أن تخوض حركتا التحرير الوطني
الفلسطيني "
فتح" والمقاومة الإسلامية "
حماس"،
الانتخابات البرلمانية القادمة في قائمة مُوحدة فكرة تبدو أقرب للخيال منها إلى الواقع، فأكبر فصيلين في الساحة الفلسطينية، والخصمين السياسيين، يسيران في خطين متوازيين، ويستحيل أن يلتقيا، حسبما يرى مراقبون.
غير أن تصريحات أدلى بها قيادي في حركة فتح، مؤخرا، حول اقتراح يقضي بتشكيل قائمة موحدة تضم مرشحي الحركتين لخوض الانتخابات القادمة، فتحت الباب أمام تساؤلات عدة بشأن إمكانية خروج هذه الفكرة إلى النور.
ويُشكك محللون سياسيون، تحدثوا بإمكانية تحقيق هذا الخيار، مؤكدين أن الهوة بين الحركتين واسعة، والخلافات بينهما لا يمكن أن تختصرها قائمة انتخابية مُوحدة.
وفي زيارته الأخيرة لقطاع غزة برفقة حكومة الوفاق الفلسطينية، قال حسين الشيخ، رئيس هيئة الشؤون المدنية، وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، إنّ حركته "مستعدة لخوض الانتخابات المقبلة ضمن قائمة موحدة تضم مرشحي الحركتين (حماس وفتح)".
وأضاف الشيخ: "قدّمنا اقتراحا لحركة حماس، يقضي بتشكيل قائمة لخوض الانتخابات المقبلة، ونحن في حركة فتح مستعدون لذلك".
ولم تعقب حركة حماس بشكل رسمي حول تصريحات الشيخ، غير أن المستشار السياسي السابق لإسماعيل هنية رئيس حكومة حماس السابقة، أيّد في تصريح صحفي المقترح.
وقال أحمد يوسف، في تصريح لتلفزيون فلسطين الرسمي، إنّ "تفكيرا جادا ومسؤولا يدور بين الحركتين لتشكيل قائمة موحدة في الانتخابات المقبلة".
وأضاف يوسف أن "حركة حماس تستعد للفترة المقبلة، وتبحث ملف الشراكة السياسية الحقيقي، ضمن توافق وطني ودون أن ينفرد أي فصيل بالسياسة وحده".
وتقول مصادر مقرّبة من حركة حماس، إن فكرة الدخول مع حركة فتح ضمن قائمة موحدة في الانتخابات المقبلة ليست جديدة، وتم تداولها سابقا بين قيادات الحركتين.
وأضافت المصادر أن رئيس السلطة الفلسطينية وزعيم حركة فتح محمود عباس طرح في لقاء سابق مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، فكرة الدخول في انتخابات بقائمة موحدة، ووعد الأخير بدراستها.
وبحسب تلك المصادر، فإن الفكرة لا تروق لصناع القرار في حركة حماس، ويصفها كثيرون بأنها "غير واقعية".
وعقب قرابة 7 سنوات من
الانقسام، وقعت حركتا فتح وحماس في 23 أبريل/ نيسان 2014، على اتفاق للمصالحة، يقضي بإنهاء الانقسام الفلسطيني، وتشكيل حكومة توافق لمدة 6 شهور ومن ثم إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني بشكل متزامن.
وأعلن في الثاني من يونيو/ حزيران الماضي، عن تشكيل حكومة التوافق الفلسطينية، حيث أدى الوزراء اليمين الدستورية أمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مقر الرئاسة في رام الله بالضفة الغربية.
ولم تستلم حكومة التوافق، منذ تشكيلها، مهامها في قطاع غزة، لأسباب عدة أبرزها الخلافات بين حركتي فتح وحماس، وذلك على الرغم من الزيارة التي قام بها رامي الحمد الله، في 9 أكتوبر/ تشرين أول الجاري، إلى القطاع، والتي بحثت صلاحيات حكومته وبسط سيطرتها.
وربما ترجع هذه الفكرة إلى شعور حركة "فتح" المتزايد بأنه من غير المضمون أن تخوض الانتخابات المقبلة وتفوز فيها، وشعور "حماس" بأن المطلوب منها خسارة الانتخابات القادمة، لأنها لن تُمكّن من الحكم إذا فازت، كما يرى هاني المصري، المحلل السياسي ومدير مركز مسارات لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية في رام الله (غير حكومي).
وقال المصري: "فكرة خوض الانتخابات بقائمة واحدة في حال إجراء الانتخابات أصلًا، هي اجتهاد يحاول أن يلمس الخصوصيّة الفلسطينيّة، لكنه بحاجة إلى تدقيق ومراجعة، لأنها تقضي على فكرة المنافسة وتعدد الخيارات التي هي جوهر أي انتخابات، فالقائمة التي تضم "فتح" و"حماس" وحدهما، أو التي تضم بالإضافة إليهما كل الفصائل ستعني أن القائمة ستفوز بالتزكية، أي بالتوافق الوطني".
ويُشكك المصري، في إمكانية تطبيق هذا الطرح، في ظل الواقع الحالي الذي يتعمق فيه "الانقسام" بين حركتي فتح وحماس.
وتابع: "نحن نتحدث عن حركتين، تختلفان سياسيا حول الكثير من القضايا، وحتى فكريا، ويستحيل أن يتم توحدهما في إطار قائمة انتخابية مُوحدّة".
ومع تأكيده على أن السياسة لا تعرف المستحيل، إلا أنّ هاني البسوس، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية بغزة، استبعد احتمالية خوض حركتي فتح وحماس الانتخابات البرلمانية القادمة في قائمة موحدة.
وقال البسوس، إنّ "الحركتين تختلفان في الوقت الحالي على أبسط الأشياء والتفاصيل، ولا يسود بينهما الانسجام والتفاهم في كثير من القضايا".
وتابع: "القائمة المُوحدة تعني برنامجا سياسيا مُوحدا، ورؤية واحدة، وهذا يستحيل تطبيقه الآن، فحماس وفتح أشبه بخطين متوازيين لا يتلقيان، وهناك تناقض وتنافر كامل بينهما في الرؤى، ومن المستحيل أن تقبل حركة حماس بما تقبله فتح أو العكس".
ويرى البسوس أن "إشكالية النظام الانتخابي المختلط في فلسطين، والذي ينتج عنه نظام سياسي برأسين (البرلمان والرئاسة) هي ما يدفع البعض إلى طرح هذا الخيار، الذي لن يرى النور"، وفق تأكيده.
وتختلف حركة حماس مع حركة فتح في كثير من القضايا من أبرزها أن حركة "حماس" ذات الفكر الإسلامي لا تعترف بوجود إسرائيل، وتطالب بإزالتها وإقامة دولة فلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية، متبنية مبدأ المقاومة المسلّحة كطريق وحيد لتحرير فلسطين.
لكن حركة "فتح"، بزعامة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، اعترفت عام 1993 (في أعقاب توقيع اتفاقية أوسلو للسلام) بأحقية وجود إسرائيل، وتطالب بإقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة، وشرق مدينة القدس.
ولا تقبل حركة "حماس" بشروط اللجنة الرباعية الدولية للسلام (الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوربي، والأمم المتحدة)، والتي تطالبها بالاعتراف بإسرائيل.
كما ترفض مبدأ التفاوض مع إسرائيل، والتنسيق الأمني لأجهزة السلطة مع السلطات الإسرائيلية.
وتعني القائمة الموحدة رؤية سياسية واحدة، واتفاقا على كافة القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما يستحيل حدوثه بين الحركتين، كما يؤكد "عبد الستار قاسم"، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني.
ويرى قاسم، أستاذ العلوم السياسية السابق في جامعة النجاح بمدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، أنّ "القائمة المُوحدة تعني برنامجا سياسيا موحدا، وحتى عقائديا وفكريا".
وأضاف: "في نفس الحركة، هناك اختلافات، وتوجهات فكرية، فكيف بالقائمة التي ستضم حركتين تختلفان في كل شيء".
واستبعد قاسم تطبيق هذا الخيار، وإمكانية نجاحه في حال رأى النور، متابعا: "ربما نشاهد سيناريو 2007، وسيطرة فصيل على آخر، واندلاع الاشتباكات بينهما حال الاختلاف بعد الانتخابات، وانقلاب كل جهة على الأخرى، هذا طرح غير منطقي، وغير وارد في ظل الأوضاع السياسية الحالية".
وكانت حركة حماس قد وافقت على خوض الانتخابات التشريعية التي جرت مطلع 2006، وحققت فيها مفاجأة بحصد أغلبية المقاعد في المجلس التشريعي (البرلمان).
ورفضت حركة فتح وبقية الفصائل المشاركة في الحكومة التي شكلتها حركة حماس، برئاسة إسماعيل هنية، بدعوى "عدم الاتفاق على البرنامج السياسي".