطع للطرق الرئيسة احتجاجاً على الأسعار الجديدة.
وفي 17من آب/ أغسطس، أعلن زعيم جماعة الحوثي عبد الملك الحوثي، الثورة على الحكومة اليمنية في العاصمة صنعاء، ودعا أنصاره لإسقاط الحكومة وإسقاط قرار رفع أسعار الوقود، وتشكيل حكومة كفاءات.
وفي 21 من أيلول/ سبتمبر، اجتاح مسلحو جماعة الحوثي العاصمة صنعاء، بعد خمسة أيام من مواجهات محدودة مع قوات الجيش يقودها الجنرال علي محسن الأحمر مستشار الرئيس هادي، بالتوازي مع اتهامات للرئيس هادي ووزير دفاعه بالتواطؤ مع الحوثيين المدعومين من قبل أنصار الرئيس السابق علي صالح.، وفي اليوم نفسه، قدم رئيس الحكومة السابقة محمد سالم باسندوه استقالته من منصبه، إثر سقوط العاصمة صنعاء، مبرراً ذلك بإتاحة الفرصة لتوقيع اتفاق بين الرئيس هادي
وجماعة الحوثي.
كما جرى، في 21 من أيلول/ سبتمبر، التوقيع على ما عرف بــ"اتفاق السلم والشراكة" بين الرئاسة اليمنية وممثلين عن جماعة الحوثي، بمشاركة مختلف القوى السياسية في البلاد، وتضمن الاتفاق تشكيل حكومة كفاءات، وانسحاب الحوثيين من العاصمة صنعاء.
وفي 24 من أيلول/ سبتمبر، عين الرئيس عبد ربه منصور هادي مستشارين سياسيين له من جماعة الحوثيين والحراك الجنوبي، وذلك لإعطاء قضيتي صعدة والجنوبية أولوية في المرحلة المقبلة، كما نص القرار الرئاسي.
وفي التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر، لقي نحو 53 حوثيا بينهم مسلحون، وأصيب 163 آخرين، في تفجير انتحاري، استهدف تجمعا لهم، استعداد للتظاهر بميدان التحرير وسط العاصمة صنعاء.
ومنذ سيطر
الحوثيون على صنعاء، أواخر أيلول/ سبتمبر، واصل مسلحو الجماعة في تشرين الأول/ أكتوبر، اقتحام عدد من المدن اليمنية وذمار وإب والحديدة والمحويت وحجة والبيضاء التي شهدت معارك عنيفة بين قبائل سنية مدعومة من عناصر القاعدة، والحوثيين الذين تساندهم قوات من الجيش الذي كان يرأسها نجل الرئيس السابق أحمد، وكذلك بدعم جوي من الطيران الأمريكي من دون طيار.
وفي السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر، أصدر الرئيس عبد ربه منصور هادي قرارا جمهوريا يقضي بتشكيل وتسمية أعضاء حكومة الكفاءات برئاسة خالد محفوظ بحاح، كان نصيب الحوثيين، 6 حقائب وزارية هي النفط والثروات المعدنية، والعدل، والكهرباء والطاقة، والثقافة، والخدمة المدنية والتأمينات، والتعليم العالي.
هذا وسبق أن اغتال مسلحون مجهولون، في الثاني من الشهر ذاته القيادي في تكتل المشترك محمد عبد الملك المتوكل بصنعاء.
وفي 8 من تشرين الثاني/ نوفمبر، عُزل الرئيس عبد ربه منصور هادي من منصب نائب رئيس حزب المؤتمر والأمين العام للحزب الذي يرأسه الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بعد اجتماع للجنة الدائمة برئاسة هذا الأخير، وفي اليوم ذاته، فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على الرئيس اليمني السابق علي صالح والقائدين العسكريين في جماعة الحوثي أبوعلي الحاكم وعبد الخالق الحوثي، واتهامهم بتقويض العملية السياسية في اليمن.
وفي 13 من كانون الأول/ ديسمبر، سيطر مسلحو الحوثي على مديرية أرحب القبلية شمالي صنعاء، بعد انسحاب مقاتلي القبائل من جبهات القتال بموجب اتفاق رعته وساطة قبلية، قابله اتهامات لوحدات من الجيش الموالية لنجل الرئيس السابق العميد أحمد علي، بالتورط في دعم الحوثيين، للانتقام من أبناء المنطقة الذين خاضوا معارك عنيفة معها، عقب إعلان قبائل أرحب مناصرتها لثورة 11من شباط/ فبراير التي أطاحت بوالده من الحكم في 2011.
وفي الشهر ذاته، قال السفير الأمريكي "ماثيو تويلر" بصنعاء: إن "بقاء الحوثيين في مؤسسات الدولة يضعف الاقتصاد الوطني"، مشيراً إلى أن عدداً من المؤسسات الأجنبية عزفت عن الاستثمارات في اليمن بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء ومحافظات أخرى، محذراً الحوثي بمزيد من العقوبات الدولية إذا استمر باستخدام القوة العسكرية.
وفي 25 من كانون الأول/ ديسمبر، أعلن حزب الإصلاح (إخوان اليمن) فشل عملية التواصل المباشر مع جماعة (أنصارالله) الحوثي، لوقف الاستهداف الممنهج لمقراته وكوادره. كما قام مسلحو الحوثي باحتلال صحيفة الثورة المملوكة للدولة، وعزل رئيس تحريرها وتعيين مقربا منهم بديلاً عنه، وهذا الأمر لم يكن هو الإجراء الأول ضد الإعلام في اليمن، بل سبق وأن احتلت مجموعة مسلحة من حركة (أنصار الله) الحوثي في أيلول/ سبتمبر الماضي مقر تلفزيون اليمن، المحطة اليمنية الرسمية.
ومنذ ذلك الحين، حصلت عدة اعتداءات من قبل مسلحين ينتمون إلى هذه المجموعة ضد وسائل الإعلام الخاصة، بالإضافة إلى تهديد عدد من الصحفيين وترهيبهم. بحسب منظمات حقوقية.