لم يستطع عبد الله عثمان، وهو طالب جامعي من محافظة
الأنبار، إكمال دراسته الجامعية وتحقيق حلمه الذي ظل يراوده طويلا منذ ان كان طالبا صغيرا في مرحلة الابتدائية، بأن يصبح طبيبا أخصائيا في العظام، وذلك بعد هجرته من المحافظة بسبب العمليات العسكرية وتوقف عجلة الدراسية في جامعة الأنبار.
يقول عثمان الذي كان يدرس في السنة الرابعة بكلية الطب، في حديث خاص لـ"عربي21": "اشتدت المعارك في محيط جامعة الأنبار، وسيطر المسلحون على أجزاء منها، واندلعت مواجهات بشكل يومي في الأحياء القريبة منها، وتم قطع أغلب الطريق المؤدية إليها، كما فر الأساتذة والطلبة خارج المحافظة".
وأضاف: "كنت مصمما في قرارة نفسي ألا أترك السنة الدراسية لتضيع مهما حصل، لكن الرياح جرت عكس ما كنت أشتهي، ما دفعني إلى السفر، أنا وإخوتي جميعا إلى الأردن، إلا أنني لم أكمل دراستي في عمان لأسباب كثيرة، منها أن أغلب
الجامعات هي أهلية ولا توجد لي قدرة مالية تساعدني على ذلك، والحكومة الأردنية لا تسمح للعراقيين بإكمال دراستهم في الجامعات الحكومية".
وتابع عثمان: "ضاق بنا الحال في الأردن لأن الحياة صعبة جدا والأسعار مرتفعة، ولا نقوى أنا وأبي على تحمل الإيجار وأعباء المعشية الأخرى، لذا عدنا إلى بغداد لنكمل قصة المعاناة مجددا. وهنا وجدت نفسي مجبرا على العمل في أي مكان، فاضطرت إلى العمل حارسا أمام إحدى الشركات الأهلية بأجر 500 دولار شهريا، أي ما يعادل 600 ألف دينار عراقي، وهي لا تكفينا أحيانا للشهر".
وقال بحزن: "انصرفت عن إكمال دراستي، وما زال حلمي بأن أصبح طبيبا قائما، لكنه تأجل إلى حين العودة إلى الأنبار، ولعل ذلك يكون قريبا حتى أستيطع إكمالها وأنا مستعد نفسيا وذهنيا".
قصة عبد الله عثمان هي قصة آلاف الطلبة
العراقيين الذين أجبرتهم العمليات العسكرية المتواصلة في محافظاتهم الساخنة (السنية) للهجرة إلى خارج تلك المحافظات أو إلى الدول المجاورة، وترك مقاعدهم الدراسية هربا من المعارك المسلحة والدمار الذي اجتاح مدنهم وأحياءهم، بعد خلوها من السكان وفرارهم من موت القصف العشوائي المجاني الذي أصبح شبحا يطارد حياتهم ليحولهل إلى الجحيم.
وعلى الرغم من وجود جامعات عراقية أخرى في محافظة كركوك وبغداد تتيح للطلاب العراقيين الهاربين إكمال دارستهم وتوفر لهم مقاعد استضافة دراسية مؤقتة، فإن البعض منهم كعبد الله منشغلون بتدبير سبل العيش الكريم لعائلاتهم.
بدوره، قال كامل عيسى، الطالب بكلية الصيدلة بجامعة تكريت: "نزحت إلى بغداد عقب الانهيار الأمني في
صلاح الدين، وأنا في السنة الثانية من جامعتي على أمل إكمال دراستي في إحدى جامعات العاصمة. وتدخل المعارف والواسطات من أجل السماح لي بأن أكمل حياتي الجامعية في إحدى الكليات ببغداد، لكن تم فصلي فيما بعد بأمر من رئاسة الجامعة".
وأضاف: "وجدت نفسي منشغلا بتوفير مصروف أهلي، ودفع الإيجار الشهري. والمشكلة الأخرى هي أن الجامعات العراقية لا تسمح للطلبة النازحين إكمال دراستهم حتى أتمكن من التوفيق بين عملي والدراسة لتأمين لقمة العيش".
وفي شمال العراق، يواجه هؤلاء
الطلاب وعائلاتهم واقعا مريرا آخر، يتمثل في دفع تكاليف التعليم الجامعي الباهظة التي لا يستطيع تحملها إلا ميسورو الحال منهم.
أما شهد علي، وهي طالبة من الرمادي وتعيش الآن مع أفراد أسرتها في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، فلم تتمكن هي الأخرى من الالتحاق بالجامعات الكردية لارتفاع أجور
الدراسة التي لا تقدر على دفعها.
وقالت شهد في حديث خاص لـ"عربي21": "لا أستطيع إكمال دراستي في أربيل مثل باقي الطالبات، لأني لا أملك الأموال الكافية لدخول الجامعات الكردية. فوالدي متوفى منذ سنين، وأمي هي المعيلة الوحيدة لنا، وتعمل الآن خياطة في إحدى المعامل الأهيلة من أجل تأمين احتياجاتنا، ولا أريد الضغط عليها لإكمال دراستي وأن أحملها ما لا طاقة لها به".
وتابعت: "إن إكمالي دراستي في جامعة كركوك غير وارد لأن نازحة مثلي لن تتمكن من تحمل مصاريف الدراسة"، موضحة أن "فرصة التحاقي بالجامعات لإكمال طموحي متوقفة وأصبحت من الماضي، إذ أن العودة إلى جامعة الأنبار سياخذ وقتا طويلا".