لم أستخدم ولو مرة، اللقب الشائع للمستشار عدلي منصور: "الطرطور"، لأنني أنتمي للمدرسة الصحفية المحافظة. ولأنني قادر بعون الله، على أن "أفش غليلي وغليل قرائي" في أي شخص، من دون أن استخدم لفظاً جارحاً. ولأنني منذ البداية، لم أشأ أن أمكن خصماً مني بضبطي متلبساً بتهمة السب والقذف، ولهذا فقضية السب الوحيدة، التي رفعت ضدي خلال أكثر من ربع قرن من ممارستي العمل الصحفي، كانت هي القضية المرفوعة من الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وقد خسرها أمام محكمة أول درجة وتأيدت براءتي أمام محكمة الاستئناف، وجاءت حيثيات الحكم لتقول إنني مارست النقد المباح.
لقد كان المستشار منصور رحيماً بنفسه، عندما لم يقاض أياً من الذين استخدموا الوصف أعلاه، لأنه كان سيفسح المجال للأخذ والرد، ومحاولة من استخدموا هذه المفردة إثبات أنها وصف له وليست قذفاً في حقه. وربما وجدوا في
تسريبات قناة "الشرق الفضائية" رمية بغير رام، وفيها ما يؤكد أن الحاكم الحقيقي للبلاد في فترة حكم منصور، كان هو عبد الفتاح السيسي!.
لقد ظللنا فترة طويلة، في مناظراتنا التلفزيونية مع "المختومين على أقفيتهم" نقول إن ما يؤكد أن ما جرى في 3 يوليو هو انقلاب عسكري، هو أن الجنرال عبد الفتاح السيسي هو من يحكم، وكانوا يردون علينا بأن رئيس
مصر هو "عدلي منصور"، وكانوا وهم يقولون ذلك يبدون كما لو كانوا يطلقون نكاتاً على المسرح الفكاهي.
لم نكن نعدم رداً وهم يرددون هذه "الإسطوانة المشروخة" بجدية، فالذي طلب التفويض لمواجهة "الإرهاب المحتمل" هو السيسي، وهو الذي خرجت "العوالم" له يمنحنه التفويض "بهز أوساط" تكاثرت عليها الدهون، حتى مثلت طبقات بعضها فوق بعض خلطت الحابل بالنابل، وأصبح التوصل لشرح ما غني له المطرب الشعبي "وسطك ولا وسط كمنجة"، يحتاج إلى خبير في علم التشريح، ليتوصل إليه، من جراء الإسراف في أكل "المحشي" ومشتقاته!.
ليس من سلطة وزير الدفاع أن يطلب تفويضاً كهذا، لأنه خارج دائرة اختصاصه، لكن السيسي لم يكن مجرد وزير دفاع، فقد كان هو الرئيس، وكان عدلي منصور مستدعى للقيام بمهمة وفي انتظار أن يستكملها ليحصل على "مكافأة نهاية الخدمة"!.
"التسريبات" التي فازت بها "قناة الشرق" هذه المرة، كانت في الجزء الأول منها، عبارة عن تسجيل بين "اللواء" ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشؤون القانونية، و"اللواء" مدير مكتب وزير الدفاع "خالد الذكر" وزير الدفاع. وكان الأول يطلب من الأخير سرعة توقيع السيسي على مشروع قانونين، حتى يمكنه إرسالهما لمجلس الوزراء!.
المطلوب إذن هو التوقيع بالموافقة من قبل وزير الدفاع، ولا حديث عن هذا المستدعى من المحكمة الدستورية، للقيام بدور "الرئيس المؤقت"، فثورة هذه أم انقلاب؟!
بعض أصدقائي، الذين عملوا السوء بجهالة، وأيدوا ما جرى في يوم 3 يوليو، ثم تابوا من قريب، عندما أسألهم عن توصيف الحاصل الآن، فيقولون إن ترقية عبد الفتاح السيسي ليكون رئيساً للجمهورية مثلت انقلاباً على ثورة 30 يونيه. مع أنه بمقتضى هذه التسريبات، فإن كل ما جرى أن عبد الفتاح السيسي انتقل من مرحلة الرئيس المستتر، إلى مرحلة الرئيس المعلن!.
ما علينا، فهذه التسريبات، جاءت لطمأنة فؤاد الثوار في مصر، بأنه إذا كانت "الجزيرة مباشر مصر" قد أغلقت، فإن فضائيات أخرى يمكن أن تقوم بالدور، ولا يعلم جنود ربك إلا هو. صحيح أن التسريب السابق بثته قناة "مكملين"، لكن كان تركيز المشاهدين على "مباشر مصر"، والتي لا أعرف إن كانت قد بثته في التو واللحظة، أما كان بعد بثه على "مكملين"!.
وقد راعني أن الجماهير قد تدافعت على ترددات "الشرق"، ولاحظت حجم المشاهدة والتأثير، من خلال التعليقات الخاصة بالتسريبات على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد بثت "الشرق" تردداتها، وأعلنت عن هديتها للثوار قبلها بست ساعات، وهذا النزوح الجماهيري إليها جعلني أقول إن القناة انتقلت من مرحلة البث التجريبي إلى البث الفعلي في هذه الليلة.
اللافت في تسريبات هذه المرة، أن مكتب وزير الدفاع واقع تحت المراقبة، فالمسألة تعدت فكرة أن التجسس هو على الهواتف فقط، فقد كان مدير مكتب المذكور، يخاطب أحد العاملين في مكتبه، وسمعنا صوته، على نحو يؤكد أنهم باتوا يمثلون خطرا برعونتهم على الأمن القومي المصري، إذ كيف يكون مكتب وزير الدفاع على "الهواء مباشرة"، وكأننا أمام "قناة السيسي مباشر مصر".. وإذا كان مكتب القائم على أمر الجيش المصري هكذا، فكيف بغيره من مكاتب المسؤولين في المحروسة، ليصبح السؤال هنا: من يتجسس على من في مصر؟!
ما علينا، فهذا التسريب يفسر مقولة وزير الداخلية في سلطة الانقلاب: "نحن في العصر الذهبي لترابط الجيش والشرطة والقضاء"، فمدير مكتب السيسي يطلب من ممدوح شاهين التدخل في قضية سيارة الترحيلات، لنجدة ضابط شرطة متهم هو ابن ضابط كبير بالجيش، ويرد عليه شاهين بأنه سوف "يكلم له القاضي"!.
وهو أمر يستدعي أن تقوم من أجله قائمة مجلس القضاء الأعلى، إذا لم يكن استنكاراً لما جرى لأنه الواقع الأليم فلحفظ ماء الوجه!
لقد وقفنا على كلمة "سر الليل" في هذه القضية وغيرها من القضايا، فببرود يقول ممدوح شاهين "سأكلم القاضي"، وهذا ما يفسر الأحكام الهزيلة التي صدرت ضد الضباط الجناة، الذين تم اتهامهم بقتل أكثر من ثلاثين شخص، حرقوا في "سيارة الترحيلات" وتفحموا بعد حبسهم فيها لمدة ست ساعات.
جريمة هزت الضمير الإنساني، ومع هذا تعامل الانقلاب وأزلامه مع ما جرى وكأنه لا شيء، ليعد ممدوح شاهين بأن يكلم القاضي بناء على طلب مدير مكتب عبد الفتاح السيسي.
أولاد براز الخيل: ثورة هذه أم انقلاب؟!