باتت خيارات "السلام" لدى
اليمنيين محدودة للغاية بعدما هددت جماعة "أنصار الشريعة" التابعة لتنظيم
القاعدة في جزيرة العرب بالانتقام من جماعة الحوثي الشيعية، عقب سيطرتها على صنعاء، واعتبار زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي القاعدة تحديا أمنيا لاستقرار البلاد.
ويرى باحثون يمنيون: أن "هناك مؤشرات لتحول اليمن إلى ساحة حرب مفتوحة بين القاعدة والحوثيين".
ويعتقد المحلل والباحث في شؤون الحركات الإسلامية نبيل البكيري أن "سيطرة الحوثيين على صنعاء يجعل الباب مشرعا ومفتوحا على جميع الاحتمالات؛ منها المواجهة المباشرة بين القاعدة والحوثيين كنقيضين عقائديين ومذهبيين يختلفان في الأهداف ويتفقان في الوسائل والأدوات المرتكزة على العنف الأعمى".
وأوضح لـ"عربي 21" أن "هنالك ازدواجية في التعاطي مع مسألة العنف والإرهاب التي يمارسها
الحوثيون وتنظيم القاعدة من قبل القوى الدولية والإقليمية ووكلائها في الداخل اليمني لتكريس نظرية "استدامة العنف"، وذلك لتوفير المناخ للتدخل الخارجي في اليمن لحماية لمصالحهم غير المشروعة في المنطقة العربية كلها"، بحسب تعبيره.
وذكر البكيري أن "عبدالملك الحوثي بدأ العزف على وتيرة (القاعدة) و(داعش) كاستراتيجية لتمكين إيران وميليشياتها من استخدامها كورقة ضغط في صراعها مع الغرب على مناطق النفوذ وتوسع المصالح".
من جهته أكد الصحفي المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية أمجد خشافة، أن "دخول الحوثيين بشكل مسلح إلى العاصمة صنعاء وسقوط مقرات حكومية بأيديهم، والتمدد في مناطق واسعة بشمال اليمن، سيجعلهم أكثر عرضة لضربات تنظيم القاعدة وأسهل في اقتناصهم عبر التفجيرات".
وأضاف لـ"عربي 21" أن "الحرب الفعلية بين القاعدة والحوثيين بدأت في العام 2010 حينما سلم الحوثيون اثنين من نشطاء القاعدة للسلطات اليمنية ليعلن تنظيم القاعدة الحرب على الحوثيين بعدها، ليقتل في نفس العام بدرالدين الحوثي والد زعيم الحوثيين عن طريق عملية انتحارية تبنتها القاعدة لتكون الشرارة الأولى للحرب بين الطرفين".
وقال خشافة: إن "القاعدة نفذت الأسبوع الماضي عمليات نوعية ضد الحوثيين عندما استهدفت بسيارة مفخخة تجمع تابع لهم في عمق محافظة صعدة ـالمعقل الرئيسي للحوثيين- ما أسفر عن سقوط 50 قتيلا منهم، أعقبه تفجير سيارة مفخخة أخرى في صنعاء أسفر عن سقوط 13حوثيا؛ ما يوحي أن "أنصار الشريعة " مصممة على ترجمة تهديداتها لجماعة الحوثي على الأرض وهو مشهد سيستمر على شكل صدام دموي بين الجماعتين لاسيما حينما يكون مستقبل الحوثيين مرهون بامتلاكهم سلطة واضحة في اليمن".
وأشار إلى أن "ازدواجية تعامل الدولة مع الجماعات المسلحة -القاعدة والحوثيين- ساهم في عملية الفرز الطائفي الذي برز كعنوان لسلوك جماعة الحوثي ضد خصومها ما يُفسر تمكين سلطات الرئيس هادي مسلحي الحوثي من السيطرة والتمدد الجغرافي المسلح ومنحهم مساحة للتحرك السياسي في مؤتمر الحوار الوطني بينما على النقيض الأخر تعاملت بقوة السلاح مع القاعدة وهذا يجعل أغلب اليمنيين يقلل من ثقته بالدولة اليمنية".
ولفت إلى أنه يعاد إنتاج المشهد العراقي في اليمن من خلال تمكين
الشيعة من السيطرة على مقاليد الحكم وإقصاء
السنة لتبرز النزعة الطائفية في عملية الصراع الحالي هناك".
وأوضح أن جماعة "أنصار الشريعة " ستستثمر هذه الازدواجية في المناطق السنية لا سيما المناطق القبلية المحافظة بعدما تهشمت صورة الدولة لدى المواطنين بعد اجتياح العاصمة صنعاء من قبل الحوثيين، والسيطرة على مقار ومؤسسات الدولة ناهيك عن عمليات النهب التي طالت معسكرات الجيش دون أي مقاومة".
ووفقا لخشافة فإن "عبدالملك الحوثي عن القاعدة ومحاربتها رد طبيعي لما تلقته جماعته من ضربات موجعة من قبل التنظيم وهو ما يمكن وصفه بأن الحوثي يقدم نفسه البديل عن الدولة في محاربة القاعدة في اليمن".
وبحسب خشافة فإن "هذا الإعلان من قبل الحوثي في هذا السياق حمل رسالة سياسية موجه للدول التي تتبنى مكافحة الإرهاب وتحديدا أمريكا لإضفاء الشرعية على سيطرته لصنعاء، ولجلب الدعم الدولي لهذه الحرب، وهو إعلان مماثل للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر في الحرب ضد أنصار شريعة ليبيا الذي لاقى ترحيبا أميركيا، وبهذا يمكن أن تشهد الأيام القادمة تصعيدا عسكريا بين القاعدة والحوثيين".
الخبير في شؤون النزاعات المسلحة علي الذهب قال إن "تنفيذ القاعدة عمليات ضد الحوثيين في صعدة جاء استغلالا لانشغالهم بالمواجهات في صنعاء ومسألة تكرارها هناك أمر وارد ولكن بنسب ضئيلة"، حد قوله.
واعتبر في تصريح لـ"عربي 21" أن "تلك العملية ضد الحوثيين أرادت القاعدة منها إعلان بدء المواجهة معهم وكسر حاجز الخوف والتهيب أمام أي جهة تتردد عن فعل ذلك أو تعتبره من المحال".
وذكر الخبير الذهب أن "المواجهة بين القاعدة والحوثيين مواجهة عقيدة؛ لأن كلا منهم يكفر الآخر ومهاجمة الحوثيين لصنعاء وبسط سيطرتهم على بعض أحيائها لا يجب أن يدفع البعض للترحيب بالقاعدة لمواجهتهم فيها نظرا لعواقبه الوخيمة على البلاد برمتها".
وأفاد الذهب أن "إشارات عبدالملك الحوثي بشأن القاعدة لا تخلو أن يكون عرضا لخدماته تجاه من يعاديها سواء من قوى الغرب أو الإقليم وهي رسالة طمأنة لكنها تكشف في الوقت ذاته سياسة هذه الجماعة التي تعادي الغرب والولايات المتحدة في الظاهر، وتحارب خصومهم –القاعدة- في العلن".