سجل متابعو مؤتمر بروكسل للحرب على "الإرهاب"، الذي عقد في العاصمة البلجيكية في وقت سابق، تناقضات عدة منها ما جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، وأخرى على لسان رئيس الوزراء
العراقي حيدر العبادي.
وكان كيري قد قال إن المؤتمر مخصص لبحث استراتيجية الحرب على "الإرهاب" التي اعتمدها
التحالف الدولي ومتابعة التزام الدول الأعضاء بها.
لكن من الملاحظ أن الولايات المتحدة خرقت ما سبق الاتفاق عليه في مؤتمر جدة الذي شهد ولادة التحالف الدولي للحرب على تنظيم "
الدولة الإسلامية"، إذ إن قرارا صريحا كان قد اتخذ هناك بعدم إشراك
إيران في العمليات العسكرية، ومرارا وتكرارا تم تأكيد هذا الموقف من قبل الطرف العربي الذي تحمل الجزء الأعظم من ميزانية التحالف.
ويبدو أنه قد تم الاتفاق على استبعاد إيران مقابل ما يقدمه الطرف العربي من أموال وتسهيلات، ولكن الاتصالات الأمريكية الإيرانية، خاصة تلك التي حصلت في مسقط عاصمة سلطنة عمان، أذابت كثيرا من الجليد الذي كانت واشنطن تنتظر الفرصة بلهفة عالية لإذابته، حتى أصبحت إيران شريك الأمر الواقع المفروض على الحلفاء العرب، وربما على تركيا.
إيران صاحبة أقوى نفوذ سياسي وعسكري في العراق، وتعاملت مع عزل نوري المالكي ومجيء حيدر العبادي على أنه انتقال نقل لمنصب رئيس الوزراء من الجيب الأيمن إلى الجيب الأيسر، ولهذا لم تر أن في مضي العبادي في برنامجه المعلن -بما في ذلك الحديث عن "التوازن" في علاقات العراق مع دول الجوار- ما يؤثر على مكانة الحليف الخاص جدا الذي تشغله إيران، سواء عن طريق الكتل الشيعية الحاكمة ومليشياتها، أو عن طريق الوجود العسكري المباشر الذي تمتلكه في العراق بقيادة الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني.
وإيران لا تشعر تجاه أمريكا بأي فضل في نفوذها الطاغي في العراق، وترى أن واشنطن مضطرة لاستجداء الدعم الإيراني في حال عزمها على تنفيذ خطط عسكرية في المناطق العراقية الساخنة، وهذا ما حصل في أكثر من عملية عسكرية كبيرة قادها سليماني بنفسه، بدأت في آمرلي ثم انتقلت إلى جرف الصخر وبيجي وانتهت في جلولاء والسعدية.
لكن إيران لم تشأ الاستمرار بلعب دور الشريك الضعيف أو الثانوي، أو الوكيل المحلي للولايات المتحدة في الحرب على "الإرهاب"، فصممت على إلغاء المصطلح السياسي العسكري الذي شاع استخدامه في أجهزة الإعلام، وهو مصطلح "السماء لأمريكا والأرض لإيران"، وتحقق لها ما أرادت من خلال الغارات التي كشفت وزارة الدفاع الأمريكية نفسها عنها بعد قيام عدة طائرات إيرانية من نوع "فانتوم F4" أمريكية الصنع، بغارات على مناطق جلولاء والسعدية، ومحيط سامراء، فأصبحت إيران على الأرض وحدها، وشريكة في السماء مع أمريكا وبقية دول التحالف الدولي.
في مؤتمر بروكسل أكد كيري أنه جاء لتنسيق المواقف السياسية، وليس لدراسة العمليات العسكرية، لكن موقف المملكة العربية السعودية المعلن ما زال رافضا بقوة لإشراك إيران في التحالف الدولي، فهل غيّرت الرياض موقفها بعد أن تعزز النفوذ الإيراني، وأصبح يحيط بها من كل الجهات، أم أن كيري كان يخدع السعودية كما يُعتقد أنه فعل في أوقات سابقة في المفاوضات السرية في سلطنة عمان بشأن البرنامج النووي الإيراني؟
كيري، وبعد انتهاء أعمال مؤتمر بروكسل، قال إن الضربات الجوية الإيرانية على مواضع تنظيم "الدولة الإسلامية" إن صحت فإنها ستكون إيجابية، فهل هناك دليل أوضح من هذا على أن "الشيطان الأكبر" قد وحّد مواقفه مع "الولي الفقيه"، وأن التنظيم "أقام حلفا غير معلن بين طهران وواشنطن"؟
أما حيدر العبادي فقد نفى علمه بوقوع الغارات الإيرانية، أي أنه نفى التنسيق بين البلدين ومع القيادة العسكرية الأمريكية في العراق. ولكن ناطقا رسميا إيرانيا أعلن، وبصراحة غير معهودة لدى إيران في السنوات السابقة، أن إيران نفذت غاراتها من دون تنسيق مع الولايات المتحدة، وأن إيران أعلمت حكومة بغداد بتلك الغارات.
ترى ما هي الرسائل التي يبعثها رفض العبادي السابق لمشاركة سلاح الجو لأي بلد عربي في شن غارات على تنظيم "الدولة الإسلامية" حتى ضمن طلعات مشتركة مع دول التحالف؟ وكيف يبرر مشاركة إيران في عمليات ضد مناطق سنية في العراق؟ وكيف سيبرر تصريحه بعدم علمه بالغارات الإيرانية؟