في الأيام القليلة الماضية، تواترت الأنباء عن
سيطرة جماعة "أنصار الله" المعروفة بجماعة "الحوثي" على عدة مناطق استراتيجية بمحافظة الحُدَيْدة، المطلة على ساحل البحر الأحمر، غربي
اليمن، كامتداد لسيطرتها على العاصمة صنعاء، لكن ما نوع تلك السيطرة؟ ولماذا حدثت؟ وما هي أهمية المنطقة للحوثيين؟
قبل الإجابة عن هذه الأسئلة من المهم التنويه إلى أن إسقاط صنعاء من قبل الحوثيين وجنوح الدولة والقوى السياسية والدينية المختلفة إلى عدم مقاومتهم فيها، هو ما جعل طريق الحوثيين معبدًا للذهاب إلى أي مكان يريدون، فالأطراف التي لم تواجههم في صنعاء لن تواجههم في أي مكان آخر.
وهذا ما حدث حين ظهر المسلحون
الحوثيون في الحُدَيْدة، فيبدو الأمر وكأن هناك توجيهات عليا أتت بعدم المواجهة معهم.
ولأن الحدث في الحُدَيْدة يأتي في سياق الحدث الرئيس في صنعاء، كان نسخة مصغرة منه، فالجماعة التي أسقطت العاصمة في قبضتها العسكرية دون أن تعلن عن نفسها كبديل عن مؤسسات الدولة ذات الأمر فعلته في الحُدَيْدة، وهي تعلن عن نفوذها المسلح في المحافظة من خلال نقاط التفتيش والدوريات التي تقيمها على مداخل وفي مدينة الحُدَيْدة، عاصمة المحافظة التي تحمل نفس الاسم، وإلى جوار أهم منشأتها الحيوية كالميناء والمطار هي لم تعلن عن نفسها كبديل عن السلطات المحلية هناك.
ولكن، لماذا كانت الحُدَيْدة الهدف الثاني للحوثيين بعد العاصمة ولم تكن أي محافظة أخرى؟ الجواب هو : موقع المحافظة المطل على البحر الأحمر وهو المنفذ الأهم لليمن، الشمالي، على الأقل على البحر.
الأمر الثاني هو كون المنطقة العسكرية الغربية (الحُدَيْدة) هي المنطقة الثانية فيما كان يعرف بالمنطقة الشمالية الغربية بقيادة اللواء علي محسن الأحمر قبل قسمتها إلى منطقتين شمالية تعرف الآن بالسادسة، وغربية تعرف الآن بالخامسة، وبعد سيطرة الحوثيين على المنطقة الشمالية وهي صعدة وعمران (شمال) يكون سيطرتهم على المنطقة الأخرى الحُدَيْدة أمرا منطقيا من الناحية العسكرية.
ففي المنطقة الغربية كان يوجد بعض المعسكرات الصغيرة التي كان لها علاقة باللواء علي محسن فيما كان يعرف بالمنطقة الشمالية الغربية كمعسكر (الكمب) بمديرية "باجل" 50 كيلو إلى الشرق من مدينة الحُدَيْدة، الذي كان مخزنا للسلاح ومؤخرة للفرقة الأولى مدرع المنحلة والمنطقة الشمالية الغربية.
كما أنه هو ذاته مخزن السلاح الذي بدأت أخبار سيطرة جماعة الحوثي عليه بعدما أحلوا مسلحيهم مكان الجنود الذين كانوا مكلفين بحراسته بحجة حمايته.
والأنباء تحدثت أيضا عن جنود بلباس مدني من اللواء العاشر بمديرية "باجل" وهو من قوات الحرس الجمهوري سابقا التي كان يقودها أحمد نجل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، شاركوا نهب المخزن. وهذا اللواء هو أقوى المعسكرات المتواجدة في المنطقة والحديث عن ولاءه الذي لا يزال للرئيس السابق هو أيضا يفسر جانبا من مد الحوثيين لنفوذهم المسلح إلى محافظة الحُدَيْدة.
ويبقى السؤال الأهم، وهو ما الذي يستفيده الحوثيون من مد سيطرتهم المسلحة إلى محافظة الحديدة وإطلالتها على أهم المنافذ البحرية الغربية لشمال اليمن وهو لا يعلن عن نفسه بديلا عن مؤسسات الدولة القائمة؟
من الناحية السياسية هذه السيطرة هي تقوي من نفوذ جماعة الحوثي على الدولة ونظامها السياسي الجديد الذي سيتم بنائه وفق اتفاق السلم والشراكة وهو الاتفاق الذي تم فرضه من قبل الجماعة يوم سيطرتها على العاصمة، إلا أن هذا ليس هو الأهم إذ يمكن تحقيقه بمجرد السيطرة على العاصمة.
الأمر الأهم هو الجانب العسكري لهذه السيطرة على المنافذ البحرية إذ تمكن الحوثي من تأمين حصوله على السلاح الذي كان يحصل عليه بالتهريب عبر البحر، ومنعه عن القوى السياسية والدينية الأخرى إن هي فكرت بمواجهته إذ هي لا تزال تحتفظ بقوتها وكل الذي فعلته مع تمدد الحوثي هي أنها فضلت عدم المواجهة معه فقط.
لكن. هل يكون تأمين الحوثي لحصوله على السلاح عبر البحر ومنعه عن الآخرين هو أخطر ما في سيطرته على الحُدَيْدة ومنافذها البحرية؟. ماذا لو قرروا أن تكون تلك المنافذ قواعد دائمة لقطع البحرية الإيرانية على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وفي خاصرة المملكة
السعودية؟