قررت سلطة
الانقلاب العسكري أن تخلي الشريط الحدودي في
سيناء من السكان، ونظرا لحالة التدليس التي تمر بها
مصر بسبب أبواق إعلامية حقيرة، تقلب الحق باطلا، وتحول النور ظلاما، لا بد أن نجيب عن أسئلة كثيرة يسألها كثير من الذين يتابعون هذا الإعلام المزور.
نحاول أن نوصل الإجابة على هذه الأسئلة إلى الجميع، علَّ ذلك يخفف من حدة موجات التطرف الفاشية ضد أهلنا في سيناء.
يتساءل البعض هل قام أصحاب هذه المنازل بالحصول على رخصة بناء؟
والإجابة أن غالبية العقارات في سيناء لا تحصل على تصاريح بناء، وذلك لسبب بسيط، وهو أن الأراضي ليست ملكا لأصحابها، فدولتنا العظيمة لا تسمح لأبناء سيناء بتملك أراضيهم أصلا، وبالتالي لن تستخرج لهم رخص بناء.
غالبية أهالي سيناء لا يملكون أي ورقة رسمية تدل على تملكهم لبيوتهم وأراضيهم التي ورثوها عبر مئات السنين، وهذا شكل من أشكال الاضطهاد المنظم لمواطنين مصريين.
أحب أن أنوه هنا إلى أن رجال الأعمال الذين بنوا الفنادق والمنتجعات في سيناء قد حصلوا على عقود مسجلة لتلك الأراضي، وهي مساحات شاسعة تقدر بملايين الأمتار المربعة، أما أهل سيناء نفسها، فلا يستطيعون أن يحصلوا من الدولة على أي عقود مسجلة لمنازلهم التي يسكنونها منذ مئات السنين بالفعل، وبالتالي لا مجال للحديث عن شرعية وجود هذه المنازل، لأن الدولة هي التي قررت حرمان هؤلاء من حقوقهم في تملك هذه البيوت بشكل قانوني.
المواطن السيناوي مهمش، نستدعيه ساعة الحرب ليقاوم إسرائيل، ثم بعد ذلك نحرمه من دخول الجيش والشرطة (إلا ما ندر)، ونحرمه كذلك من المعاملة اللائقة، حتى إن كثيرا من أهل سيناء محرومون من استخراج بطاقات الرقم القومي أصلا!
يتساءل البعض عن مسألة
الأنفاق، وهي مسألة لا بد من الرجوع إلى بدايتها لكي نفهمها، وسوف أحكي قصة الأنفاق باختصار أتمنى ألا يكون مخلا.
قصة الأنفاق بدأت عام 2007، في هذا العام اضطرت حركة حماس إلى حكم القطاع منفردة، وذلك بعد أن رفضت سلطة حركة فتح تسليم السلطة لها بعد أن فازت الأولى في الانتخابات، وحاولت حركة فتح في ذلك الوقت تدبير انقلاب عسكري مدعوم من نظام حسني مبارك وبعض الدول العربية، بمباركة أمريكية إسرائيلية.
حين فشل هذا الانقلاب قررت مصر أن تغلق معبر
رفح أمام البضائع بشكل كامل، والمعبر هو المنفذ الوحيد لغزة، وكلما أعلنت الحكومة المصرية عن فتحه، يتبين أنه قد فتح لعبور الأفراد فقط، ولم يسمح بعبور البضائع.
بسبب هذا التعنت المصري (وهو أمر مخالف لسائر القوانين الدولية) اضطر الفلسطينيون إلى حفر الأنفاق لكي تدخل منها سائر احتياجات القطاع، ولن أتحدث عن دور أجهزة المخابرات المصرية في حفر بعض الأنفاق.
من ضمن ما يجهله كثير من المصريين أن رفح بلدة مقسومة نصفين، رفح مصرية، ورفح فلسطينية، وبالتالي لا يمكن أن تحاصر رفح الفلسطينية وتجلس رفح المصرية تتفرج، إنهم أهلهم وذووهم، بعض عائلات رفح مقسومة بين البلدتين، غالبية القبائل والعشائر مقسوم بين البلدتين.
لقد بدأت مشكلة الأنفاق بسبب قرار سياسي أحمق اتخذه نظام حسني مبارك إرضاء لإسرائيل، وها نحن ندفع ثمنه إلى اليوم.
سيتساءل البعض هل يستفيد أهل سيناء من هذه الأنفاق؟
والإجابة طبعا، كل من يحفر نفقا في بيته يستفيد!
هل يعقل أن تمر هذه البضائع بملايين الجنيهات يوميا دون استفادة؟
ولكن السؤال نفسه سؤال خاطيء، والأسئلة الصحيحة "هل هناك حل آخر لمشكلة الأنفاق؟" و"من ساهم في خلق هذا الوضع الخاطئ من الأساس؟"
لا حل سوى فتح معبر رفح أمام البضائع والأفراد، وبشكل كامل طوال العام تحت إشراف أمني ملائم ، وفي هذه الحالة ستصل البضائع إلى المستهلك في غزة بسعر أقل بكثير، ولن يحتاج أحد إلى دفع أضعاف قيمة الشيء بسبب تكاليف التهريب عبر الأنفاق.
الأنفاق ترفع تكلفة سائر السلع على أهل القطاع، وتضيع على سلطة قطاع غزة ضرائب وجمارك، واستمرار الأنفاق بهذا الشكل ليس في صالح أحد، ولكن من قرر استمرار الحصار هو الحكومة المصرية، وليس أهل غزة، ولا أهل سيناء!
بقيت عدة أسئلة تتعلق بمسؤولية أهالي سيناء عن قتل الجنود المصريين في المذابح المتكررة، والحقيقة المرة أن تحميلهم هذه الجرائم بهذا الشكل دون أي تحقيق جاد محايد يمثل قمة الفاشية العسكرية التي يقوم بها نظام الانقلاب العسكري في مصر.
أما اتهام حركة حماس بهذه الجرائم فهو أمر أصبح مضحكا، ففي كل مرة تتكرم صحيفة من صحف المخابرات بنشر أسماء المتهمين (الفلسطينيين) الضالعين في جريمة نجد فيهم كثيرا من الموتى، وكثيرا من الأسماء الملفقة التي اخترعها كاتبها.
إن قتل هؤلاء الجنود بهذه السهولة، وبشكل متكرر، يدل على سوء إدارة المعركة على الأرض، وعلى قلة كفاءة أمنية لا مثيل لها، وبدلا من تطوير الأداء نرى محاولة مكشوفة لتحميل الآخرين خطايا لم يرتكبوها.
من يتخيل أن التهجير القسري لأهل سيناء سوف يحل مشكلة ما يسمى بالإرهاب إنسان لديه مشكلة في عقله أو في ولائه للوطن، وإخلاء الشريط الحدودي لا يخدم أحدا سوى إسرائيل، ومن يظن أن في ذلك مصلحة وطنية لا بد لنا أن نشك في عقله، أو أن نشكك في وطنيته.
في النهاية أقول لأهلنا في سيناء : اصبروا ... ووالله الذي لا إله إلا هو سوف ننصفكم من هذه المظالم قريبا بإذن الله.
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ...