نشرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" مقالا للكاتبة رجا عبدالرحمن حول مشكلة
الاعتداءات الجنسية في
سوريا، والصعوبة التي يواجهها الناشطون في توثيق تلك الجرائم.
وتذكر الكاتبة قصة امرأة كانت مسجونة في سجون النظام السوري، وتم إطلاق سراحها في أحد التبادلات، ولاحظ الناشطون مباشرة آثار الاعتداء، وطلقها زوجها ولازمت بيت أهلها حتى غادرت إلى تركيا.
وتشير الصحيفة إلى أن الناشط كريم صالح كان يعرفها من خلال عملهما في
المعارضة السلمية في سوريا، واتصل بها في بيتها الجديد، أملا في توثيق ما حصل معها والجرائم الجنسية التي يشك بأنها ارتكبت بحقها، ولكنها قاومت وتساءلت عن مدى أهمية قصتها بالنسبة للمعارضة.
وتحدث صالح معها لعدة أيام، وحتى عندما وافقت بالتحدث إليه حول ظروف السجن، بقي حديثها عاما.
ويقول صالح للصحيفة "قالت كان هناك تعذيب كثير كثير، وعندما سألتها ما هو نوع التعذيب؟ بقيت تعيد تعذيب كثير كثير، وبقيت أسالها حتى تعبت، وأخيرا بدأت تتحدث عن
الاغتصاب".
وقالت إنه تم اختطافها مع ست نساء أخريات ،وتم سجنهن في مركز الأمن المحلي، وإنه وخلال 22 يوما تم اغتصابهن بالدور، وذلك بقيام ضابط الأمن المسؤول بدعوة الجنود وغيرهم إلى ما كان يسميه "حفلة"، بحسب التقرير.
ولم تتحدث أي من الضحايا الأخريات عما حصل لهن بعد مرور أكثر من عامين على تلك الأحداث.
وتبين الكاتبة أن صالحًا وزوجته نور الخطيب من الناشطين القلة الذين يوثقون انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا خلال الحرب الأهلية. ومنذ بداية الانتفاضة عام 2011 حاول الناشطون توثيق كل قتيل وجريح وقنبلة وصاروخ، حتى عندما بدا العالم غير مهتم في المجازر اليومية.
وترى الصحيفة أن توثيق الجرائم الجنسية من أصعب التحديات؛ وذلك بسبب تقاليد المجتمع السوري، والذي يعتبر الاغتصاب مصدر عار. ولذلك فالنساء الخائفات والعائلات أكثر حرصا على عدم تشويه سمعة العائلة من السعي لتحقيق العدالة، خاصة مع عدم وجود احتمال لمحاكمة أحد في الوقت الذي يستمر فيه الصراع.
وتلفت الكاتبة إلى أنه بدلا من ذلك هربت الضحايا إلى دول الجوار، أو طلقهن أزواجهن، أو أكرهن على الزواج من رجال مسنين كزوجة ثانية أو ثالثة. وفي أسوأ الحالات قتلهن أقاربهن استعادة للشرف.
ويعلق صالح للصحيفة: "هذا موضوع يحرم المجتمع الحديث عنه، ولكننا نحتاج لتوثيقه".
ويوضح التقرير أن الناس تداولوا اتهامات الاغتصاب منذ بدأ جنود النظام السوري وميليشياته باقتحام مناطق وبلدات المعارضة، وقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 4850 حالة عنف جنسي، نصفها اغتصاب، ومن هذه كلها 40 حالة كانت على أساس شهادة الضحية، والباقي كانت شهادات شهود.
وتستدرك الصحيفة بأن عدد الاعتداءات يقدّر بأضعاف ذلك.
وتعتقد الكاتبة أن عدم الشفافية وقلة المعطيات هما أحد عناصر أي حرب، ولكنهما أوضح في سوريا تحديدا؛ لأن الحرب تدور بعيدا عن أي رقابة دولية أو صحافيين.
وينقل التقرير عن سيما نصار، التي كتبت تقريرا العام الماضي لشبكة الأورومتوسط لحقوق الإنسان: "يقولون: ما الفائدة من التوثيق، فهل ستعيدون ابنتي كما كانت قبل؟".
وتجد الصحيفة أنه مع وجود الملايين من السوريين الذين يعيشون في مخيمات للاجئين ومساكن عشوائية فإن مخاطر الاعتداءات الجنسية محيقة بهم.
ويشير التقرير إلى قيام صالح والخطيب بتوثيق عدة حالات من الاعتداءات الجنسية التي ارتكبها أعضاء من الجيش السوري الحر، ولكنهم لم ينشروها؛ بسبب خوفهم من الانتقام في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
ويضيف أنه مع استمرار القتال تزايدت الاعتداءات الجنسية كسلاح للحرب في السجون وفي المناطق التي استعادت القوات الحكومية السيطرة عليها.
وتذكر الصحيفة أن الخطيب قد اعتقلت في آذار/ مارس 2012 في مدينة حماة وسط البلاد؛ لتنظيمها مظاهرات وإيصال مساعدات طبية للمعارضة.
وتتابع بأنها قضت شهورا في السجن المركزي في حمص مع عدد متزايد من النساء اللواتي سُجنّ بسبب أنشطتهن المناوئة للحكومة، وكانت زنزانتهن بجانب غرفة التحقيق، وكنّ يسمعن أصوات السجناء أثناء تعذيبهم.
وتفيد الكاتبة أنه لخوفهن من عدم إطلاق سراحهن قامت الناشطات بتوثيق حالاتهن، وسجلن أسماء الضباط الذين حققوا معهن، وأسماء الأفرع الأمنية والعسكرية التي مررن بها، والتعذيب والاعتداءت الجنسية التي تعرضن لها، وكن يخبئْن الأوراق ويعطينها لأقاربهن وقت الزيارة.
وفي كل سجن تحولت إليه جمعت الخطيب روايات من سُجنّ معها، ومنذ إطلاق سراحها في كانون الأول/ ديسمبر 2012 كرست وقتها لتوثيق حالات المعتقلات.
وتقول الخطيب للصحيفة "إن الاغتصاب هو أهم انتهاك للتوثيق؛ لأن آثاره تبقى للأبد، بينما آثار التعذيب يمكن لها أن تشفى وتتلاشى".
وتورد الصحيفة أنه في تموز/ يوليو 2012 أتى حراس السجن بسلمى البالغة من العمر (25 عاما)، وهي زوجة ناشط إعلامي، وألقوا بها في نفس زنزانة الخطيب، وكانت في حالة هستيرية، وتظهر عليها آثار كدمات وندوب حديثة، وقد تم قص شعرها بشكل عشوائي. وبقيت لمدة أسبوعين شاردة الذهن، وأحيانا تطلب المسكنات، بينما حاولت بقية النساء في الزنزانة تهدئتها ومعالجة جروحها.
وتتابع "لوس أنجلوس تايمز" أنه بعد ثلاثة أسابيع من وصولها جلست الخطيب معها وأخبرتها ما حصل معها منذ اعتقالها؛ أملا في الحصول على ثقتها لتتحدث، وبدأت سلمى تتحدث بعد ذلك وتصف ما حصل لها، واستغرقت الخطيب 15 يوما في توثيق ما حصل مع سلمى.
وتروي الكاتبة أن سلمى قد اختطفت من الشبيحة قبل ذلك بشهرين، وقاموا باغتصابها وتعذيبها جماعيا، وأخيرا قام الشبيحة بتسليمها لقسم الأمن المركزي، وتقول الخطيب إنهم "عندما علموا أنها اغتصبت قاموا هم أيضا باغتصابها على أساس أن اغتصابها مرة أو مرتين إضافيتين لن يؤثر".
وتردف الكاتبة أنه بعد أن أطلق سراحها بعد عدة أشهر تسبب والداها بقتلها، وتقول الخطيب إن الأبوين تحدثا عن هذا بصراحة؛ مبررين ذلك بأنه المتعارف عليه في الحفاظ على الشرف، وفي بلادنا لا يعاقب الناس على جرائم الشرف. والمجتمع يبقي على مثل هذه الأحداث طي الكتمان.
تقول نصار للصحيفة إنها حاولت توثيق حالة اغتصاب بالجملة، قام بها الجيش السوري في قرية صغيرة، حيث اغتصبوا ثماني نساء على الأقل كن مختبئات في قبو تحت الأرض، ودخل الجيش القبو، وسمع الناس العويل، كما يعتقد أن نساء أخريات كن مختبئات في أقبية أخرى تم الاعتداء عليهن جنسيا أيضا.
وتضيف نصار أنها لم تستطع التأكد من صحة تلك التقارير، حيث منعت لخشية سكان القرية من نتائج خروج مثل هذه الأخبار عن القرية والحديث عنها، "حيث ستوصم قريتهم إلى الأبد بالقرية التي اغتصبت فيها النساء". لدرجة أن أحد سكان القرية هددها قائلا "إن ذكرت هذه القصة فسوف أقطع لسانك".
وتذهب نصار إلى أن التوثيق يأتي في المرتبة الثانية بعد تقديم المساعدة المحدودة المتوفرة، مثل إيصال الضحية لطبيب نفسي أو حتى طبيب يجري عملية إجهاض، وهي ممنوعة في سوريا، وأحيانا توافق الضحية على الإدلاء بشهادتها، مقابل الحصول على المساعدة الطبية أو النفسية، بحسب الصحيفة.
وترى الكاتبة أن الأصعب من هذا بالنسبة للناشطين في مجال التوثيق هو أنهم دائما يواجهون السؤال الصعب، وهو ما الفائدة من التوثيق، فعلى مدى السنتين الأولى والثانية من الصراع كان السوريون يظنون بأنه إن عرف المجتمع الدولي ماذا يجري في سوريا فسوف يتدخل، ولكن بعد آلاف الفيديوهات والصور والمقابلات، فحتى هذا الأمل قد تبخر.
وتختم الكاتبة بالإشارة إلى أنه في بداية العام خلال اجتماع جنيف للسلام طلب من المعارضة السورية تقديم قوائم بالمسجونين لدى النظام، وكانت المعارضة جاهزة بالقوائم، حيث وثقت منذ اليوم الأول، ومع أن ذلك لم يؤدّ إلى أي نتيجة ملموسة، إلا أنها شجعت الناشطين للاستمرار في تفصيل الانتهاكات ضد حقوق الإنسان "على أمل أن تكون هناك محاكمات"، كما قالت الخطيب.