عند رؤيتي لدعوة لمحاضرة للباحث والمحلل السياسي
محمد أبو رمان عن
داعش، لم أتردد للحظة في قبولها، وحدّثت نفسي أنها ستكون غاية في الأهمية لأنها قد تكشف الكثير من الأسرار والخبايا لهذا التنظيم الدموي المستبد، الظالم لغيره وأهله.
رُسم في ذهني الكثير من علامات الاستفهام المتوقع الإجابة عن أسئلتها والتي تدور حول أصول هذا التنظيم والسرّ وراء انتشاره المخيف.
ففي الوقت الذي كانت فيه الأنظار تتجه والاهتمام ينصَبّ على بؤر متوترة كثيرة في المنطقة، ظهر هذا التنظيم "
الدولة الإسلامية في العراق والشام" داعش، وبدا الأمر بداية وكأنه ميليشا مسلحة ليس من الصعب السيطرة عليها، إلا أن الأيام أثبتت العكس.
في الفترة الماضية كنت أبحث عن كل ما يتعلق بهذا التنظيم من آراء لمحللين وسياسيين ومعارضين ومؤيدين، وكانت هذه الآراء متضاربة جدا.
إحدى قوات المعارضة السورية التابعة لـ"جيش الإسلام" عرضت مقطع فيديو تكلمت فيه عن داعش، وكان الفيديو بعنوان: " حقيقة الخوارج (داعش)"، يصنفون فيه داعش كخوارج، عقيدتهم خبيثة مصادمة للدين الإسلامي، ضد القرآن والسنة، تماما كالخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب سابقا، وعلى عثمان بن عفان وأصحاب رسول الله، ثم خرجوا على دولة بني أمية وبني عباس، وهم عصابة تجرّب هدم الجهاد في الشام كما هدمته في باكستان والشيشان والبوسنة والهرسك والعراق وأفغانستان وتتعاون مع النصيريّة والرافضة".
هناك من حرّم الانضمام لداعش وهناك من قال إن لهم نوايا حسنة في إقامة خلافة إسلامية، وهناك من مدَّ يده بالبيعة لـ "خليفتهم" وهناك من يدعو لها.
يقول وزير الخارجية الأردني سابقا، كامل أبو جابر في تقديمه لمحاضرة أبو رمان التي كانت مساء الاثنين في الأردن، إن "الخلافة الإسلامية تلم، وتجمع، وأن القسوة التي تمارسها بعض الفئات المتطرفة منافية لمبادئ الإسلام. وتساءل فيما إذا كان هذا التنظيم هو صدى للأزمة الحضارية الخانقة، ونتيجة لضياع المرجعية في الدول الإسلامية والعربية بسبب ضياع شرعية حكامها وحكوماتها".
ويتابع أبو جابر مدافعا عن الإسلام وعظيم أخلاقه وسموّها، قائلا إنه مسيحي أرثوذكسي يعيش في الأردن وينتمي للإسلام في الكثير من المواقف، وإن هذا التنظيم لا يمكن أن يعكس صورة صحيحة عن الإسلام.
فيما قال أبو رمان، المُحاضر: إن "تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) ما زال يفاجئ كثيرا من النخب السياسية والمثقفة العربية، وحتى الرأي العام، منذ ظهوره السريع في المشهد السوري، ودخوله في مواجهة مع أشقاء الدعوة سابقا (جبهة النصرة)، وصلت إلى معارك دامية بينهما، وصولاً إلى الانتصارات المتتالية السهلة على قوات المالكي والسيطرة على عدد كبير من المحافظات العراقية".
وتطرق أبو رمان لأربعة أسئلة تتردد في الأوساط الشعبية والسياسية عن هذا التنظيم ، وعن الأمور الظاهرة والحقيقية له، وطبيعة الخلافات والفروق بينه وبين "القاعدة"؛ فيما إذا كانت أيديولوجية أم تكتيكية وكانت هذه الأسئلة:
الأول: هل داعش صناعة محلية أم لعبة أو مؤامرة إقليمية ودولية؟
الثاني: ما هو سرّ داعش؛ كيف نفسّر هذا الصعود السريع والانتشار الكبير لهذا التنظيم ولذلك الفكر؟
الثالث: هل الاختلاف بين داعش وتنظيم القاعدة مجرد اختلاف ثانوي تكتيكي أو سياسي أم أنّ هنالك تبايناً أيديولوجياً وفكرياً بدأ يتسع بين الطرفين؟
الرابع: هل نحن، حقّاً، محصنون في الأردن من "خطر داعش"؟
وقال إن رأيه عبارة عن مقاربة خاصة.
واعتبر أبو رمان أن الحديث عن داعش يتجاوز الحديث عن تيار فكري إسلامي متطرف، بل هو حالة بدأت تنتشر وتعيد هيكلة الكثير من الأمور.
وقال إن هناك نفرا يصر على أن داعش هو نتاج مؤامرة ولعبة إيرانية، في حين يقول غيرهم إنه محصلة لمؤامرة صهيونية أمريكية لتقسيم العالم العربي.. وتساءل حينها: هل الجزء الأيدولوجي والثقافي الذي تطرحه داعش يعتبر غريبا عما تطرحه الكتب والثقافات العربية؟
وتابع أبو رمان قائلا إن داعش لا تنفصل عن السياق السياسي للأنظمة العربية. فالأنظمة العربية وضعتنا أمام خيارين كأنها تقول لنا إما داعش أو نحن.. وتساءل عن سر انهيار الجيوش العربية بشكل سريع أمام داعش وسقوط المدن بيدها واقتياد الجنود وهم عُراة وقتلهم.
"كلمة السر في صعود داعش هي أزمة العرب والسنة، نحن لا نتحدث عن السنة بالمعني الطائفي، بل بالبعد الديموغرافي الاستراتيجي للموضوع، فالقلق الوجودي للسنة يفسر لنا صعود داعش سريعا. إذ تم اختطاف الانتصار الانتخابي للسنة في العراق وعادت بخفيّ حُنين. والأسباب العامة المفتاحية لانتشار داعش هي الأزمة الوطنية في الدول العربية، أزمة الفساد السياسي الذي أغلق الطرق للتغيير السلمي ما أدى للثورات العربية".
"ولا نغفل عن دور الماكنة الإعلامية والسياسية في وأد الحِلم العربي. فالنظم العربية لا تقدم البدائل لشعوبها. وترفض الثورات والربيع العربي. الدول العربية وأنظمتها لم تعد قادرة على النهوض بشعوبها وازدهار بلدانها".
وعن الفرق بين داعش والقاعدة قال أبو رمان إن "القاعدة تتحدث عن صراع دون التفكير في إقامة خلافة، لأن الظروف بنظرها غير مناسبة لذلك. أما داعش تريد أن تقيم سلطة "إمارة توحش". لكن النموذج الأقوى والأكثر تأثيرا حاليا أمام فئة الشباب السلفي هو داعش وهو أيضا الأكثر تطرفا وتشددا".
و"بالنسبة لأن الأردن محصن من داعش أم لا، فهناك شقان داخلي وخارجي، فخارجيا هناك مبالغة في تصور أن داعش من الممكن أن يؤثر على الأردن، فالأردن ليست هدفا لكن على المدى البعيد، لكن إن تعمّق التنظيم وتجذّر فهناك خشية وخوف من أثره على المنطقة العربية ككل وليس على الأردن فقط.
أما داخليا فهناك انتشار له، وبالتزامن مع ذلك تم تشكيل لجنة لمواجهته في الأردن، فالتيار السلفي حاليا والذي يغلب على أفراده الميل لداعش قد تضاعف خلال العامين الأخيرين بشكل كبير وملحوظ، وهناك عدد كبير منهم ينضم لداعش، لكن ما يختلف بين الأردن وخارجه أن في الأردن بيئة منتجة غير حاضنة لداعش أي تمكن لهم الانضمام دون أن توفر لهم شبكة حماية، على العكس من سوريا والعراق فهناك محضن قوي يحمي من يتبع هذا التيار.
وختمَ أبو رمان: نعود لأن نذكر أن فساد الأنظمة السلطوية العربية، وانهيار المنظومات العربية على كافة الأصعدة هو المدخل الرئيسي، وعليه يترتب كل شيء.