لم يكن مفاجئاً، هذه المرة، لدى قطاع عريض من
اليمنيين، ما قاله مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص لليمن جمال
بنعمر: إن "اليمن باتت قاب قوسين أو أدنى من الصراع الطائفي بين السنة والحوثيين الشيعة، فحسب، بل إن التوجه الانفصالي لجنوب اليمن يزداد بقوة، في ظل صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي قد لا تُمكن حكومة صنعاء من دفع رواتب موظفيها، نهاية العام الجاري".
ويعتقد العديد من المراقبين أن "مهمة بنعمر فشلت، بعدما غرق في الصراع السياسي، الذي جعله يدور حول تناقضات الفشل لمهمة كان غير جدير بها، وأوقع
الأمم المتحدة بعد ثلاثة أعوام من عمله بصنعاء، في فخ (شرعنة) انهيار الدولة اليمنية".
ويرى رئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات نجيب غلاب أن المهمة الأممية في اليمن، لم تعد إلا صورة شكلية لتحولات غيّرت تركيبة القوة، وكان لمبعوث الأمم المتحدة لليمن جمال بنعمر دور بارز في اللعب بورقة الصراع بين القوى اليمنية، ومنحها شرعيه ذلك بشكل غير مباشر.
ويضيف غلاب في حديثه لـ"عربي21" أن "بنعمر أصبح واحدا من متقني صناعة الأزمات في اليمن وكأنه يدير صراعا شخصيا مع ساسة صنعاء، الأمر الذي جعله غير قادرًا على الحياد".
وبين غلاب أن بنعمر "لا يمثل الأمين العام للأمم المتحدة، بل ربما أقرب إلى سفراء الدول العشر الراعية للتسوية السياسية، وإلى قيادات الأحزاب، وصار يدير حروب مصالح بطريقته الخاصة" على حد وصفه.
وأوضح أنّه "لو كان لدى مبعوث الأمم المتحدة لليمن من الحصافة ما يكفي، لقدم استقالته وانسحب، بعد دخول الحوثيون صنعاء، نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي، لكنه شرعن لانتصار المليشيات على الدولة وباسم الأمم المتحدة والمجتمع الدولي".
ونوه رئيس مركز الدراسات إلى أن "الانهيار الاقتصادي كما بشر به بنعمر، سيقود إلى نهاية فكرة سيطرة المليشيات على الدولة، واتساع دائرة الحرب الطائفية والجغرافية، وبداية تشكل دويلات أمراء الحروب، وإذا حدث ذلك فالأمم المتحدة شريك أساسي في مآلات الوضع المعقد للبلاد، ومازال دورها، حتى اللحظة، مع الدول العشر، إعاقة أي تحولات جذرية يحتاجها اليمن، وبشكل ملح وسريع وما يجري اليوم يقود إلى انهيارها الحتمي".
ويتفق مع غلاب، رئيس تحرير موقع الخبر اليمني صفوان الفائشي، حيث اعتبر أن "بنعمر قد فشل في مهمته الهادفة لحل أزمة اليمن، وزاد من تعقيدها، عندما بدا عاجزا عن إزالة أسباب التوتر بين الفرقاء السياسين"، حسب تعبيره.
وقال في حديثه لـ"عربي21" إن "حديث جمال بنعمر، عن اتساع الحرب بين السنة والحوثيين الشيعة، وانهيار الدولة اليمنية جراء العجز الاقتصادي، يعدّ اعترافا متأخرا منه بالفشل والاخفاق، بعد أكثر من ثلاث وثلاثين زيارة له إلى صنعاء، إلا أنه كشف تورطه في هندسة الحرب الطائفية وإرسائه قواعد المشاكل الداخلية، وزرعه بذرة الانفصال وبذور الفتنة الدامية التي تمر بها البلاد".
وأشار الفائشي إلى أن "كل ما كان يسميه، المبعوث الخاص لليمن، توافقا سياسيا، كان عبارة عن مخططات، هندسها بالاتفاق مع الرئيس هادي الذي خدع اليمنيين به، كما خدعت القوى السياسية اليمنية بجمال بنعمر".
ونوه إلى أن بنعمر "انتهج سياسة سلبية، عندما وافق على دخول الحوثيين مؤتمر الحوار دون نزع سلاحهم، لينقذهم مرات عدة، من العقوبات الدولية، ومن اتفاق الشراكة عشية سقوط صنعاء بيد مسلحي الحوثي، ببعيد عن الجميع، ولذلك بات اليمنيون يفهمونه جيداً".
واتهم الفائشي بنعمر، "باستغلال حالة الاحتقان بين القوى السياسية، لمكايدات السياسية بين الأطراف اليمنية في لعب دور تمزيقي لليمن، ولهذا يستحق أن يصنف أكبر معرقل للعملية السياسية في اليمن، وعلى المجتمع الدولي معاقبته".
وفي السياق ذاته، قال الكاتب والباحث السياسي في مركز نشوان الحميري رياض الأحمدي أن "جمال بنعمر نجح في إيصال البلاد إلى أبواب الاحتراب الذي لا أحد يجزم بحدوده والانهيار الشامل للدولة، وهذه نتيجة متوقعة لتسليم اليمنيين بلادهم إلى دبلوماسيين دوليين، لا أحد يعرف ما هي مهمتهم الحقيقية".
وأضاف لـ"عربي21" أن "مبعوث الأمين العام للامم المتحدة الخاص لليمن، جاء في أعقاب تسوية سياسية رعتها المبادرة الخليجية بين القوى السياسية، فقام بتحويل العملية السياسية إلى عملية مناطقية بين شمال وجنوب، ومنح شرعية وجود للحركات الانفصالية والمسلحة، التي باتت اللاعب الأول في المشهد العام بالبلاد".
ولفت الأحمدي إلى أن "الواقع اليمني، يُجسّد عدم وجود عملية سياسية، بل احتراب أهلي" على حد وصفه.
وذكر الأحمدي أن "بنعمر وسيط ذكي استخدم عصا العقوبات لتحقيق أهداف تغيير موازين القوى في اليمن، ولا أحد يعلم متى ستتعافى البلاد من مأزق المرحلة الانتقالية والتدخل الدولي".