عرفت
موريتانيا أو بلاد "شنقيط" كما يطلق عليها في بعض الأحيان على مر العصور الماضية بثراء مكتبتها، إذ ظلت لقرون عدة جسر الثقافة بين المشرق والمغرب العربيين وصلة وصل مع إفريقيا الغربية.
وتغطي
المخطوطات بتلك المكتبات فترة زمنية تمتد من القرنين الثالث إلى القرن الرابع عشر هجريا، وتتناول جميع
العلوم والفنون بما في ذلك علوم القرآن والحديث وعلم الفلك والرياضيات والهندسة والنحو وعلوم اللغة والتاريخ والطب والجغرافيا وغيرها.
وقد ساهمت مكتبات شنقيط خلال تلك الحقبة في إثراء المشهد الثقافي العربي، وشد إليها الباحثون الرحال من بلاد الجزيرة العربية ومصر والسودان، غير أن تلك المكتبات التي تقدر بالآلاف باتت اليوم على وشك الاندثار بفعل ظروف حفظ مخطوطاتها وانعدام الدعم المخصص لصيانتها.
وتتوزع المكتبات الموريتانية
التاريخية في أربع مدن أساسية هي مدينة "ولاته" ومدينة "شنقيط" التي سميت البلاد باسمها ومدينة "وادان" ومدينة "تشيت" في أقصى الشمال الشرقي من البلاد.
ووجهت اليونسكو قبل فترة نداء استغاثة من أجل الاهتمام بالتراث الإنساني المهدد في مدن موريتانيا التاريخية الأربعة وسارعت لدمجها في المدن التاريخية الواجبة الحماية.
وتحتوي مكتبات مدينة شنقيط التاريخية وحدها على مخطوطات نادرة يعود أقدمها إلى أكثر من ألف عام، كتب قسم كبير منها على جلود الغزلان وتتوارثها العائلات بطريقة تقليدية وفي ظل غياب تام لأدنى وسائل الحفظ والحماية.
ويقول باحثون في شأن المخطوطات الشنقيطية، إن عوامل كثيرة باتت تهدد مخطوطات البلاد النفيسة، أبرزها الزحف المستمر للرمال على المدن التاريخية، خصوصا مدينتي "شنقيط" و"تيشيت" حيث أصبحت المصالح المحلية عاجزة تقريبا عن التصدي لزحف الرمال على هذه المدن، لدرجة جعلت البعض يطالب بنقل جزء من هذه المكتبات والمخطوطات إلى خارج هذه المدن وبالتحديد إلى العاصمة نواكشوط لحامية ما تبقى منها.
ويقول سيدي محمد من سكان مدينة شنقيط لـ"عربي21" إن "كل المكتبات هناك عرضة للكثير من المخاطر، وإنها موجودة في بيوت من الطين على وشك السقوط والرمال تحاصر المدينة، فضلا غياب أي دعم حكومي أو اهتمام عالمي، حتى السياح والباحثين لم يزوروا المدينة منذ فترة ربما للانهيار الأمني الذي عرفتها البلاد منذ الأحداث الأمنية قبل سنوات والتي راح ضحيتها عشرات الجنود في كمائن نصبها تنظيم القاعدة".
وأضاف: "إنه تاريخ يمحى بكل تفاصيله، كلنا في حيرة من أمرنا آسفون للوضع الذي آلت إليه هذه المخطوطات النادرة والرائعة".
وقبل فترة وضمن مشروع صيانة وتثمين التراث الثقافي الموريتاني الذي يموله البنك الدولي أعلن عن جرد أكثر من ثلاثين ألف مخطوط موزعة على ست مائة وخمس وسبعين مكتبة منتشرة في 289 موقعا في 91 بلدية موريتانية من ضمن 48 مقاطعة ، أغلبها بمكتبات "شنقيط" و"وادان" وولاته و"تشيت".
وتوجد في موريتانيا مجموعة كبيرة من المخطوطات توزعت على شكل مكتبات خاصة في مختلف القرى والأرياف التي أنتج فيها المجتمع البدوي الموريتاني ثقافة نادرة من نوعها, تحت الخيمة وعلى ظهور الإبل وهم يتتبعون مواطن المرعى والكلأ.
ويبدو أن ضعف حماية هذه المخطوطات أثر بشكل كبير على قيمتها العلمية كما أثر على الجانب الفني في التعامل معها, حيث جاء بعضها مبتور البداية أو النهاية أو الاثنين معاً، ومجهول المؤلف أو الناسخ أحيانا, أو بدون تاريخ أحيانا أخرى, خاصة المخطوطات التي تتناول مواضيع حساسة جداً مثل: العبودية, والنزاعات القبلية, وتركة الأموال, وبعض الفتاوى الفقهية لكن جزءا كبيرا منها لا يزال يحتفظ بنسخ أصلية ومكتملة ونادرة لكتب ومؤلفين كبار من داخل وخارج البلاد.