كتاب عربي 21

مقهى بعرة.. الأمم المتحدة سابقاً!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
فعلاً، مصر كبيرة عليهم..

فقد هبط الأخ الأستاذ عبد الفتاح السيسي بالأمم المتحدة ولم (يرتقِ) إليها، حتى اختلط على المشاهد الأمر، فلم يعرف ما إذا كان خطابه في هذه المنظمة الدولية، أم في مقهى بعرة، بمنطقة وسط القاهرة!.

في مصر نطلق على المقهى، قهوة، و"قهوة بعرة"، يعرفها كل من لهم علاقة بالأعمال الدرامية، إنتاجاً وإخراجاً وتمثيلاً. حيث تقع في شارع عماد الدين، ويجلس عليها من يطلق عليهم "المجموعات"؛ الذين يمارسون التمثيل في أدوار الكومبارس. وكل مجموعة لها مسؤول، ومن هذه المجموعات يتم اختيار من يشاركون في هذه الأدوار الهامشية، فضلاً عن أنها تمد الأفلام والمسلسلات، بالحشود من الجماهير. ومن بين هؤلاء من يحلم بالنجومية، وأغلبهم يتعامل مع ما يقوم به على أنه مهنة و"أكل عيش"، لا يشغله إلا أن يجد له عملاً في مسلسل أو فيلم، يعود منه بـ "يوميته" مجبور الخاطر!.

حشود الممثلين سافرت إلى نيويورك بـ "الآلاف" ليشهدوا منافع لهم، وليتقربوا بسفرهم لعبد الفتاح السيسي بالنوافل، على نحو ذكرني بامتحانات الثانوية العامة، عندما يستيقظ أولياء الأمور مبكراً، ويصطحبون أبناءهم لمقار الامتحانات، ويظلون مرابطين أمامها حتى ينتهوا من امتحاناتهم، ربما بدوافع القلق، لكن الهدف في العموم هو التشجيع وشحذ الهمم!.

ليست هذه المرة الأولى التي يشارك فيها رئيس مصري في اجتماع بمنظمة دولية، ومن قبل شارك الرئيس محمد مرسي، ولم يكن يستدعى هذا سفر رواد مقهى بعرة، واحتشادهم داخل الأمم المتحدة وخارجها، لنشاهد "كوبليه" من فرح بلدي، هو لوجاهة المشاركين فيه يرتقي ليكون "فرح العمدة"، ولا أدري لماذا بدا لي السيسي خطيباً، كما لو كان هو من يقوم بإحياء هذا الفرح، ولم يبق إلا أن يطلب "النقوط" من "المعازيم"!.

المجموعات المحتشدة، بدت لي وكأنه جرى جلبها من مقهى بعرة، كما أن الأمم المتحدة نفسها تم الهبوط بمستواها على يد "محدث النعمة" لتبدو للناظر أنها ذات المقهى، ربما حتى لا يشعر روادها وقد تم جلبهم إلى هناك "بالغربة"!.

عبد الفتاح السيسي، ليس هو محمد مرسي، أو حتى مبارك. والأخير كانت لا تنقصه الشرعية، فهو يحمل معه "الشرعية التقليدية" التي توافق عليها الناس، أو التي رضوا بها رضاءهم عن "العادات والتقاليد"، فقد كان في وظيفة نائب رئيس الجمهورية، كما كان السادات، وكلاهما جرت ترقيته وظيفياً لمنصب رئيس الجمهورية، وهذا هو التطور الطبيعي للأمور.

أما محمد مرسي، فقد كانت ثقته في نفسه مردها إلى أنه أول رئيس منتخب بعد ثورة عظيمة، وأن من ارتفع به رئيساً هي الإرادة الحرة للجماهير، ولذلك لم يكن بحاجة لحشود من رواد مقهى بعرة، أو بزفة العريس وحيد والديه، الذي جاءهما على شوق وعلى نصف دستة من البنات، وهو في "ليلة دخلته"، أو وهو يتعرض لامتحان الثانوية العامة، "البعبع" الذي يحدد "مصيره الأبدي"!.

الإثم هو ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس، والسيسي يعلم أن المجتمع الدولي ينظر إليه على أنه، وإن اعترفوا به رئيساً على مضض، هو مغتصب للسلطة، وأنتجه انقلاب عسكري على الرئيس المنتخب في واحدة من أنزه خمس انتخابات عرفتها مصر في طول تاريخ "المحروسة" وعرضه. وهنا كان لزاماً أن يتم نصب "فرح العمدة"، ليكون بين كل "كوبليه" و"كوبليه" فاصل من التصفيق الحاد، الذي تم أحياناً وقوفاً، استدعاء لقيم "الأفراح"!.

لأن الاعتماد الكلي كان على تصوير الأمر على أنه "فرح العمدة"، وعلى طريقة تلقي نتيجة الانتخابات بفاصل من الرقص الشعبي، كانت الحشود أمام مقر الاجتماع، والتي حشدتها الكنيسة وتولى أحد رعاياها استئجار الحافلات لنقل "المعازيم"، وتقديم الوجبات الساخنة لهم. وفي اتصال هاتفي ببرنامج وائل الأبراشي قال أحد مقاولي الأنفار، على مقهى بعرة، إن يهودا مؤيدين للسيسي (سوف يشاركون) في الزفة. وسافر مع السيسي وزراء سابقون وحاليون ووزير التموين، الذي لا نعرف علاقته بالمؤتمرات الدولية، ولم يعد قطاع التجارة الخارجية تابعاً لهذه الوزارة منذ سنوات!.

لأن شعبية السيسي تقوم على الأفراح والمهرجانات، فقد قام "بمقلب حرامية" ضد القوى الموالية للشرعية، والتي حشدت للتظاهر يوم الخميس، وحصلت على تصاريح لمظاهراتها لهذا اليوم، فإذا بتغيير الموعد في آخر لحظة لتفويت الفرصة عليهم، وبالتواطؤ مع "كبير القهوجية" في مقهى بعرة، الأمم المتحدة سابقاً، دون مبرر لذلك.

الرسالة وصلت، فإذا كان الانقلابيون، أرادوا بالزفة المنصوبة، وبتقاليد الأفراح "الشعبية" أن يؤكدوا على شرعيتهم الجماهيرية، فمجرد أن يطلب السيسي تغيير الموعد هو كاشف عن أنه يخشي "الحشود الأخرى" التي تعامله على أنه لص من لصوص السلطة الذين عرفتهم البشرية طوال تاريخها!.

هذا الهبوط بمستوى الأمم المتحدة، لتكون في مستوى مقهى بعرة، وأندية الدرجة الثالثة، لم يكن فقط في الشكل وفي الأجواء الاحتفالية، فالخطاب نفسه جاء محلياً صرفاً وكأنه موجه لأعضاء المجلس المحلي في "كفر البطيخ"، هذا إذا استبعدنا منه تحيته الارتجالية لـ "الآلاف" الذين جاءوا من مصر تأييداً له، ولمن جاؤوا من عموم الولايات الأمريكية، بدلاً من أن يصمت ليجري تصوير "الحشود" على أنها عفوية وقد فاجأته.

الخطاب جاء فيه أن العالم كله يدرك حقيقة ما جرى في مصر!.. مع أن ما جرى في مصر هو انقلاب عسكري مكتمل الأركان، والاستدعاء الجماهيري كان هو الشكل كما كان في نيويورك، والذي لا يعني وجوده أن ما جرى يحوز على الشرعية التي تمنحها الشعوب في الأنظمة الديمقراطية. كما تحدث عن الالتزام بخارطة المستقبل، وبالعقد الاجتماعي الذي توافق عليه المصريون.. وما إلى ذلك من أمور تصلح لخطاب محلي!.

لا بأس فهذا الهبوط بمستوي المنظمة الدولية، يجعلنا لن نندهش إذا افتتحت اجتماعاته القادمة برائعة المطرب الشعبي: "العنب .. العنب".. ورائعة زميله الخالد: "أنا كنت بحب المشمش دلوقت بحب الخوخ"!

فعلاً، مصر كبيرة عليهم.
2
التعليقات (2)
عبد المنعم نصار
الجمعة، 26-09-2014 02:13 م
حيا اللة هذا القلم الشريف
عبدالررازق
الخميس، 25-09-2014 12:30 م
بما نحن ليس لدينا مقهي بعرة في الغربة البعيدة. لأكن مقالاتك يا إسناد سليم بتنسي الهموم . وتخليني ابتسم واضحك لوحدي تسلم من كل شر.....