في الوقت الذي اتهمت فيه الولايات المتحدة حركة
حماس، بأنها هي من بدأت بكسر الهدنة مع
إسرائيل، وحمّلتها مسؤولية العدوان الصهيوني - الجرف الصامد- منتصف أوائل يوليو/تموز الماضي، وأعطت إسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وفيما تفعله من عنفٍ وتدمير ضد
المقاومة والسكان بشكلٍ عام، فهي تدعو الآن إسرائيل -كمبادرةٍ تالية منها- إلى المشاركة في مؤتمر المانحين الدولي لأعمار القطاع، والذي سيعقد في القاهرة الأحد القادم، باعتباره فرصة جيّدة لها، أكثر من أيّة دولة مُشاركة فيه، حيث أكدّت على ضرورة أن تساهم في إعادة التأهيل بعد الدمار الهائل الذي ألحقته به نتيجة العدوان، وذلك للعمل على تحسين صورتها أمام المجتمع الدولي، ولإثبات مكانتها ودورها في خطط الإعمار الآتية، وللمبادرة إلى بسط مساهمات قويّة تساعد في تليين قبضتها الاقتصادية على القطاع، باعتبار أن لديها الحل الوحيد للوضع المأساوي الذي حلّ به.
ومن جانبٍ آخر، أن تتمكن إسرائيل من أن تحوز القسط الأكبر من مكاسب، يمكن للسلطة الفلسطينية أن تحوز عليها بمفردها في مقابل إسرائيل التي ستبقى لدى الفلسطينيين في خانة الغضب، وذلك بالتزامن مع بدء سيطرة السلطة على المعابر المتواجدة على طول الحدود بمحاذاتها، في أعقاب التوصل إلى اتفاقات بشأنها مع حركة حماس.
الولايات المتحدة كما في إسرائيل تؤمن بأن السياسة الاقتصادية المترجمة على الأرض فورا، تثبت نجاحاتها في كل الوقت، وتعمل بالتأكيد مرة بعد أخرى، على خلق بيئة مواتية لدحر التأزّمات الأمنيّة إلى الجانب، ويجعل النسبة الأعلى بشأن التوصل إلى تفاهمات لوقف إطلاق نار طويل الأمد مع إسرائيل، وإلى خلق مناخات مواتية أمام حركات المقاومة وحماس تحديداً تؤدي بها من التشدد إلى الهدوء وإلى مدة أطول.
وعلى الرغم من الدعوات الأمريكية، فإن إسرائيل وكما يبدو من وضعها العام، ليست منجذبة كثيراً إلى المشاركة بصورة فعالة في المؤتمر، فعلاوة على أنه لم تتم دعوتها للمشاركة به، فقد بدت مكتفيةً في المقام الأول بتنظيم سياسات منفردة تتماشى ونظرتها السياسية والأمنية، وهي فقط التي تعتمد على الحلول الاقتصادية، حيث ستقوم بتقديم "تسهيلات" بشأن السماح بإدخال مواد الإعمار، وسواء فيما إذا كانت تلك الأتية من الخارج أو من منتوجاتها المحلية، كما ستعمل على إغداق تصاريح عاجلة للعمالة من قطاع غزة والتي عانت أنواع البطالة والفقر المدقع على مدار العقد الماضي وبخاصة منذ سيطرة حركة حماس على القطاع منتصف عام 2007، ومن جانبٍ آخر، بحيث لا تعطي أيّ من الدول المشاركة فرصة، تتمكن من خلالها الاشتراط عليها أو الطلب منها على الأقل، ولتكون بمنأى في سياستها عن أيّة سياسات أخرى كون خطواتها ستكون من تلقاء نفسها، وفي المقام الثاني، فهي مكتفية تماماً بالتفاهمات التي جرت بينها وبين الأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية، حول اتخاذ خطوات عمليّة تكون كفيلة بإلزام حماس على انتهاج الهدوء.
حماس من جانبها أفسحت المجال للحكومة الفلسطينية الجديدة، كي تمارس عملها أمام الكل وإسرائيل بخاصة، ولكن افساحها على هذا النحو، لا يمكن اعتباره تسليماً تاماً وكاملاً، وبالأحرى لا يقرّبها من إمكانية الترويض أو الردع بصورةٍ أعمق، وهذا ليس استنباطا ممّا تنضح به من أقوال وتصريحات فقط، وإنما من الأفعال أيضاً، فبالتزامن مع استلام الحكومة لمهامها، أعلنت كتائب القسام التابعة للحركة، عن فتح باب التجنيد أمام شباب القطاع للالتحاق في صفوفها، وذلك تمهيداً للمعركة القادمة مع إسرائيل، وبالضرورة فإن حركة الجهاد الإسلامي ستتبعها في هذا التوجه، وغيرهما من الحركات المتشددة، كونها تتبع نفس الأهداف والميول وتنسق شؤونها معاً بشأن العداء لإسرائيل، وتحت شعار تحرير فلسطين، وهذا من شأنه أن ينهي الآمال الترويضية.
ويزيد بالمقابل من المخاوف لدى الإسرائيليين في أن لا تمتد التفاهمات التي من المأمول الحصول عليها إلى مدّة أطول، على الرغم من تأكيدات قائد الأركان الإسرائيلي "بيني غانتس" من أن المقاومة وحماس تحديداً لن تعود إلى الحرب مجدداً، والأهم، فإن هناك شكوك متنامية لدى السلطة الفلسطينية وريبة متزايدة لدى حركة فتح أيضاً، بشأن إمكانية ترويض حماس بالذات، وحتى في ظل تعهداتهما بتحسين أوضاعها السياسية والمالية.