منذ أن تم الإعلان عن اعتزام الأمين العام للأمم المتحدة "
بان كي مون" بتسجيل
زيارة لكلٍ من
إسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية، فإنه لا ينبغي أن نوغل كثيراً في جدوى هذه الزيارة وإن كانت تجيء في أوقات أشد حساسية، كون نتائجها معلومة وغير مثيرة لنا للحظة واحدة، باعتبارها في المقام الأول، الخطوة (ب) من خطة
إعمار قطاع
غزة، وتهدف إلى إطلاع الإسرائيليين والتنسيق معهم في شأن إدخال المواد اللازمة لإعادة التأهيل، كما لا يجب علينا الاجتهاد أكثر من المعتاد، في شأن تعليق الآمال على مجهوداته من أجل الدفع بالعملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بسبب معرفتنا المسبقة للثقل الذي يبدو عليه في هذا الخصوص، وبناءً على التقييمات للزيارات السابقة التي لم تكن مجدية.
لكن مجهودات وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" بشأن استئناف جهوده للضغط في سبيل استئناف المفاوضات، باعتبارها حاجزاً أمام أيّة أخطار قد تنجم عن الجمود السياسي الحاصل بشأن العملية السياسية، وأيضاً في ضوء أن حركة حماس لا تنفك عن التحريض على العنف وتحض عليه، وإن كانت تتمهل قليلاً في هذه الأثناء لمراعاة، فتح المعابر وبدء تدفق المواد الإعمارية إلى القطاع، ومن أجل توطين علاقات مع السلطة الفلسطينية في بعض المسالك وبخاصةً السياسية منها، كتسجيل نجاحات مهمّة، مع أن هذا التمهّل وهذه العلاقات لا ينفيان أنها لا زالت مطلقة اليدين في شأن معاداتها لإسرائيل، كما لم تعطِ أيّة إشارات صحيحة وثابتة باتجاه السلطة الفلسطينية، بأنها سلّت يديها تماماً من حكم القطاع ولا بتخليها تماماً عن إذاعة وتنشيط برامجها المختلفة في مناطق الضفة الغربية، سيما وأن تصريحات الرئيس "أبو مازن" تؤكّد بأن الحركة لا زالت تسيطر على الوضع بالكامل في قطاع غزة.
بناءً على اتفاق الإعمار الذي حصل في القاهرة في الأيام القليلة الماضية، يُفترض لدى الإسرائيليين أن يقوم " كي مون" بالالتزام، بتنفيذ مهمّة إعادة الإعمار، في مقابل مراعاة المسائل السياسية والأمنية بما فيها بقاء الحصار مفروضاً على القطاع، وربطه بأيّة أعمال عنف للحيلولة لمنع تجديد إطلاق النار. وأن إسرائيل في سبيل المساهمة في تحقيق ذلك، ستعمل على إظهار سخاءً أكبر في التخفيف عن سكان القطاع وإرسال تسهيلات لإصلاح ما لحق بهم من أضرار نتيجة العدوان الأخير.
كانت إسرائيل التي تألّمت هي أيضاً، نتيجة عدوانها ولازالت لديها حسابات مهمّة باتجاه حماس والمقاومة ككل، وما جذبه العدوان إليها من تداعيات وانعكاسات خطِرة، قد تحدثت عن تسهيلات كبيرة أخرى بخصوص تنقل الأفراد والسلع في المعابر واستئناف استصدار تصاريح للعمالة الفلسطينية، وخطوات أخرى، بسبب أن رئيس الوزراء "بنيامين نتانياهو" وأكثر أعضاء حكومته و"موشيه يعالون" بالذات، يأملون بأن حماس ستخطو إيجابياً في مقابل الخطوات الإسرائيلية على أنها تأتي للمساعدة في إعادة الإعمار ولإبراز أن أنشطتها المقاوِمة قد آتت أُكلها، ولن تسمح بمحوها في مواجهات تالية مع إسرائيل.
بدا "كي مون" والذي تم استقباله بإطلاق السفن الإسرائيلية نيرانها باتجاه قوارب صيد فلسطينية كخرقٍ أخر للهدنة السارية مع المقاومة، وبالهجوم المتعمّد على المسجد الأقصى وبأفعال عنف وتخريب لمستوطنين يهود في سائر المناطق الفلسطينية أيضاً، بدا مسكيناً لدرجة مؤذية، إذ لم يتحدث فيما يحصل بالمطلق، كما لم يتهم إسرائيل مباشرة بأي شيء، وبالمقابل وعد بزيارة السكان اليهود في غلاف القطاع للنظر في قضاياهم ومواساتهم، بالتساوي مع المتضررين الفلسطينيين، كما لم يتمكن أمام الإسرائيليين من فعل شيء، غير تكرار انتقادات أمريكية وأوروبية بشأن ضرورة وقف الأنشطة الاستيطانية بسبب أنها مؤذية للعمل التفاوضي، وبالدعوة إلى وقف "الاستفزازات" في الأماكن المقدسة، بسبب أنها تؤدي فقط الى تأجيج التوترات المتبادلة، وبالدعوة إلى رفع الحصار عن الفلسطينيين، بسبب أنه يؤدّي إلى المزيد من التوتر والاحتقان.
وعلى الرغم من أن حديثه كان مجرد تكرار ودعوة، إلاّ أنه أثار غضب رئيس الدولة و"نتانياهو" ووزير الجيش "موشيه يعالون" وزعماء يمينيين آخرين، الذين كانوا يُجمِعون على تطبيعه تبعاً لنظرتهم السياسية والأمنية، حيث ربط رئيس الدولة "روفين ريفلين" مسألة إنهاء حماس بإنهاء كل المتاعب وبضمنها الحصار المفروض، برغم علمه باستحالة استئناف العمل العسكري في القطاع مرة أخرى بسبب الدمار الكبير الذي حدث هناك بعد بالعدوان. وحثّه "نتانياهو" بالمقابل على ضرورة أن تساهم الأمم المتحدة، من أجل منع تحركات الفلسطينيين "الأحادية الجانب" في الأمم المتحدة، معتبراً بأنه لا يتم تحقيق سلام حقيقي إلاّ عبر مفاوضات ثنائية مع الذين يؤمنون بالسلام، ومن ناحيةٍ أخرى، اتهم منظّمته باختراق حياديتها بعد سماحها لحماس – كما يزعم- باستخدام منشآتها لإطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، ومن جانبه حذّر "يعالون" من أن الأموال الإعمارية، يحب أن لا تُستخدم في تجديد الأنفاق ومواصلة صنع الصواريخ. على أيّة حال، انتهت الزيارة، وفي هذه الأثناء فإن على "كي مون" السعي للسير باتجاه سياسة واحدة وموسعة، لتحسين وضع القضية الفلسطينية، وفي نفس الوقت العمل على ضمان عدم عودة إسرائيل إلى تكرار عدوانها أو مواصلة سياساتها الهوجاء ضد الفلسطينيّين بشكلٍ عام.