توقّع محللون سياسيون فلسطينيون أن يؤدي حادث مقتل الجنود
المصريين في شمال
سيناء، إلى عودة التوتر الشديد، للعلاقات بين مصر وحركة حماس، بعد أن شهدت في الآونة الأخيرة تحسنا، تمثّل في استضافة القاهرة لقادة من الحركة، بغرض التوسّط بشأن وقف إطلاق النار مع إسرائيل.
ويرى وليد المدلل، رئيس مركز الدراسات السياسية والتنموية في
غزة (غير حكومي)، أن العلاقة بين الطرفين، ستعود إلى ما كانت عليه قبل الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، من توتر وإذكاء لنار الخلافات.
ويُضيف المدلل في حديث لوكالة الأناضول، أن الإعلام المصري، بعد حادث سيناء الأخير، بدأ بالتحريض العلني والواضح تجاه حركة حماس.
وشهدت مصر الجمعة، هجوما استهدف نقطة تفتيش عسكرية، بمحافظة شمال سيناء، (شمال شرقي البلاد)، أودى بحياة 30 عسكريا، فضلا عن أكثر من 31 مصابا، وفق حصيلة رسمية، وهو الأمر الذي أعلن على إثره الرئيس المصري عبد الفتاح
السيسي الحداد 3 أيام، وفرض حالة طوارئ لمدة 3 أشهر مرفقة بحظر تجوال طوال ساعات الليل، بمناطق في المحافظة.
وقال السيسي في كلمة وجهها للشعب المصري ونقلها التلفزيون الحكومي الرسمي، إنه بصدد اتخاذ إجراءات على الحدود مع قطاع غزة لـ"إنهاء مشكلة الإرهاب من جذورها"، مضيفاً أن تلك الإجراءات ستكون "كثيرة"، دون أن يوضح طبيعتها.
ويتابع المدلل: "العلاقة بين مصر وحماس، التي شهدت نوعا من التطبيع مؤخرا، والتحسن الذي كان متوقعا إبان الأسابيع القادمة، بفعل رعاية مصر لاتفاق الهدنة وجولات المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، قد تذهب نحو التوتر، والخلاف".
ورعت مصر اتفاقا توصل إليه الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، في 26 أغسطس/ آب الماضي، ينص على وقف إطلاق النار، وفتح المعابر التجارية مع غزة، بشكل متزامن، مع مناقشة بقية المسائل الخلافية خلال شهر من الاتفاق.
وأنهى اتفاق الهدنة، حربا شنتها إسرائيل على قطاع غزة في السابع من تموز/ يوليو الماضي، واستمرت 51 يوماً، أسفرت عن استشهاد 2165 فلسطينياً، وإصابة أكثر من 11 ألفاً آخرين، فضلاً عن تدمير 9 آلاف منزل بشكل كامل، و8 آلاف منزل بشكل جزئي، وفق أرقام فلسطينية رسمية.
وكان محمود الزهّار، عضو المكتب السياسيّ لحركة حماس، قد قال في وقت سابق وخلال مقابلة، إن العلاقة مع مصر، تشهد اختراقاً وتغيّراً إيجابيّاً واضحاً، مؤكّداً احترام "حماس" لدور مصر بغض النظر عمّن يحكم، مضيفا أن حركة حماس راجعت علاقاتها معها.
لكن المدلل، رأى أن السلطات المصرية، والموقف الرسمي يجب أن ينأى عن الزج بحركة حماس في الاتهامات.
واستدرك بالقول: "حماس لم تعد تحكم قطاع غزة، وهناك حكومة وفاق وطني، وسلطة، وعلى مصر وبشكل رسمي، أن تطلب عودة حرس الرئاسة (التابع للرئيس محمود عباس) لتأمين الحدود، فمن غير المعقول أن يتم الزج بالحركة لأغراض سياسية، يدفع ثمنها سكان قطاع غزة".
وعقب حادثة سيناء، أغلقت السلطات المصرية معبر رفح البري المنفذ الوحيد الواصل بين القطاع والعالم الخارجي، حتى إشعار آخر.
حكومة الوفاق باختبار حقيقي
ويتفق مصطفى إبراهيم، المحلل السياسي، والكاتب في بعض الصحف الفلسطينية المحلية، مع الرأي السابق في أنّ السلطة وحكومة الوفاق في اختبار حقيقي لانتشال قطاع غزة، من التعقيدات السياسية الراهنة.
وتابع إبراهيم في حديثه للأناضول أن "مصر تعي جيدا، أن الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، والتي يتبع أغلب عناصرها لحكومة حماس السابقة، هي من تؤمن الحدود مع مصر، وتضبطها، ولكن في حال رفضت مصر هذا التعاون فعليها أن تطلب من السلطة أن يقوم حرس الرئاسة بتولي هذه المهام".
خطاب سياسي أكثر جرأة
ويرى إبراهيم، أن حركة حماس مطالبة بما وصفه بخطاب سياسي أكثر جرأة، توضح من خلاله كافة القضايا، وأنه لا علاقة لغزة ولا لأي حركات في القطاع بما يجري في الشأن الداخلي بمصر، أو في سيناء، وأنها حركة فلسطينية وطنية، تنأى بنفسها عن التدخل بأي شأن عربي داخلي.
وعقب قرابة 7 سنوات من الانقسام، وقعت حركتا "فتح" و"حماس" في 23 نيسان/ أبريل 2014، على اتفاق للمصالحة، يقضي بإنهاء الانقسام الفلسطيني وتشكيل حكومة توافق لمدة 6 شهور، ومن ثم إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني بشكل متزامن.
وأعلن في الثاني من حزيران/ يونيو الماضي عن تشكيل حكومة التوافق الوطني الفلسطينية، حيث أدى الوزراء اليمين الدستورية أمام عباس في مقر الرئاسة بمدينة رام الله (وسط الضفة الغربية)، إلا أن هذه الحكومة لم تتسلم حتى اليوم المسؤولية الفعلية في القطاع، لخلافات سياسية لا تزال قائمة بين حركتي فتح وحماس.
وأضاف إبراهيم:" ليس من مصلحة سكان قطاع غزة، أن تعود علاقة التوتر بين مصر، وحماس، فالأخيرة حركة لها وزنها السياسي والشعبي، ومصر لها دورها الإقليمي، وهي من تقود العديد من الملفات الفلسطينية".
وترعى مصر العديد من الملفات الفلسطينية، وفي مقدمتها تثبيت الهدنة مع إسرائيل (التي تأجلت بسبب إغلاق معبر رفح وتعذر سفر وفد حركة حماس من قطاع غزة)، والمصالحة (التي جرى الاتفاق مع حركة فتح على تنفيذ بنودها).
وتوترت العلاقة بين مصر وحركة حماس منذ عزل الرئيس الأسبق، محمد مرسي، في تموز/ يوليو 2013، أعقبها في آذار/ مارس العام الجاري، حكم قضائي بوقف نشاط الحركة داخل مصر، وحظر أنشطتها بالكامل، والتحفظ على مقراتها داخل البلاد، وذلك قبل أن تلتقي قيادات بالحركة (ضمن وفد من منظمة التحرير الفلسطينية على رأسها فتح) مع أجهزة السلطات المصرية الحالية على طاولة واحدة، من أجل التهدئة في غزة.
واستمر بعد ذلك سفر قيادات حركة حماس، إلى مصر، وسط سيل من التصريحات الإيجابية لقادة الحركة وناطقيها حول العلاقة الجيدة مع مصر.
شيطنة الإعلام المصري لغزة
ويندد "هاني حبيب"، الكاتب السياسي في صحيفة الأيام الفلسطينية الصادرة في رام الله، بما أسماه، "شيطنة الإعلام المصري لغزة".
وقال حبيب في حديث للأناضول، إنّ كافة الأطراف الفلسطينية، ومن بينها حركة حماس تتفهم أي إجراءات أمنية تقوم بها مصر داخل حدودها وأراضيها، أو ما يهدف للقضاء على الإرهاب.
غير أنه استدرك: "ولكن من غير المعقول أن يتم اتهام غزة، فسيناء هي من كانت بوابة تهريب كل شيء إلى غزة، من سلاح ومخدرات، وبالتالي الإرهاب في سيناء ليس بحاجة إلى مده بالسلاح من القطاع، أو دعمه".
وكانت وسائل إعلام مصرية (غير حكومية)، قد اتهمت كتائب القسام الجناح المسلح لحركة حماس بالوقوف وراء حادثة سيناء، ودعم الجماعات المتطرفة في سيناء بالسلاح.
وذهب كتّاب وضباط مصريون سابقون، إلى المطالبة بتدخل عسكري داخل قطاع غزة، والقضاء على من وصفوه بـ"البؤر الإرهابية".
كيف تواجه حماس المشكلة
وأضاف حبيب أن على حركة حماس أن تنأى بنفسها عن أي توتر، واتهامات عبر تسليم كافة المعابر لحكومة الوفاق الوطني، والمسؤولية الكاملة للسلطة.
وعبرت حركة حماس وعلى لسان أكثر من قيادي فيها، عن بالغ أسفها وحزنها لحادثة سيناء، وقال القيادي البارز في الحركة خليل الحية، إن دماء المصريين عزيزة على قلب كل فلسطيني، وإنه لا يمكن السماح بأن يصيب مصر أي شر.
وقالت الداخلية في قطاع غزة، إن حدودها مضبوطة، وتقوم عناصرها بإجراءات أمنية مشددة لحماية الحدود، مضيفة أن الأمن القومي المصري، هو أمن فلسطين كلها.
وفي الأعوام الماضية، اعتمد سكان قطاع غزة (1.9 مليون فلسطيني)، على جلب المستلزمات والمواد الغذائية، ومواد البناء، من مصر عبر الأنفاق الحدودية التي باتت في حالة شلل تام عقب حملة الهدم المكثفة والمستمرة التي يشنها الجيش المصري عليها منذ الانقلاب الذي قاده الجنرال عبد الفتاح السيسي على أول رئيس مدني منتخب بمصر محمد مرسي العام الماضي.
السيسي يهرب من فشله بسيناء لتهديد غزة
اعتبر خبراء أن هجوم الجمعة ضد الجيش المصري في سيناء يشكل "إخفاقا لاستراتيجية" مواجهة الجماعات المسلحة رغم الحملة الأمنية التي بدأت هناك قبل حوالى عامين، فيما ذهبت تحليلات إلى أنّ تهديد السيسي لقطاع غزة ما هو إلا هروب من الفشل الأمني بسيناء.
ويقول خبراء إن الجيش المصري يستخدم استراتيجية "تقليدية وخاطئة" في التعامل مع المسلحين الذين يشنون "حروب عصابات" تنوعت بين الهجوم بصواريخ الهاون ووضع العبوات الناسفة واستخدام السيارات المفخخة.
ويقول إسماعيل الاسكندراني الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الجهادية وسيناء في مبادرة الإصلاح العربي، ومقرها باريس، إن "الاستراتيجية المصرية تثبت فشلها مع كل هجوم".
وتابع الاسكندراني لفرانس برس أن "كفاءة القوات المتواجدة في سيناء دون المستوى، فهي تفتقر للتدريب والقدرة على المواجهة".
من جهته، قال اللواء المتقاعد محمد الزيات، المستشار الأكاديمي للمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، ومقره القاهرة، إن هناك معوقات طبيعية كبيرة تواجه الجيش في سيناء تفسر هذا الإخفاق.
ويضيف أن "سيناء منطقة سكنية يختلط فيها السكان مع المسلحين".
من جانبه، يشير عمرو هشام ربيع نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الحكومي إلى "تقصير أمني واضح" وراء تكرار الهجمات.
وقال ربيع لفرانس برس "كثير من الهجمات تستهدف باستمرار حواجز ثابتة للأمن معروفة للمسلحين ما يجعلها أهدافا سهلة".