ساعات قليلة قبل انطلاق الانتخابات التشريعية في
تونس فتحت خليتان إرهابيتان فوهات أسلحتها صوب أحد المدنيين وقوات الأمن التي نزلت بكلّ ثقلها لتضرب بقوّة وتنفّذ عملية أمنية استباقية بإقليم العاصمة. ورغم أنّ الخليتين تفصل بينهما مئات الكيلومترات إلّا أن قوات الأمن والجيش تحرّكت في وقت قياسي.
ويرى أكثر المراقبين أنّ ما تشهده تونس من عمليات إرهابية منذ أشهر يلتقي منطقيا مع الاستحقاق الانتخابي الذي ينتظره التونسيون، فتنظيم أنصار الشريعة المحظور وكتيبة عقبة بن نافع المنتمية إلى تنظيم القاعدة وجماعات سلفية هدّدت في أكثر من مناسبة بإفساد الانتخابات التشريعية التي ستجري في 26 من الشهر الجاري والرئاسية في 23 من الشهر القادم.
لن تشكل أيّ خطر
ويربط الخبير في الجماعات الإسلامية المتشدّدة الدكتور عليّة العلاني العلاقة بين العملية الأمنية الجارية في تونس، حتّى إعداد هذا التقرير، وبين انتخابات الأحد القادم قائلا لـ "عربي 21" إنّ لهذه الأحداث علاقة مباشرة بالعملية الانتخابية لكنّها لن تشكل أيّ خطر عليها لأسباب موضوعية.
أولى الأسباب بحسب محدثنا الدكتور العلاّني هي "العمليات الاستباقية التي تقوم بها قوات الأمن الداخلي منذ أشهر وتحديدا منذ شهرين وهي تكاد تكون مرّة في الأسبوع ويتمّ على إثرها القبض على عناصر إرهابية حتّى بلغ عدد الذين تمّ اعتقالهم في قضايا
الإرهاب إلى اليوم حوالي 1500 عنصرا. ومن خلال التحقيقات والأبحاث التي تُجرى مع الموقوفين أمكن التعرف على مخططات هؤلاء".
السبب الثاني هو التهديد الذي اطلقه زعيم تنظيم انصار الشريعة المحظور في تونس أبو عياض منذ أيّام قليلة بتحريك الخلايا النائمة ما لم يقع الإفراج عن شقيقه وعن إرهابيين آخرين تورّطوا في قضية تمويل التنظيم واعتقلوا خلال الأيام الفارطة.
جاهزية قوات الأمن
وأضاف الدكتور العلاّني إنّ ما حدث بين ليل الأربعاء بمحافظة قبلي بالجنوب ويوم الخميس بإقليم العاصمة يدخل في إطار الحرب الإعلامية التي يريد الإرهابيون خوضها وهي السبب الثالث في رأي محدّثنا.. يقول: "التيارات الإرهابية تريد أن توهم التونسيين بأنها قادرة على أن تساوم الجميع وخاصة قوات الأمن والجيش وأنها تهدّد الانتخابات، وأنا أعتقد أن عملية البارحة واليوم وعملية القبض على 16 إرهابيا منذ أسبوع تؤكّد جاهزية قوات الأمن في أعلى درجاتها، وهذا يطمئن الرأي العام و الناخبين الذين سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع الأحد القادم".
ونوّه الخبير العلاّني في ختام حديثه لـ "عربي 21" إلى أن البنية التحتية "الجهادية" لتنظيم أنصار الشريعة المحظور قد وقع اقتلاعها بنسبة تفوق 70 بالمائة. وأنّ "ما قام به الإرهابيون هو ما يعبّر عنه بـ"رقصة الديك المذبوح" إذ أنهم لم يستطيعوا القيام بعملية كبيرة طيلة أيام الحملة الانتخابية يفسدون من خلالها المسار الانتخابي وتأكّد اليوم للجميع أنهم لا يستطيعون ذلك وهذا يزيد في تأكيد أنّ الانتخابات ستنعقد إن شاء الله في كلّ الظروف، وحتى اذا ما تمّ القيام بعملية إرهابية يوم الانتخابات لا قدّر الله فلن يكون لها تأثير على المسار الانتخابي عموما.
السيناريوهات المحتملة
وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي في تصريح لـ"عربي 21" إنّ قوات الأمن الداخلية والجيش الوطني ستصعّد من عملياتها الاستباقية والوقائية ضدّ العناصر الإرهابية خلال الأيام القادمة بما يضمن ضرب هؤلاء في مخابئهم. مضيفا أن وزارة الداخلية وضعت الخطط الأمنية للسيناريوهات المحتملة، والأكثر سوءا منها، وما قد يحصل يوم الاقتراع.
وأفاد الناطق الرسمي باسم الداخلية أنه تمّ تجنيد حوالي 80 ألفا بين عسكريين وحرس وأعوان أمن على درجة عالية من الكفاءة بهدف تأمين العملية الانتخابية وضمان سلامة الجميع باعتبار دقّة الوضع الأمني والمخاطر التي تتهدد هذا الاستحقاق.
وكشف العروي عن تفاصيل العمليتين الأمنيتين التي شهدتهما تونس خلال الساعات الأخيرة واعتبرهما محاولة يائسة للتشويش على المسار الانتخابي. ففي العملية الأولى تمّ اعتقال عنصرين إرهابيين وُصفا بالخطيرين كانا قد قتلا حارسا بإحدى مؤسسات الدولة بمحافظة قبلّي بالجنوب. وتبيّن من الأبحاث الأولية أن العنصرين قد خطّطا للقيام بعملية إرهابية وكان سينفذّان مخططهما قبل أن تعتقلهما قوات الأمن فجر الخميس وتحجز معهما سلاحين من نوع كلاشنكوف وكمية كبيرة من الذخيرة. مضيفا أنّ العنصرين المعتقلين قد كشفا عن العناصر الإرهابية التي تمّت مداهمة منزلهم فجر الخميس بمحافظة منّوبة بإقليم العاصمة .
دروع بشرية
وأكّد العروي أنّ الخلية الإرهابية التي تتحصّن بالمنزل المحاصر كان بصحبتهم طفلان و4 نساء ربما سيستخدمونهم كدروع بشرية، كما ترفض تسريحهم رغم محاولة التفاوض من جانب قوات الأمن والجهة القضائية التي تواكب العملية الأمنية منذ بدايتها.
من جهته قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الوطني، المقدم بلحسن الوسلاتي إن وحدات الجيش التونسي نفّذت مؤخّرا عمليات قصف دقيقة على المرتفعات التونسية حيث تتحصّن بعض الجماعات الإرهابية. وتأتي هذه الضربات كعمليات استباقية لدحر الإرهابين الذين يسعون إلى إرباك العملية الانتخابية وإثناء الناس عن المشاركة يوم الاقتراع. وأضاف أنّ ما حدث في تونس خلال الساعات الأخيرة لن يكون له أي تأثير على المسار الانتخابي لأنه على يقين من الدور الإيجابي للتونسيين في محاربة الإرهابيين وإحباط مخطّطاتهم.