انتهت منافسات كأس العالم للأندية التي احتضنها
المغرب، ولم ينته الجدل الذي فجره قرار
الملك محمد السادس، الذي قضى بـ "
تعليق" وزير الشباب والرياضة محمد أوزين، ومنعه من مزاولة
مهام مرتبطة بالإشراف على كأس العالم للأندية، وتحول الجدل إلى نقاش مدى مطابقة قرار الملك للنص الوثيقة الدستورية، التي تنظم السلط واختصاصات الملك فيما يتعلق بوزرائه.
وتباينت وجهات نظر عدد من الباحثين في القانون الدستوري والعلوم السياسية، الذين استقى موقع "عربي21" تصريحاتهم ورصد مواقفهم، حيث انقسموا إلى ثلاث وجهات نظر متباينة، الأولى ترى الفعل دستوريا صرفا، والثانية تراه خروجا على الدستور، فيما حاولت الثالثة التأسيس عليها لبيان الطبيعة "الرئاسية" للنظام السياسي المغربي.
وقال محمد بودن، أستاذ التعليم العالي، بجامعة طنجة شمال المغرب، إن "القرار الملكي بإصدار تعليمات لرئيس الحكومة قصد تعليق أنشطة وزير الشباب والرياضة فيما يرتبط بمونديال الأندية كان دستوريا"، فـ"إصدار تعليمات بتعليق أنشطة الوزير فيما يتعلق بالموندياليتو يذهب في اتجاه، ، عدم تدخل الوزير بصفته الوزارية في التحقيق، ولا يضغط في اتجاه تغيير الحقائق".
وتابع محمد بودن، في تصريح لموقع "عربي21" أن القرار حفظ ماء وجه رئيس الحكومة، الذي لو كان قد اتخذ قرارا لتم إدراجه في خانة التآمر السياسي"، و"قرار الملك هو قرار دستوري لأن الملك أصدر تعليماته لرئيس الحكومة الذي عينه، طبقا للفقرة الأولى من الفصل 47 من الدستور، علاوة على أن وزير الشباب والرياضة هو عضو في الحكومة عينه الملك باقتراح من رئيس الحكومة".
ودافع بودن، عن "التعليمات" الملكية معتبرا أنها "هنا كانت تعليمات رئاسية"، مسجلا أن "الفهم "الماكرو" دستوري يسعفنا في تحديد أسانيد القرار وهي الفصل 42 من الدستور، فالملك هو رئيس الدولة وممثلها الأسمى، رمز وحدة الأمة، ضامن دوام الدولة واستمرارها ( الحادث هو قضية دولة )".
وأضاف الأستاذ الباحث، أن "التعليمات الملكية سواء كانت خطية أو شفهية يمكن أن تدرج في حقل "الأعراف الدستورية" التي تكتسي صفة معتبرة في الحياة الدستورية، وتأخذ أشكالا منها، تعليمات للحكومة أو مؤسسات أخرى قصد إرسال مساعدات لشعب ما، أو ما شابه ذلك، تعليمات لوزراء قصد التنقل إلى مكان ما يتطلب القيام بإجراءات تتبع وضع معين، تعليمات لوزراء أو مسؤولين قصد إيجاد حلول لمشكلة ما أو استجابة لملتمسات مواطنين".
وأوضح بودن أنه "إذا كان الخطاب المواكب لدستور 2011، قد قوّى من موقع الوزير الأول الذي أصبح رئيسا للحكومة، وعلى تعزيز المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان، فإن مضمون الدستور لم يذهب بعيدا في اتجاه ضمان استقلالية الوزراء تجاه المؤسسة الملكية".
على عكس محمد بودن، سجل عبد الرحيم العلام، الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري، في جامعة مراكش، الملاحظات التالية على القرار الملكي، "أولا: لا ينص الدستور على أي مسطرة لمحاسبة الوزراء خارج الاعفاء من المنصب، فلا يوجد ما يفيد بأنه بإمكان الملك تعليق عمل وزير، ولكن يمكنه أن يعفيه من منصبه مع شرط استشارة رئيس الحكومة، ونفس الشيء بالنسبة للأخير، فهو لا يمتلك دستوريا أية صلاحية لتوقيع عقوبات على الوزراء، لكن يمكنه أن يتوجّه بطلب للملك من أجل إعفاء وزير من منصبه".
ويضيف العلام، في تصريح لموقع "عربي21"، "ثانيا: أن البلاغ يفيد بأن الملك أصدر تعلمياته لرئيس الحكومة من أجل تعليق عمل الوزير فيما يخص مناسبة رياضية، وتشكيل لجنة للتحقيق، لكن هذا الأمر صدر على شكل تعليمات خارج المجلس الوزاري".
وشدد على أن "الملك بحسب الدستور يمارس صلاحياته بظهائر وليس عن طريق "تعليمات"، كما أنه يمارس السلطة التنفيذية ويوجه أعمال الحكومة من داخل المجلس الوزاري.
وأفاد العلام، بأن "الذي عليه أن يُصدِر قرار "التوقيف" هو رئيس الحكومة، بمعنى أن بلاغا تاليا على بلاغ الديوان الملكي يجب أن يصدر لكي يتوقف الوزير عن الإشرافه على المناسبة الرياضية. إضافة إلى ضرورة تعيين اللجنة من قِبل رئيس الحكومة وليس من أي جهة أخرى".
وتابع الباحث، "ثالثا: إذا كان ما تم التطرق إليه سلفا يتعلق بواقعة بعينها وربطها بالاحترام الواجب للدستور، فإنه يجدر أيضا إبراز ملاحظة لطالما نبّه إليها بعض الباحثين، وهو ما يتعلق بمسألة تبعية الوزراء للملك التي جاءت في الدستور. إذ كيف يمكن تطبيق مبدأ «ربط المسؤولية بالمحاسبة» مادام لرئيس الدولة غير المنتخب الحق في إقالة وزير ينتمي إلى حكومة منتخبة؟".
وقدم حسن طارق، أستاذ التعليم العالي، بجامعة الرباط، قراءة مغايرة لما قدمه الباحثان، معتبرا أن "الفقرة الثالثة من الفصل 47 من الدستور على أن للملك بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضواً أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم".
وسجل في مقال نشره على صفحته، "أن الدلالات المباشرة لهذا التنصيص تتجلى في جعل الوزراء كأفراد تابعين للملك، إذ يحق له عزل أحدهم أو مجموعة منهم، بمجرد استشارة رئيس الحكومة – دون الالتزام بنتائج تلك الاستشارة-، وهذا يعني أن الوزراء مسؤولون أمام الملك، وأن له تقييما فيما يخص عملهم بصرف النظر عن رأي رئيس الحكومة فيهم، إذ أن «رضا» هذا الأخير عن عملهم – كما سبق أن كتب الأستاذ محمد السّاسي – ليس ضمانة لاستمرار تحملهم المسؤولية".
ويخلص الباحث في القانون الدستوري، على أنه رغم "تقوية دستور 2011 للحكومة، فإنه في المقابل يظل الدستور المغربي حاملا بقُوة لبعدهِ «الرئاسي»، والمتمثل أساسا في علاقة الحكومة بالملك، وهي العلاقة التي تسمح – في النهاية – بجعل مُستقبل ومصير أي «وزير» في الحكومة، بين يدي الملك".