يمكننا أن نقول أن عام 2014 كان وبامتياز عام التحدي والنجاح التركي، الذي مثّلته السياسة التركية، متمثلة في حزبها الحاكم الذي اختاره
شعب عظيم، لا يملك أحد أن يخيّره بين أمنه وحريته.
فقد حاز الأتراك قصب السبق في الفوز بمعركة التحدي التي خاضوها ببسالة وإقدام، مستصحبين في مسيرتهم نحو استعادة مجدهم عزائمهم خلف الفاتح محمد الفاتح، حين استعصت عليه حصون
القسطنطينية وقلاعها فرفع شعار:
" إما أن يسقط
العثمانيون وإما أن تسقط القسطنطينية".
و قد صام العثمانيون ذلك اليوم ليصلوا أسباب الأرض بأسباب السماء فتهاوت الحصون والقلاع تحت أقدام نعم الأمير ونعم الجيش .
الأتراك نفوسهم كبيرة، وهممهم عالية، وبأسهم على عدوهم شديد، أما الإنسانية الراقية فلا أظن لها الآن متسع عند أمة غيرهم، وما مقالة أحمد داوود أوجلو:
" إن يثرب بفضل تعاملها مع المهاجرين علت مكانتها، وأصبحت المدينة، ونحن نتعامل مع اللاجئين السوريين كما تعاملت يثرب مع المهاجرين".
إلا غيض من فيض إنسانية الأتراك الأصليين وليس الغلمان الذين قالوا إن استقبال مليون ونصف لاجئ سوري خيانة للوطن !!
و لأن الأتراك العثمانيين كبار فالكذب لا مكان له في مساحاتهم، بل يحتقرونه ويحتقرون الكذابين، الذين كان مرباهم على العسف فنشأوا على الكذب، أما الأتراك فقد كان مرباهم على الحرية والمجد الذي بلغوا ذروته، و لم تُمح من ذاكرتهم سيرةُ أجدادهم، الذين ملكوا إمبراطورية وساسوها بشرقها وغربها، ودانت لهم الأقطار فيها بالفضل والانتماء، فصنعوا حضارة لم تغرب شمسها على مدار أكثر من ستة قرون، أسسها عثمان الأول بن أرطغرل، وبالتحديد منذ حوالي 27 يوليو سنة 1299م حتى 29 أكتوبر سنة 1923م.
استطاع الأتراك أن يفرضوا على العالم معادلة سياسية جديدة في العقد السياسي الأخير في ساحة السياسة الدولية، عنوانها ومضمونها أنه يوجد على خارطة العالم وبين الأمم أمة، لا تقوم سياستها على الانحطاط الأخلاقي، والقذارة السياسية، وحتمية التناقض بين القيم والسياسة، وبين المبادئ والمصالح، ولا تسلّم بما رسمه الآخر من ثوابت الحلبة السياسية، من حتمية التخلي عن الاستقلال والإرادة الوطنية لمن أراد دخول السباق، والانصياع الكامل والتبعية المطلقة للكبار، وإلا فالنتيجة معلومة ومحددة، ولا تغيير فيها ، السيناريو الأول:،الانقلاب، السجن، الإعدام، الحظر.
السيناريو الثاني: الفوضى، بأركانها، وأدواتها، حتى الوصول للسيناريو الأول وهو المراد.
و أدوات التنفيذ جاهزة وعلى أهُبّة الاستعداد في كل زمان ومكان، من كتائب الغلمان الذين تم تأهيلهم وإعدادهم لذلك الدور، من أول درس تلقّوه في دراستهم في أمريكا، حين ذهبوا إلى هناك ليدرسوا، ويحصلوا على الشهادات العالية، فتم لهم ما أرادوا، وحاذوا أعلى درجات وشهادات التأهيل للقيام بما يُكلّفوا به .
تولي الطيب أردوغان في سنة 1994م منصب عمدة إسطنبول بعد فوزه في الانتخابات مع حصول حزب الرفاة على عدد كبير من المقاعد.
حوّل أردوغان مدينة إسطنبول، إلى منارة ووجهة سياحية عالمية، أبهرت الناظرين، وأضحت قبلة السائحين، ووضعها في الموقع اللائق بالمدينة، التي فتحها نعم الأمير ونعم الجيش، وأعاد إليها عبق التاريخ، وأريج المجد فأينما ولّيتَ وجهك فثمّ مجدُ الفاتح من آل عثمان.
الغلمان لا يهدأ لهم بال، ولا تغمض لهم عن الشر عين، فتم الزجّ بأردوغان إلى السجن، لقضاء الأشهر التي بعثوا بها رسالة، مفادها لا عودة للمجد، ولا دخول إلى ساحة الكبار، ولا خرق لقواعد اللعبة.
و في مشهد مهيب، لا يقوى على صناعته إلا أحفاد الفاتح، احتشد عشرات الألاف أمام البيت المتواضع في حي البرهانية في إسطنبول، واحتملوا الطيب أردوغان بقلوبهم قبل أن يحملوه بأيديهم، في موكب جاوز ال 1500 سيارة على امتداد أكثر من خمسة كيلو مترات إلى قلب المدينة حيث يرقد البطل القائد محمد الفاتح فاتح القسطنطينية في مسجده التاريخي، ليكون توديع الطيب أردوغان إلى السجن هناك من عند الفاتح، إعلاناً عن بداية عهد جديد قرر العثمانيون الشروع فيه، ورسالة واضحة المعاني، والمفردات :
إنا عائدون إلى هنا ولكن بمجد وحضارة صاحب الحضرة والمقام هنا محمد الفاتح لأننا اليوم نصنع منا بأيدينا فتحاً وفاتحاً جديداً إن كنتم قد سجنتموه لأنه قال:
“مساجدنا ثكناتنا.. قبابنا خوذنا.. مآذننا حرابنا .. والمصلون جنودنا ”
فلسوف نعيده نحن أحفاد الفاتح، والنورسي، و أبناء أربكان، و نُجلسه في مكان مؤسس الجمهورية الحديثة ونبوءة مقعد الفاتح.
لم يكن مشهد توديع الطيب أردوغان للكبير عبدالله جل الرئيس الحادي عشر لتركيا، في القصر الرئاسي التركي، ومشهد تنصيب الطيب أردوغان، الرئيس الثاني عشر لتركيا، إلا ثمرة ونتيجة لعقول وقلوب، حبست آهاتها وعبراتها، يوم حملت الطيب أردوغان إلى السجن ثم عادت وتعاهدت فيما بينها:
"إما أن يسقط الغلمان وإما أن يسقط العثمانيون"
و العثمانيون لا يسقطون لأنهم يحملون شرف الأمة بمقالة الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم "فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش"
شكراً لمن قرأ والشكر موصول لمن فهم واقتدى.