كتب
علي حسين: تقتضي منّا هذه المهنة التي أُطلق عليها أيام ازدهارها "مهنة المتاعب" بأن يتفرغ العاملون فيها إلى متابعة ما يجري حولهم كل يوم، فلا مكان وسط معلقات المالكي ولزوميات جمال البطيخ، وبنيوية عالية نصيف، للحديث عن سحر ماركيز، وأناقة العبارة عند صاحب البخلاء.
في كل صباح أحاول أن أبحث عن موضوع لا يسخر منه القارئ، فيرمي الصحيفة جانبا، لاعناً اليوم الذي قرر فيه أن يشتري جريدة.
ماذا أفعل إذاً ؟ رضا الناس غاية لا تُدرك، وكنت منذ أن بدأت كتابة هذه الزاوية اليومية أضع أمامي محنة عمّنا أبي الطيّب المتنبي:
أُرِيكَ الرّضَى لوْ أخفَتِ النفسُ خافِيا وَمَا أنَا عنْ نَفسي وَلا عنكَ رَاضِيَا
وكنت كلما أمسك بمفاتيح الكيبورد، أتذكر الدرس الذي يلقيه علينا المؤرخ الأميركي هوارد زن: "لا تنسَ أبداً أنك مواطن، لا تدعهم يكذبون ويصنعون منك شماعة لفشلهم، شاغب عندما يكون ذلك ضروريا، وتمسك بحلمك بقوة، فهو طريقك الوحيد لكي ننجو من الغرق في رمال الكذب"!
تعلِّمنا الكتابة اليومية أن أفضل شيء يقوم به الكاتب هو تذكير الناس مرة ومرتين وثلاثا بما يجري حولهم، ولهذا تجدنا نكرر الأسئلة نفسها بين الحين والآخر، ولا شيء يتغير سوى إجابات ناطقي الداخلية والدفاع، وهي بيانات لم تعد صالحة للاستخدام البشري، لا رهان على قوى سياسية تتناحر من أجل المناصب والمغانم، ولا انتصار لمن يتوهم استعادة قوته بالتحالف مع الجماعات المسلحة، ولا شيء سوى الانسجام مع الفوضى والخراب.
سنوات والعنوان في صحفنا الرسمية وشبه الرسمية هو واحد لا يتغيّر "نجاح الخطة الأمنية"، فليحيا الغراوي وكمبر إذاً.. نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي يذرف الدموع من بابل وعلى انغام موسيقى "منصورة يا
بغداد" على الحال المزرية التي يعيشها العراقيون ويطالبهم بالتمسك بالحكومة حتى وإن اختلف "سيادته" معهم! أما كيف؟ ومن يقف وراء التظاهرات التي ستنطلق اليوم فهذه أسئلة لا مكان لطرحها الآن، ونحن نخوض معركة الدفاع عن كراسيّ السلطة، لا معركة الدفاع عن استقرار البلد وأمنه ومستقبله.
ولهذا سأُعيد نفس السؤال الذي طرحته أكثر من مرة في هذا المكان: أليس من حق العراقيين أن يخرج عليهم "فخامة" نائب رئيس الجمهورية ليقول لنا: كيف انتصرت بغداد ومتى؟
يكتب
ميكافيلي: "في سبيل تحقيق أغراضه ومصالحه على السياسي أن يكون مراوغا" وعليه أيضا، وهذا مهم في نظر صاحب كتاب الأمير "تعلّم فن الكذب" ألم يخبرنا جمال البطيخ في 9/5/2014
"أن الولاية الثالثة استحقاق وطني للمالكي ولا سبيل للتراجع عن هذا الاستحقاق" ، لا حاجة لي إلى أن أقول لكم إن البطيخ نفسه خرج علينا قبل يومين في برنامج الزميل عدنان الطائي ليقول إن "المالكي لم يكن يصغي لأحد ويتخذ القرارات بمفرده ،وإن هذا الأمر كان سبباً في الفوضى الأمنية" ولا حاجة بكم لأن تذكّروني بأن البطيخ نفسه كان يكيل قصائد المديح في سنوات مضت لإياد علاوي ،ثم اكتشف متأخرا أن علاوي سبب مشاكل العراق ، سيقولون لك ليس في السياسة أخلاق، ولكن ياسيدي فيها قواعد وقبل القواعد ضمير ، الذي أطلق عليه ديغول " المسؤولية الوطنية " تلك التي جعلت بطل تحرير باريس يقبل بخيار الشعب ويقرر أن ينفي نفسه إلى قرية في الجنوب كي يكون بعيدا عن مجرى الأحداث، هناك يكتب في مقدمة مذكراته "لاشيء أهم من فرنسا مستقرة"، كان لا يملك أكثر من أن يمازح الفلاحين حول محاصيلهم، ويجلس ليسطّر، مذكراته التي افتتحها بعبارة "الأمل ببلاد أكثر تطوراً وازدهاراً وعافية".
ها قد عدتُ للكتب ثانيةً، ولكن ماذا أفعل يا سيدي والأخبار تأتيك بما لا يسرّ، ولا يُرضي الضمير الوطني.
(المدى العراقية)