فجّرت قضية منع نقابة الأمن الرئاسي بتونس، رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة
سهام بن سدرين؛ من تسلّم أرشيف رئاسة الجمهورية الموجود بقصر قرطاج؛ ردود أفعال كثيرة، بلغت -بحسب مراقبين- حدّ التشنّج في بعض المواقف.
وقال
خالد الكريشي، عضو الهيئة المكلّفة برصد وتوثيق الانتهاكات زمن حكم بورقيبة وبن علي ومحاسبة مرتكبيها وتعويض الضحايا، إن هيئته "ستقاضي أعضاء نقابة الأمن الرئاسي الذين تعمّدوا الجمعة الماضية منعنا من نقل الأرشيف الوطني تبعاً للاتفاق السابق مع رئاسة الجمهورية".
وأضاف لـ"عربي21" إن هيئة الحقيقة والكرامة اتفقت سابقاً مع رئاسة الجمهورية حول هذا الموضوع؛ لكن نقابة الأمن الرئاسي تعمّدت إبطال اتفاق دستوري ليس من اختصاصها"، مؤكداً أن ما جرى يعد "خرقاً واضحاً لقانون العدالة الانتقالية، واستهتاراً بقوانين الدولة".
الهيئة تقاضي الأمن الرئاسي
وبيّن الكريشي أنّ الهيئة ستلجأ إلى مقاضاة أفراد الأمن الرئاسي "لتعطيلهم عمل الهيئة، طبقاً للفصل 66 من قانون العدالة الانتقالية، الذي كان تتويجاً لمشاورات وطنية واسعة، وصادق عليه المجلس الوطني التأسيسي في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2013" .
وأضاف أنّ "أرشيف الفترة الممتدّة من 1 يوليو 1955 وإلى غاية 31 ديسمبر 2013 يفترض أن يكون في ذمّة الهيئة، وفقاً لاتفاق مع وزير الداخلية الذي أكّد ذلك خلال جلسات عمل معه منذ شهرين، وذلك تيسيراً لمهام الهيئة، وحرصاً على كشف الحقائق، وجبرا لضرر ضحايا الانتهاكات".
وكشف أن الهيئة مُنعت من تسلّم الأرشيف رغم تدخّلات الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية محمد المسعى، مشيراً إلى أن حماية الأرشيف الرئاسي "ليست من مهام نقابة أمن الرئاسة".
ولفت الكريشي إلى أنّ هيئة الحقيقة والكرامة "لا تحتاج خلال قيامها بعملها وممارستها لصلاحياتها؛ إلى الاستظهار بأية وثيقة أو إذن قضائي حسب الفصل 56 من قانون العدالة الانتقالية".
الحكومة القادمة تتسلّم الأرشيف
بدوره؛ قال كاتب عام نقابة الأمن الرئاسي هشام الغربي في تصريح صحفي، إن رفضها السماح لرئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين بنقل أرشيف رئاسة الجمهورية؛ جاء بناء على تعليمات من المدير العام لأمن رئيس الدولة، وشخصيات رسمية.
وفي السياق نفسه؛ قال مدير الأمن الرئاسي توفيق القاسمي، إنه أعلَمَ الرئيس المنتهية ولايته منصف المرزوقي "بأن نقل الأرشيف في الفترة الحالية سيُحدث بلبلة كبيرة داخل جميع الأوساط"؛ مضيفاً: "الحكومة القادمة هي التي ستتسلّم الأرشيف".
وأضاف القاسمي أن مدير ديوان المرزوقي اتصل بالقيادي في "نداء
تونس" رضا بالحاج الذي أعلمه أن الرئيس المنتخب الباجي القائد السبسي "أجّل جلسة العمل التي ستنظر في موضوع إعطاء الأرشيف لهيئة الحقيقة والكرامة" بحسب تعبيره.
توقيت مريب
وكشف شاهد عيان تابع عملية منع بن سدرين من تسلّم أرشيف الرئاسة لـ"عربي21" أن كاتب عام نقابة الأمن الرئاسي هشام الغربي قال إن الرئيس المنتخب الباجي قايد السبسي سيتسلّم القصر خلال وقت قصير، معتبراً -أي الغربي- توقيت حضور هيئة الحقيقة والكرامة إلى
قصر قرطاج "مُريبا، ويوحي بوجود نيّة للتلاعب بالأرشيف من قبل بعض الأطراف، وإدخال البلاد في حالة من الفوضى والبلبلة، وتصفية الحسابات الشخصية".
من جهته؛ استنكر المرصد التونسي لاستقلال القضاء "منع هيئة الحقيقة والكرامة من تسلم أرشيف الرئاسة، وأسلوب التعامل مع أعضائها فيما يتعارض مع أحكام الدستور والقانون المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية، ويتنافى مع موقع الهيئة ومكانتها كهيئة دستورية".
واعتبر المرصد، في بيان حصل موقع "عربي21" على نسخة منه، ما قامت به نقابة الأمن الرئاسي "تجاوزاً شأنه المساس بحسن سير مؤسسات الدولة"، مؤكداً "ضرورة الاعتماد في تطبيق مسار العدالة الانتقالية على إرادة سياسية جادة لمعالجة ماضي الانتهاكات، ومحاسبة المسؤولين عنها، وكشف الحقائق، تحقيقاً للوحدة الوطنية والانتقال الديمقراطي".
أسرار ستكشف "المعارضين"
وطالب المحلّل السياسي وأستاذ القانون الدستوري، قيس سعيّد، القضاء بأن يحسم النزاع القائم على الأرشيف الرئاسي بين نقابة الأمن الرئاسي، وهيئة الحقيقة والكرامة، مؤكداً أهمية تحديد القضاء لبعض المفاهيم التي وردت في قانون العدالة الانتقالية على غرار النفاذ إلى أرشيف الرئاسة.
واعتبر مراقبون أن الأرشيف الذي يؤرخ لمختلف مراحل الدولة التونسية وأسرارها منذ الاستقلال وإلى الآن؛ قد خضع لتفتيش دقيق في بداية الثورة من قبل هيئة الكشف عن الفساد، شمل كل جوانبه ووثائقه وخزائنه، وتمخّض عنه كتاب من الحجم الكبير، مما يؤكّد انتفاء وجود وثائق أخرى تنفع الهيئة في تقصّي الحقائق.
لكن آخرين يرون أن "الأرشيف يحوي أسراراً كبرى، وسجلاّت ضخمة لعدد من "المناضلين" و"الحقوقيين" و"المعارضين" الذين كانوا "يؤدّون خدمات لنظام بن علي، ويقبضون مقابلها أموالاً، مع المجاهرة الدائمة بمعارضتهم له، ووقوفهم ضده".