كنت سألت نائب المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن، زكي
بني ارشيد، عن تفسيره لتنامي ظاهرة
اعتقال الإسلاميين، قبل أيام من اعتقاله هو شخصيا، وعما إذا كان ما يجري بمثابة سياسة جديدة للدولة الأردنية، فقال لي إن الأمر متعلق بتنفيذ "أجندة إسرائيلية".
مؤكد أن بني ارشيد لم يكن يعرف أنه سيكون الهدف التالي، بعد اعتقال عدد من قيادات الصف الثاني من الإسلاميين، والكوادر، وفيما يبدو، كان خبر اعتقاله مفاجئا لكل المهتمين بالشأن الأردني، واعتبر نوعا من التصعيد الدراماتيكي، في علاقة الدولة بالإخوان.
يفسر بني ارشيد تنامي حوادث الاعتقالات، فيقول، إن "الاعتقالات الأخيرة التي طالت أربعة من الناشطين والمدافعين عن قضايا الأسرى
الاردنيين لدى إسرائيل ليس لها علاقة بكل ما ذكرته المصادر الرسمية حول التحريض والمفرقعات، معتبرا أن المسألة متعلقة بأجندة خارجية وتحديداً إسرائيلية، مضيفا أن "هذا لا ينفي محاولة البعض استغلال هذه الاعتقالات لخدمة أغراض خاصة ومصالحية بهدف تعزيز نفوذ بعض الأجهزة ..." ما يعني "وفقا لتقديري" حسبما يقول "أن حملة الاعتقالات سوف تستمر حسب تصاعد الأحداث في الضفة الغربية". ويختم بالقول إن "هذه السياسة الرسمية تتحكم بمسارها مصالح الغير وليس مصالح الأردن، والجهات نفسها تخوض معركة الغير ونيابة عنهم بعد أن كبلتهم اتفاقية وادي عربة المشئومة"، على حد تعبيره.
وفي الوقت الذي يعتبر فيها أحد كبار الساسة المخضرمين في البلاد، وهو النائب عبد الهادي المجالي، أن الإخوان جزء أساسي من نسيج المجتمع الأردني، ويتعين على الدولة محاورتهم واستيعابهم، وهو قاد بالفعل جهدا عمليا في هذا الاتجاه، وفق ما قال على هامش حوار موسع في صحيفة "الدستور" الأردنية، يبدو أن ثمة سياسة جديدة بدأت دوائر صنع القرار بانتهاجها، تعاكس هذه الرؤية، وتنقضها من أساسها، وهي كما يبدو غير مرتبطة بالتطورات التي تجري في فلسطين المحتلة إذا استثنينا قضية الناشطين في الميدان الفلسطيني، بل تتعداها إلى ما يمكن أن يسمى "تصفية حساب" مع الجماعة، جراء ما يعتبره مرجع سياسي كبير ومؤثر، خروجا على "قواعد اللعبة" بين الإخوان والدولة الأردنية، ويستذكر هذا المرجع ما يعتبره "ركوب" الإخوان لقطار "الربيع العربي" وعلو لهجتهم، وتحديها أحيانا للخطوط الحمراء التي حرصت على عدم تجاوزها، وهو ما يشكل -وفق وجهة نظر هذا المرجع- تغيرا عميقا في استراتيجية الجماعة في تعاملها مع النظام، ويبدو أن النكسات التي توالت على الجماعة في غير بلد عربي، بخاصة مصر، وفرت الجو المناسب لمحاسبة الإخوان على موقفهم إبان الربيع.
ويقول المرجع المشار إليه، في سياق جلسة عصف ذهني، إن الأردن رفض بشدة كل الضغوط التي مورست عليه لإعلان الإخوان تنظيما إرهابيا، معتبرا أن هذه الخطوة تدل على قرار أردني رسمي على أعلى مستوى، لعدم فك عرى العلاقة التاريخية بين النظام والإخوان، رغم تجرئهم على توجيه انتقادات خطيرة للدولة.
ويُستفاد من هذا الحديث الذي جرى قبل واقعة اعتقال ارشيد، أن دوائر صنع القرار في الأردن، كانت في صدد تحجيم الظاهرة الإخوانية، لا التصادم معها بشكل عنيف، ويذهب نواب أردنيون، وقادة رأي، إلى القول إن اعتقال بني ارشيد ربما يأتي في هذا السياق، وإن بدا أن بعض القوى اليسارية أبدت نوعا في "التشفي" بهذا الاعتقال، مستذكرة تاريخ السلوك الإخواني الذي اتسم بالتماهي مع السياسات الرسمية لتحجيم المد القومي واليساري، خاصة في سنوات الستينيات!
اعتقال ارشيد، جاء في سياق سلسلة من الاعتقالات التي اتخذت طابعا قانونيا إعمالا لقانون "منع الإرهاب"، حيث تم تحويله إلى محكمة أمن الدولة، حيث قرر مدعي عام أمن الدولة توقيفه 15 يوماً قابلة للتجديد، بتهمة "القيام بأعمال من شأنها تعكير صفو علاقات المملكة مع دولة أجنبية"، المنصوص عليها في القانون المذكور، والتي تصل عقوبتها، في حال الإدانة، إلى السجن 15 عاماً. ووفق ما نُقل عن المصادر القضائية، فإن "استدعاء محكمة أمن الدولة جاء على خلفية مداخلة نشرها بني أرشيد قبل أيام على صفحته في "فيسبوك" قال فيها إن "حكومة
الإمارات هي الراعي الأول للإرهاب"، وهاجم فيها لائحة الإرهاب التي أعلنت عنها دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي أدرجت عليها جماعة الإخوان المسلمين.
وتعقيبا على هذا الطابع القانوني، ترى نخب أردنية أن المشهد ينطوي على ما هو أبعد من هذا الطابع، إذ يتوقع أن تتلوه مرحلة جديدة من التأزيم في المشهد السياسي والأمني، خاصة في ظل أجواء "عدم اليقين" التي تسود المنطقة، الأمر الذي يُغلّب الصبغة الأمنية في التعاطي مع المرحلة المقبلة، في الأردن، وفي غيره من دول المنطقة العربية.