علقت صحيفة "التايمز" البريطانية في افتتاحيتها على التقارير التي قالت إن الولايات المتحدة تعتبر اليوم من أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم؛ بسبب اعتمادها على
النفط الصخري. وبهذا تتفوق أميركا على
السعودية التي ظلت العامل المهم في التحكم بأسعار النفط العالمي.
وبحسب التقارير، التي أصدرها معهد متخصص في
الطاقة، تعتبر الولايات المتحدة الأولى في مجال الطاقة بفضل النفط الصخري والغاز الطبيعي، مقارنة مع روسيا والسعودية.
وتشير الصحيفة إلى أن إنتاج النفط الأميركي زاد من 8 ملايين برميل في اليوم عام 2011، إلى 12 مليون برميل يومياً. وتضم الأرقام الجديدة، التي تجعل أميركا في مقدمة الدول المنتجة للطاقة، الغاز المسال مثل "الإيثان"، والذي يستخدم في الصناعات الكيماوية.
وتقول صحيفة "التايمز" إن الزيادة في معدلات النفط في السنوات الأخيرة منعت من ارتفاع أسعار النفط العالمي، مما عوض الولايات المتحدة عن الكميات الضائعة من النفط الليبي بسبب الربيع العربي.
وترى الصحيفة إن الزيادة النسبية في معدلات الإنتاج هي السبب الرئيسي وراء انخفاض أسعار النفط العالمي، فقد انخفض سعر برميل النفط من 115 دولارا أمريكيا إلى 90 دولارا أمريكيا في أقل من شهرين.
ونقلت الصحيفة عن ريتشارد مالينسون، المحلل في المؤسسة الاستشارية والبحثية "إنيرجي آسبيكت"، قوله "خلال الأعوام الثلاثة الماضية ساعد إنتاج الولايات المتحدة من النفط على استقرار السوق، في وقت تشهد فيه عمليات تزويد النفط العالمي حالة من عدم الاستقرار، فقد عوض
الزيت الصخري المنتج في الولايات المتحدة البراميل الضائعة ومنع من زيادة نسبية في سعر النفط".
وتجد الافتتاحية أن قيادة الولايات المتحدة للإنتاج العالمي تؤثر على منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط -أوبك-، وبالتحديد السعودية، ويحرمها من التحكم بأسعار النفط العالمية. فقد لعب السعوديون تاريخيا دور "المنتج البديل"، كون بلدهم الدولة الوحيدة المستعدة لتعديل معدلات إنتاج النفط لتحقيق الاستقرار في أسعار النفط.
وتلفت الافتتاحية إلى أنه مع تراجع حصتها العالمية من إنتاج النفط فقد تضطر السعودية للتقليل من معدلات إنتاجها؛ حتى تتحكم بهبوط أسعار النفط. وبحسب الأرقام التي أصدرتها وكالة الطاقة الدولية اليوم، فإنها تؤكد قيادة الولايات المتحدة لإنتاج النفط والغاز في العالم، والذي وصل في آب/ أغسطس إلى 11.8 مليون برميل في اليوم، ومن المتوقع وصوله هذا الشهر إلى 12 مليون برميل. فيما وصل إنتاج السعودية في آب/ أغسطس إلى 11.5 مليون برميل. وفي العادة ما تقدم التقارير الرسمية السعودية إنتاج النفط الخام، وتترك الغاز الطبيعي المسال.
وتبين الصحيفة أن الثغرة توسعت في الشهر الماضي، مما يؤكد أن الولايات المتحدة تفوقت على السعودية. وبحسب أرقام الحكومة الأميركية فقد وصلت معدلات إنتاج النفط الخام إلى 8.8 مليون برميل في الشهر الماضي، مقارنة مع 8.8 مليون برميل في آب/ أغسطس. وبالمقابل خفضت السعودية من إنتاجها 400.000 برميل في اليوم.
وتعتقد "التايمز" أنه وبالرغم من كل الإشارات المتفائلة إلا أن هناك شكوكا حول قدرة الولايات المتحدة على البقاء في موقع الصدارة العالمية، فعلى خلاف آبار النفط، التي يمكن استخدامها لسنوات، فإنتاج الزيت الصخري قد يتراجع بشكل كبير. فحقل لإنتاج الزيت الصخري يبدأ بـ 1000 برميل في اليوم ويتراجع إلى 200 برميل في نهاية العام.
وبحسب مالينسون، فإن "فكرة قدرة الولايات المتحدة على الاستمرار بإنتاج كميات كبيرة من النفط أكثر من السعودية لم تثبت بعد".
وفي افتتاحيتها قالت صحيفة "التايمز" إن السعودية فقدت صدارتها العالمية في إنتاج النفط، ولكنها لم تفقد القدرة على إرسال الهزات والقلق من واشنطن إلى موسكو. وأعربت السعودية عن نيتها التخلي عن معادنها القديمة ودورها الذي مارسته لعقود، وستبقي على أسعار النفط منخفضة. وحتى تحقق هذا فلن تستمع للمطالب التي تطالبها بتخفيض إنتاجها رغم الطلب القليل عليه.
وترى الصحيفة أن نتائج هذا القرار أو بعض ملامحه مرحب بها، فأسعار النفط الرخيصة تساعد المستهلكين في محطات الوقود، كما تساعد مصدر الطاقة والقطاع الكيماوي البريطاني كذلك.
وسيؤدي تراجع سعر النفط لحدوث خلافات في منظمة أوبك، التي سيضعف دورها بسبب الخلاف على سعر البرميل 80-85 دولارا أميركيا. والذي قد يكون مقبولا للدول العربية وليس لفنزويلا وإيران. وأكثر من هذا فأسعار كهذه ستفاقم من آثار العقوبات على روسيا، وستزيد من الضغوط على فلاديمير بوتين كي يغير من مواقفه المعادية ضد أوكرانيا، بحسب الصحيفة.
وتوضح "التايمز" أنه في اتجاه آخر فقد تدفع الأسعار المنخفضة للنفط الدول الغربية للتقليل من عمليات إنتاج الزيت الصخري وجعله أقل ربحا، خاصة أن كلفة إنتاجه أعلى من كلفة إنتاج النفط العادي. وبالتأكيد هذا جزء من تفكير السعودية.
وتذهب الصحيفة إلى أن هذا التصرف مفهوم، خاصة أن إنتاج النفط التقليدي تراجع لصالح إنتاج النفط الصخري، ومع ذلك يجب منع السعودية وقف الثورة في إنتاج الطاقة. ويتوقع زيادة الطلب العالمي على الطاقة بنسبة 40% في العقود الثلاثة القادمة، ولا يمكن الاستجابة للطلب إلا بالبحث عن مصادر جديدة للنفط والغاز.
وتنوه الصحيفة إلى أن حسابات السعودية فيما يتعلق بالنفط تعتبر تهديدا لصناعة الزيت الصخري المزدهرة وقطاع الغاز، ويجب الرد عليه من خلال البحث عن احتياطات جديدة.
ومن هنا فالحفاظ على أسعار منخفضة للنفط قد يساعد السعودية -في المدى القصير- على استرجاع زبائن خسرتهم، ولكن على المدى البعيد سيترك العالم غير جاهز لمستقبل يزداد فيه الطلب على الطاقة كثافة، وفق "التايمز".
وتذكر الصحيفة أن زيادة إنتاج النفط الأميركي بمعدل 65% منذ عام 2008، ساعد الولايات المتحدة على التعافي من الركود الاقتصادي. وحمى الولايات من آثار الاضطرابات في العالم العربي، وقدم النفط الصخري بديلا لأوروبا عن الاعتماد على الغاز الروسي. وكان عاملا مهما في انخفاض سعر برميل النفط بنسبة 20% منذ حزيران/ يونيو.
وتقول الصحيفة إن الطلب الضعيف مرتبط بتراجع النمو في منطقة اليورو وانخفاض الطلب الصيني على النفط، وأسعار منخفضة للنفط تعطي السعودية تميزا وتجعلها قادرة على استعادة هذه الأسواق، بالرغم من الاحتجاج من كاراكاس، التي تحتاج فيها حكومة مادورو الابقاء على سعر برميل النفط بأقل من 115 دولارا أميركيا. وروسيا التي زعمت يوم أمس أنه يتم التلاعب بالسعودية كي تعاقب روسيا.
وتضيف "التايمز" بأن انخفاض سعر النفط يؤثرعلى
فلاديمير بوتين رغم بقاء سعر الغاز على ما هو. ويعترف الوزراء في الحكومة الروسية إنهم يحتاجون للحفاظ على الميزانية الحكومية فهم بحاجة لبيع برميل النفط بسعر 98 دولارا هذا العام و 105 دولارات في العام المقبل.
وتختم "التايمز" بالإشارة إلى أن نظريات المؤامرة حول تعاون السعودية والولايات المتحدة لضرب روسيا قد تكون مبالغا فيها، لكن أثرها على موسكو مرحب به. وبالنسبة لأثر القرار السعودي على إنتاج الزيت الصخري فيجب منعه ورفضه، خاصة أن النفط الصخري وإنتاجه ساعد على تعافي الاقتصاد الأميركي.