قسًم البيان الصادر في ختام الاجتماع الإقليمي الذي عقد بجدة (غربي
السعودية)، مساء أمس، بمشاركة 10 دول عربية بالإضافة إلى تركيا وأمريكا، استراتيجية محاربة "تنظيم الدولة " المعروف إعلاميا "بداعش"، إلى أشبه ما تكون بمرحلتين، تم حسم أحدها، فيما لم يتم حسم الأخرى.
المرحلة الأولى تم الاتفاق خلال الاجتماع على معظم ملامحها، بتوزيع الأدوار وتقاسم المسئوليات بين الدول المشاركة في الاجتماع، وتستند تلك المرحلة على الاستراتيجية التي وضع إطارها الرئيس الأمريكي باراك أوباما لمواجهة تنظيم "الدولة" في العراق، وهذه المرحلة لا تتطلب تدخل عسكريا بريا من الدول.
المرحلة الثانية تتعلق بعمل عسكري محتمل (لم يحدد البيان ملامحها) في حال فشلت المرحلة الأولى أو لم تؤتي الثمار المتوخاة منها، وقد تم الإشارة لهذه المرحلة في البيان (دون أن يتم الاتفاق على شكلها وملامحها)، حيث جاء في البيان أن الـ 10 دول عربية أعلنت موافقتها على "الانضمام" لحملة عسكرية منسقة ضد "تنظيم الدولة" "إذا اقتضت الحاجة".
وفي شأن المرحلة الأولى، أوضح البيان إن وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي الست (السعودية والإمارات والكويت والبحرين وسلطنة عمان وقطر) ومصر والأردن ولبنان والعراق إضافة إلى الولايات المتحدة قد اتفقوا "على أن تسهم كل دولة في الاستراتيجية الشاملة لمواجهة "تنظيم الدولة" في العراق، في إشارة للاستراتيجية التي وضع إطارها الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
وأعلن أوباما، مساء الأربعاء، عن استراتيجية من 4 بنود لمواجهة "
داعش"، أولها تنفيذ غارات جوية ضد عناصر التنظيم اينما كانوا، وثانيها زيادة الدعم للقوات البرية التي تقاتل داعش والمتمثلة في القوات الكردية والعراقية والمعارضة السورية المعتدلة، وثالثها منع مصادر تمويل التنظيم، ورابعها مواصلة تقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين.
وجاء اجتماع جدة ليفصل الأدوار المطلوبة بالتحديد من دول المنطقة في إطار تلك الاستراتيجية، ودور كل منها، وهذا ما أشار إليه وزيرا الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل والأمريكي جون كيري خلال مؤتمر صحفي مشترك عقداه عقب الاجتماع.
ولفت الفيصل إلى أن العنصر المهم الذي تم بحثه في الاجتماع "هو تقاسم المسئوليات "، فيما أكد كيري أن "الدول التي شاركت في هذا الاجتماع التزمت القيام بدور في هذه المهمة".
الأدوار والمسئوليات المطلوب القيام بها حددها البيان الختامي للاجتماع الذي نشرت نصه وكالة الأنباء السعودية، وتشمل "منع تدفق المقاتلين الأجانب من دول الجوار، ووقف تدفق الأموال ل"تنظيم الدولة" في العراق، والجماعات المتطرفة الأخرى، ورفض أيديولوجيات الكراهية لدى تلك الجماعات الإرهابية، ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب الفظائع، ووضع نهاية لتهربهم من القانون، والمساهمة في جهود الإغاثة الإنسانية، ومساعدة المناطق السكانية التي تعرضت لفظائع "تنظيم الدولة" في العراق، وذلك من خلال إعادة الإعمار والتأهيل، ودعم الدول التي تواجه التهديد الأكبر من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق.
كما أكد المشاركين في المؤتمر على أنهم "مصممون على تعزيز دعمهم للحكومة العراقية الجديدة في سعيها لتوحيد كافة شرائح الشعب العراقي لمواجهة "تنظيم الدولة" في العراق.
وفيما لم يوضح البيان الختامي الدور المطلوب من كل دولة على وجه الدقة، تعرض وزيرا خارجية السعودية وأمريكا إما تصريحا أو تلميحا لتلك الأدوار والمسئوليات عبر مؤتمرهم الصحفي.
وفي رده على سؤال عن دور المملكة المطلوب في إطار هذا التحالف، قال الأمير سعود الفيصل أنه "ليس هناك حدود بما يمكن أن تقدمه المملكة ولم أسمع من أي من الأطراف التي حضرت أي تحفظ على لعب الدور المطلوب منهم وهذا يدل على أن دولهم مصممة على مواجهة هذا البلاء الذي حل بنا".
ويوحي تصريح الفيصل أن المملكة ستتحمل العبء الأكبر في تحمل نفقات تلك الحرب ولا سيما من ناحية التمويل.
وكون تلك المرحلة لا تتطلب تدخل بري عسكري، أوضح وزير الخارجية الأمريكي، أن الخطة الحالية كما قال الرئيس أوباما لا تتحدث عن وضع قوات على الأرض فالعراق لديه جيش وبعض قواته بحاجة إلى إعادة تنظيم وسوف ندعم الجهود في هذا الاتجاه لكن خطة الرئيس الحالية لا تتطلب وجود جنود أجانب أو مشاركتهم في هذه الحرب هناك قوات المعارضة السورية والقوات العراقية لديها القدرة بالرغم من ضرورة إعادة تدريب بعضها ولكننا نركز على هذا الأمر".
دعم الجيش العراقي والمعارضة السورية على الصعيد العسكري، ولا سيما الغارات الجوية، ستواصل أمريكا القيام به، مع إمكانية توسيع هذا الدور، في ظل التمويل السعودي والدعم العربي لهذا الدور.
وفي هذا السياق، سبق أن قال أوباما في خطاب الأربعاء "سوف نرسل 475 عسكرياً إلى العراق (...) سيقتصر دورهم على تدريب القوات العراقية والكردية، وتزويدها بالأسلحة والمعلومات الاستخبارية".
وحول قوات المعارضة السورية، قال أوباما "قمنا بتسريع مساعداتنا العسكرية للمعارضة السورية، وأدعو مرة أخرى الكونغرس أن يقدم لنا والموارد الإضافية لتدريب وتجهيز هؤلاء المقاتلين في مكافحة داعش".
أيضا فيما يتعلق بتدريب مقاتلي المعارضة السورية (الجيش الحر)، فقد ألمح وزير الخارجية السعودي- للمرة الأولى- إلى أن بلاده ودول مجاورة أخرى ستوفر معسكرات تدريب للجيش الحر على أراضيها.
وبن الفيصل خلال المؤتمر الصحفي انه لم يكن هناك اختلاف في وجهات النظر داخل الاجتماع حول أماكن تدريب الجيش الحر، وأشار إلى أن" الجيش الحر له أماكن تدريب تقريباً في كل الدول المجاورة".
وفيما لم يفصل كل من كيري والفيصل الأدوار المطلوبة من الدول العربية الأخرى المشاركة في التحالف، قال مصدر دبلوماسي مصري رفيع المستوى، طلب عدم الكشف عن هويته، أن أحد كبار المسؤولين في البيت الأبيض، طلب من السلطات المصرية إمداد التحالف الدولي بالمعلومات المتوفرة لديها عن تنظيم "داعش".
الدعم الاستخباراتي للتحالف، لا يتوقع ان يقتصر على مصر بل على جميع الدول المشاركة في التحالف، ولا سيما السعودية والأردن.
أيضا احتوى البيان على دور عراقي يتطلب تغيير سياستها ولا سيما مع العرب السنة، في مقابل الدعم العربي، وخصوصا السعودي، للعراق في تلك الحرب.
ولم تكن العراق مدعوة في البداية للاجتماع، إلا أن دعوتها جاءت بعد إقناع
امريكا السعودية اهمية مشاركتها لإنجاح استراتيجية التحالف للقضاء على داعش.
وفيما سيقع على الدول المجاورة للعراق أيضا عاتق الدعم اللوجستي وإمكانية فت قواعدها لحملات عسكرية مرتقبة، في حال تطورت الحملة، سيقع على عاتق دول الخليج على التحديد تمويل تلك الحملة.
وجاء في البيان أن المشاركين في المؤتمر أكدوا أنهم "مصممون على تعزيز دعمهم للحكومة العراقية الجديدة في سعيها لتوحيد كافة شرائح الشعب العراقي لمواجهة "تنظيم الدولة" في العراق.
المرحلة الثانية في تلك الاستراتيجية تلمح لحملة عسكرية غير محددة الملامح "إذا اقتضت الحاجة"، حيث جاء في البيان أن الـ 10 دول عربية أعلنت موافقتها على "الانضمام" لحملة عسكرية منسقة ضد "تنظيم الدولة" "إذا اقتضت الحاجة".
وقال مصدر دبلوماسي مصري رفيع المستوى، إن بلاده رحبت بطلب أمريكي للمشاركة في التحالف الدولي الجاري تشكيله ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إلا أنها لم ترد بعد على طلب مشاركتها في عمل عسكري ضد التنظيم.
وأوضح المصدر أن مصر لم ترد إيجابا أو سلبا على طلب مشاركتها في عمل عسكري ضد تنظيم "داعش"، مبررا ذلك بانشغالها في "مواجهة الإرهاب داخل مصر، والقضاء على بؤره التي تستهدف قوات الجيش والشرطة".
ويبدو أن جولة وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، المتواصلة في المنطقة تأتي في إطار تسويق الاستراتيجية بمرحلتيها، في إطار مساعي لتشكيل تحالف دولي لمواجهة تنظيم "داعش"، الذي تعتبره واشنطن أكبر تهديد لها، ويضم مقاتلين عرباً وغربيين.
ومنذ 10 يونيو/ حزيران الماضي، يسيطر "داعش" على مناطق واسعة في شرقي سوريا وشمالي وغربي العراق، بيد أن تلك السيطرة أخذت مؤخرا في التراجع بفعل مواجهات الجيش العراقي، مدعوما بقوات إقليم شمال العراق (البيشمركة) وضربات جوية يوجهها الجيش الأمريكي.
ومع تنامي قوة "الدولة" وسيطرته على مساحات واسعة في سوريا والعراق، أعلن نهاية يونيو/ حزيران الماضي عن تأسيس ما أسماها "دولة الخلافة" في المناطق التي يتواجد فيها في البلدين الجارين، وكذلك مبايعة زعيم التنظيم، أبو بكر البغدادي "خليفة للمسلمين"، ودعا باقي التنظيمات الإسلامية في شتى أنحاء العالم إلى مبايعة "الدولة .