تراجعت طموحات انضمام
تركيا للاتحاد الأوروبي في ظل المواجهة الكلامية بين الرئيس التركي طيب رجب
أردوغان ومسؤولي الاتحاد في بروكسل. وعلى ما يبدو فتركيا ليست مهتمة بملف الانضمام للاتحاد الأوروبي
ويقول ديفيد بارتشارد من "ميدل إيست آي" إن الجهود للحصول على العضوية في
الاتحاد الأوروبي مضت عليها عقود. وأسباب التأخير بمنح تركيا العضوية الكاملة مرتبطة بملف
حقوق الإنسان، والنزاع حول
قبرص، التي تساق كلما ضغطت تركيا باتجاه العضوية.
ويشير الكاتب إلى أن تركيا والاتحاد الأوروبي دخلا في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2005، مفاوضات رسمية للحصول على العضوية الكاملة، أي بعد نحو أربعين عاما من توقيع تركيا اتفاق العضوية، الذي يهدف في النهاية لضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
ويبين التقرير أنه طوال الفترة ما بين 1963- 2005 ضمن الاتحاد الأوروبي أن تركيا أصبحت مؤهلة للعضوية، ولكن عقدا مضى ولا تزال المفاوضات تراوح مكانها ودون نهاية، حيث حجبها إلى الآن الخلاف بين تركيا وقبرص، التي قدمت طلبا بعد عقود من الطلب التركي، ولكنها قفزت على الطابور.
ويجد بارتشارد أنه لم يكن مفاجئا تعامل الكثير من الأتراك مع سخرية رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، الذي قال واصفا العلاقة مع الاتحاد الأوروبي إنها ظلت "مغازلة دون زواج"، وهي سخرية كافية للنظر لتركيا، التي وقعت اتفاق الشراكة منذ 51 عاما ولم تحصل على عضوية الاتحاد الأوروبي.
ويلفت الكاتب إلى أن الآمال بدخول تركيا الاتحاد الأوروبي في أدنى مستوياتها. وهذا يفسر تركيز تركيا في سياستها الخارجية على الشرق الأوسط.
ويذكر التقرير أنه في هذا الأسبوع تعرضت العلاقات التركية – الأوروبية إلى هزة شديدة، فقد ردت بروكسل بشدة على اعتقال 32 شخصا معظمهم من العاملين في الإعلام، بناء على تهم غير واضحة تتعلق بالإطاحة بالنظام. وقامت كل من منسقة الشؤون الخارجية فردريكا مورغيني ويوهانس هان، المفوض الأوروبي لسياسات الحوار والتوسع الإقليمي بالرد بعد ساعات من الاعتقال، حيث قالا إن الاعتقالات "لا تتناسب مع حرية الإعلام التي تعد جوهر مبادئ الديمقراطية".
ويضيف الموقع أن البيان الرسمي جاء بعد أسبوع من زيارتهما لأنقرة، على أمل تعزيز التعاون بين تركيا والاتحاد الأوروبي في مجالات مثل مساعدة اللاجئين السوريين.
ويفيد الموقع أن البيان يعد الأول من الاتحاد الأوربي في نقده الواضح لوضع حقوق الإنسان في تركيا منذ تعامل الحكومة مع احتجاجات حديقة غيزي، التي استخدمت فيها القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي في صيف عام 2013.
ويورد الكاتب أن ردا مباشرا على كلام مسؤولي الاتحاد جاء من الرئيس التركي طيب رجب أردوغان، الذي دعا الاتحاد الأوروبي للاهتمام بنفسه، وأعلن بشكل مفاجئ أن تركيا لن تخضع لإمكانية الاستبعاد من عضوية الاتحاد. وأثارت تصريحات أردوغان قلق الأسواق المالية، وانخفضت قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأميركي في الأيام الثلاثة الأخيرة لأدنى مستوياتها.
ويرى بارتشارد أنه رغم قول أردوغان إنه ربما يحبذ عضوية في الفيدرالية الروسية ومنظمة شنغهاي للتعاون على عضوية الاتحاد الأوروبي، لكن هذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها غضبه على بروكسل وبشكل علني، وربما لم تكن تركيا عضوا كاملا في الاتحاد الأوروبي، إلا أنها منذ عام 1996 عضو كامل في النظام الجمركي، حيث يرى الاقتصاديون أنه كان السبب الرئيسي وراء انتعاش تركيا الاقتصادي منذ عقد ونصف. وعليه فأي ارتباك في العلاقات التجارية أو نكسة في الجهود لمواجهة التغيرات المستمرة في الأسواق الدولية سيترك آثارا مؤلمة.
ويشير الكاتب إلى أن الكثير من الأتراك يعتقدون أن الشراكة مع
روسيا تعد بديلا ممكنا عن الانضمام للاتحاد الأوروبي، لكن الاقتصاد الروسي في وضع صعب نتيجة للعقوبات الاقتصادية التي فرضها المجتمع الدولي عليها. ومع ذلك يرى الكثير من المراقبين أن أردوغان يبدو كمن "أطلق النار على نفسه".
ويستدرك بارتشارد بأن وضع أردوغان أقوى منه في أي وقت، وهو يعرف هذا، ولهذا السبب كان قادرا في العام الماضي على ملاحقة المعارضة المحلية له دون أن يخشى من رد فعل عسكي من قادة الدول الغربية، بل والمثير للعجب أنه لا يزال بإمكانه الاعتماد على دعم القادة الأوروبيين، على الرغم من انزعاجهم منه خلف الأبواب.
ويوضح أنه عندما زار رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أنقرة الأسبوع الماضي لم يعلن فقط أنه يدعم طلب عضوية تركيا للاتحاد الأوروبي، بل وكان واضحا تجنبه في لقاءاته الخاصة والعامة توجيه أي نقد لسجل تركيا في مجال حقوق الإنسان.
ويعتقد الكاتب أنه نظرا للاهتمام القليل لدى الرأي العام الأوروبي بما يجري من أمور داخل تركيا، فمن غير المتوقع قيام أي دولة أوروبية بالنقد. وبالتأكيد كانت الحكومة السويدية من أشد الداعمين لتركيا، لماذا؟ لسبيين، لأن تركيا لا تزال اللاعب الأكبر في منطقة البلقان والبحر الأسود والشرق الأوسط، رغم الموقف منها فيما يتعلق بترددها دعم التحالف لمقاتلة تنظيم الدولة الإسلامية. ومع ذلك تدعم كل من الولايات المتحدة وبريطانيا رغبتها بالإطاحة بالرئيس بشار الأسد في سوريا.
الأمر الثاني: فعلى خلاف رغبة كاميرون لا يريد بعض قادة الاتحاد الأوروبي انضمام تركيا له، ولا يريدون أن تكون شريكا قريبا. ويعرفون أن وقف المفاوضات سيترك آثارا بعيدة المدى، استراتيجية واقتصادية. فعلى أقل المستويات ستؤدي إلى هزة للأسواق التركية ونزاعات سياسية أكبر، بحسب الموقع.
ويذهب الموقع إلى أنه حتى الآن لم تؤدّ الخلافات الداخلية لتأثيرات على دول الاتحاد الأوروبي، على الرغم من وجود ستة ملايين تركي فيها. وبالنسبة لمعارضي انضمام تركيا فإن الأحداث الحالية ستترك تأثيرا واضحا يدفع بطلب العضوية إلى الخلف.
ويؤكد الكاتب أنه رغم تصريحات مورغيني وهان الغاضبة فلن تردّ الحكومات الغربية على تحديات أردوغان الغاضبة، ولكنها ستواصل التعبير عن عدم رضاها على سجل تركيا في مجال حقوق الإنسان، دون التهديد باتخاذ إجراءات.
ويجد بارتشارد أنه بالنسبة لهم فالحل ورد أولا في تقرير الاتحاد الأوروبي السنوي عن التقدم في ملف تركيا عام 2014. وقد صدر التقرير في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، الذي دعا إلى تعاون أكبر وتلاقي المصالح بين تركيا والاتحاد الأوروبي، مع معرفة الجميع أن هذا لن يحدث.
ويواصل أنه في يوم الثلاثاء أصدر مجلس الشؤون العامة في الاتحاد سلسلة من التوصيات للدول المرشحة للعضوية، واحتوت على فقرة مطولة عن تركيا. وأكد المجلس أهمية تركيا للاتحاد الأوروبي والدور الإقليمي الذي تؤديه، ولكنه وبعد الإشارة للتطورات الأخيرة التي اعتبرها المجلس غير مقبولة، حث الاتحاد الأوروبي تركيا على العمل من أجل الإصلاح، الذي يكون إطارا مناسبا للمراقبة والمحاسبة، ويضمن الحريات بما فيها حرية التفكير.
ويخلص الكاتب إلى أن ما توحيه التوصيات هو أنه لن يتم اتخاذ إجراءات قوية ضد تركيا. وقد لا ترضي التوصيات نقاد تركيا الراديكاليين في البرلمان الأوروبي، ولكن هذا ما يمكن للاتحاد الأوروبي فعله في الوقت الحالي.