حلت ناطحات السحاب منذ زمن بعيد محل مزارع الأرز في
هونغ كونغ، لكن العادات الريفية عادت تنتشر اليوم إثر فضائح صناعة الأغذية التي هزت المنطقة.
وأصبح جيل جديد من المزارعين يزرع الأرز مع اعتماد مبادئ
الزراعة العضوية.
فقد رجعت حقول الأرز تنتشر في منطقة لونغ فالي الواقعة شمال هونغ كونغ التي تحظى باستقلالية كبيرة عن الصين، وذلك بعد إزالتها من المشهد العام طوال أربعة عقود. والتباين واضح بين هذه الحقول الشاسعة وناطحات السحاب التي تمتد خلفها.
وقد ترك واي-هونغ كان الذي كان يعمل في متجر كبير وظيفته ليزرع الأرز الذهبي. وأخبر المزارع البالغ من العمر 42 عاما "كان سكان هونغ كونغ يزرعون الأرز في السابق. ويمكنني أن أعلم الشباب زراعة الأرز لإنعاش هذا القطاع".
وينتج خمسة مزارعين ثلاثة أطنان من الأرز في سياق مشروع أطلق بداية في إطار برنامج لحماية هذه المنطقة القريبة من الحدود مع الصين التي تعد أكبر مصدر للمواد الغذائية المستهلكة في هونغ كونغ.
وهذه الكمية ضئيلة جدا بالمقارنة مع كمية الأرز المستهلكة يوميا في هذه المستعمرة البريطانية السابقة والبالغة 833 طنا. لكن هذا الأرز المحلي يباع بسعر أغلى بسبع مرات من ذلك المصنع المستورد من الصين.
ويزداد الطلب على الزراعة غير المؤذية للبيئة نتيجة سلسلة الفضائح المتتالية التي شهدها قطاع صناعة الأغذية في الصين من قبيل لحوم الكلاب المسممة التي بيعت للمطاعم والدجاج المغمس ببيروكسيد الهيدروجين وجيف الخنازير التي كانت تعوم في أحد الأنهر وإعادة استخدام الزيوت الملوثة، بالإضافة إلى الاستخدام المفرط لمبيدات الحشرات.
ويبدو أن الصدمة التي أثارتها فضيحة حليب الأطفال الممزوج بالميلانين والتي راح ضحيتها ستة أشخاص في 2008، لم تغير الكثير.
فبحسب وزارة حماية البيئة في الصين، 16 % من التربة ملوثة. وقال واي هونغ كان إنه "عندما تكون سلامة
الغذاء في الصين وحتى خارجها عند مستوى سيء، الناس في هونغ كونغ يختارون المواد الغذائية الأكثر أمانا"، مضيفا "الاتجاهات الاجتماعية لم تعد نفسها، الناس باتوا أكثر ثراء، هم يهتمون أكثر بسلامة الغذاء".
في هذا الاطار، تعتمد هونغ كونغ، احد أكثر المواقع اكتظاظا بالسكان في العالم، على الاستيراد لتوفير أكثرية حاجاتها الغذائية. فقط 2 % من الخضار يتم زرعها محليا. مع ذلك، سجل عدد المواقع الزراعية التي تعتمد على الزراعات العضوية ارتفاعا كبيرا.
فبعد أن كان عددها محدودا في التسعينات، باتت اليوم تعد بالمئات، بينها 130 حائزة على علامة "زراعة عضوية".
ويسخر المستهلكون من السعر المرتفع للخضار العضوية.
وقالت جيني هو خلال نزهة في إحدى أسواق الزراعات العضوية في المدينة لوكالة فرانس برس "بعدما علمت بوجود كميات لا بأس بها من المبيدات الزراعية وطرق متعددة لزرع الخضار، أعتقد أنه من الأفضل شراء المزروعات العضوية".
وأضافت "الأغذية المنتجة في هونغ كونغ لا تصدر إلى الخارج، وبالتالي فإنها طازجة ولذيذة أكثر". وتبدي السلطات الصحية حرصا خاصا على نوعية المنتجات المباعة في هونغ كونغ.
ففي 2013، من أصل 65 الف عينة غذائية تم اختبارها، فقط 57 منتجا من بلدان مختلفة لم تنجح في الاختبار. وأقر جوناثان وونغ مدير مكتب الموارد البيولوجية في هونغ كونغ بأن "الحكومة تبلي بلاء حسنا" و"انظمة المراقبة تحسنت".
لكنه أضاف "إننا قلقون" بسبب الأثر "النفسي" للواردات من الصين. ويصطدم نمو الزراعة المحلية بالضغط العقاري لهذه المدينة المزدهرة.
المزارعون مرغمون على زرع كميات صغيرة مع قروض قصيرة الأمد، كما الحال بالنسبة لتوماس فونغ الذي يعتني بمجموعة من الأراضي المستأجرة من مالكين مختلفين لفترات تراوح بين سنتين وخمس سنوات.
إلا أن مزارعي الأرز متفائلون... من بينهم وو وينغ وونغ الذي قال إن "الناس يبحثون عن خضار عضوية طازجة مزروعة محليا. لدينا سوق مهم".