بعد الهجوم الخاطف الذي شنه مقاتلو الدولة الإسلامية في
العراق، في حزيران/ يونيو، راحوا يستعرضون قوتهم في شوارع مدينة الموصل التي سقطت في أيديهم وهم يلوحون بالإعلام من سيارات الهمفي الأمريكية التي استولوا عليها ومن عربات مدرعة وعربات بيك أب مزودة بمدافع رشاشة ثقيلة.
أما اليوم فيقول بعض سكان المدينة إن الكثيرين منهم تخلوا عن العربات ذات المظهر العسكري التي قد تجعل منهم أهدافا سهلة للضربات الجوية الأمريكية واتجهوا للاختلاط بالسكان المحليين.
وكشف تمعن رويترز في الضربات الجوية الأمريكية المستمرة منذ ثلاثة أسابيع عن تغيرات كبيرة في أسلوب عمل الدولة الإسلامية منذ انضمام الولايات المتحدة للقتال ضدها وكان أوضح العلامات ظهور أعداد أقل من المتشددين في شوارع الموصل.
ومن غير الواضح كيف ستتغير تكتيكات الدولة الإسلامية نتيجة استرداد قوات الحكومة العراقية وقوات البشمركة الكردية سد الموصل الاستراتيجي وكذلك استعادتها مدينة آمرلي التي كان الآلاف محاصرين فيها دون إمدادات غذائية ومياه لكن من الواضح أن استراتيجيات القتال تتطور على الجانبين.
ويوضح تكيف الدولة الإسلامية مع التغيرات مدى المشاكل التي يواجهها الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزارة الدفاع (البنتاجون) والقوات العراقية والكردية في سعيهم لاستعادة الأرض التي استولى عليها المتشددون.
وبعد صياغة ترتيبات عمل مع جماعات سنية مسلحة أخرى والعشائر الساخطة على الحكومة المركزية التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد أصبحت الدولة الإسلامية الآن القوة المهيمنة في مناطق من شمال العراق وغربه وتقول تقديرات حكومية عراقية أن عدد مقاتليها يتراوح بين ثمانية آلاف و20 ألف مقاتل.
وقد أصبحت مساحات شاسعة تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية المنشق عن تنظيم القاعدة وسيكون من الصعب انتزاع هذه السيطرة من التنظيم إذا فشل القادة السياسيون من الشيعة في استرضاء العراقيين من السنة الساخطين الذين لجأ كثيرون منهم إلى أحضان الدولة الإسلامية بعد ما يقولون إنها سنوات من التمييز والاضطهاد.
ويقول مسؤولون أمنيون عراقيون وخبراء إن إخراج الجهاديين بالكامل سيتطلب على الأرجح العمل على محورين أحدهما يشمل قتالا بريا في العراق تخوضه قوات الأمن العراقية ورجال العشائر ومقاتلو البشمركة الأكراد ربما بتوجيه من قوات العمليات الخاصة الأمريكية ومستشارين أمريكيين.
وفي حكم المؤكد تقريبا أن إنزال الهزيمة بالدولة الإسلامية يتطلب شن هجمات جوية على معاقلها في
سوريا وهو أمر محفوف بالمخاطر بما في ذلك سقوط كثير من الضحايا بين المدنيين في ضوء عدم كفاية معلومات الاستخبارات الأمريكية على الأرض.
وقال علي الحيدري الخبير الأمني العراقي والضابط السابق بالجيش العراقي "استعادة مساحات يستلزم ما هو أكثر من الضربات الجوية. فهو يتطلب مقاتلين مدربين تدريبا خاصا ودعما من السكان في تلك المناطق."
وقالت حياة الفي أستاذ دراسات الشرق الأوسط بكلية الحرب البحرية الأمريكية في نيوب ورت برود آيلان إن واشنطن بحاجة لان تقرر إن كانت تريد وقف الدولة الإسلامية واحتواءها أم تريد القضاء عليها قضاء مبرما.
وأضافت "إذا كانوا يريدون فعلا القضاء على الدولة الإسلامية... فلابد أن يكونوا أكثر التزاما بهذا الأمر بكثير."
طائرات روسية الصنع
ومنذ الثامن من آب/أغسطس شنت الطائرات الحربية الأمريكية عدة هجمات يوميا في العراق تركزت حول ثلاثة مواقع قتالية رئيسية في شمال العراق هي العاصمة الكردية أربيل وسد الموصل وجبل سنجار الذي يمتد مسافة 65 كيلومترا وحاصر فيه الجهاديون آلاف اليزيديين.
ونفذت المقاتلات إف/ ايه 18 من حاملة الطائرات الأمريكية جورج اتش.دبليو بوش أول الهجمات حول سنجار فيما قالت الولايات المتحدة إنه مسعى لحماية اليزيديين الذين كانت تخشى أنهم يواجهون الإبادة.
ويقول مسؤولون أمريكيون إن طائرات حربية تنطلق من قواعد على الأرض وطائرات دون طيار تنطلق من قواعد أخرى في المنطقة أصبحت تشارك الآن في الهجمات الجوية.
ويقول دوجلاس أوليفانت رئيس الوحدة المسؤولة عن العراق في مجلس الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيسين جورج دبليو بوش وأوباما "حتى الآن تركزت الضربات الجوية على منع الدولة الإسلامية من التقدم".
ويضيف "وقد حققت نجاحا على الأقل داخل العراق. أما سوريا فمسألة أخرى. وكذلك دفع الدولة الإسلامية للتراجع في العراق نفسه".
وقال مسؤولون عراقيون وغربيون إنه كان لتزايد استخدام القوة الجوية بوصول طائرات هجومية روسية الصنع من طراز سوخوي-25 لسلاح الجو العراقي أثر ملموس وإن كان من الصعب تقدير الخسائر في صفوف مقاتلي الدولة الإسلامية.
جوانب شائكة
وفي الموصل نفسها التي تقطنها أغلبية سنية لم يعد تنظيم الدولة الإسلامية يتباهى بوجوده. وقال أحد السكان امتنع عن ذكر اسمه خوفا من رد فعل الدولة الإسلامية "انتشارهم أقل من ذي قبل. وهم يتجنبون استخدام المدافع الرشاشة على سيارات البيك آب لأنها أهداف واضحة للطائرات".
كما ساعدت الضربات الجوية الأمريكية القوات والميليشيا العراقية على شن هجوم منسق على مدن تحت سيطرة الدولة الإسلامية قرب مدينة آمرلي الشمالية التي حوصر فيها آلاف الشيعة من التركمان وانقطعت عنهم إمدادات الغذاء والمياه والدواء لمدة شهرين. ويوم الأحد عادت هذه المدينة لسيطرة القوات الحكومية.
ومع تدخل الطائرات الأمريكية لمساعدة هذه الحملة العسكرية برزت جوانب شائكة لكل الأطراف إذ أن الجيش الأمريكي ساعد في واقع الأمر لا القوات العراقية فحسب بل عناصر ميليشيات شيعية حاربت القوات الأمريكية من قبل ويتهمها السنة بارتكاب فظائع في قتالها ضد الدولة الإسلامية بما في ذلك عمليات قتل خارج النظام القضائي.
وتقول القوات الكردية إنه لولا الغطاء الجوي الأمريكي لكانت واجهت صعوبات في وقف تقدم الدولة الإسلامية نحو أربيل. وبدلا من ذلك واصل الأكراد الضغط واستعادوا في 24 آب /أغسطس قرية باقرتا الواقعة على مسافة 70 كيلومترا من عاصمتهم.
وقالت مصادر في الموصل إن عددا من قيادات الدولة الإسلامية قتلوا. وتقول الحكومة الكردية إن مقاتليها شاهدوا عربات محترقة والمتشددون يكافحون لإخلاء قتلاهم وجرحاهم.
وقال نجات علي صالح المسؤول الكبير بالحزب الديمقراطي الكردستاني في قضاء مخمور قرب باقرتا "نحن نشعر بأننا أقوى منهم."
الطائرات الروسية
وفي بداية هجوم الدولة الإسلامية كانت القوة الجوية العراقية محدودة تقتصر على طائرات هليكوبتر هجومية وعدد محدود من طائرات سيسنا التي تطلق صواريخ هلفاير.
غير أنه بنهاية يونيو حزيران الماضي أعلنت روسيا والعراق صفقة لتزويد سلاح الجو العراقي بطائرات سوخوي هجومية من طراز سو - 25.
ورغم أن هذه الطائرات بسيطة وبطيئة وضخمة إلا أنها مزودة بدروع ثقيلة وهي مثالية لمهاجمة تجمعات القوات في المناطق المكشوفة.
ويقول المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن بعد فحص مجموعة من الصور المختلفة إن دفعة ثانية من هذه الطائرات وصلت في يوليو تموز بألوان مموهة وعلامات يستخدمها الحرس الجمهوري الإيراني.
ولم تعلق الحكومتان العراقية والإيرانية على مصدر هذه الطائرات أو من يقودها.
وقال العقيد علي عبد الكريم بالجيش العراقي إن الطائرات أوقفت تقدم الدولة الإسلامية صوب بغداد في الشهر الماضي.
ورغم أن الطيارين العراقيين أقل خبرة من نظرائهم الأمريكيين كما أن أسلحتهم أقل دقة فقد قال العقيد عبد الكريم إن التنسيق مع القوات البرية يتحسن.
"جيش إرهابي"
لكن لن يكون من السهل إلحاق الهزيمة بالدولة الإسلامية في العراق.
ويبدو أن الحملة الجوية الأمريكية أثارت سخط الدولة الإسلامية أكثر على الأكراد. فقد نشرت الدولة الإسلامية مقطع فيديو يوم الخميس عرضت فيه 15 أسيرا كرديا وعملية إعدام واحد منهم. وحث ثلاثة من الأسرى رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني على إنهاء التحالف العسكري مع الولايات المتحدة.
وقال مسؤول كردي كبير "ما نحاربه الآن جيش إرهابي مدرب تدريبا جيدا ومسلح تسليحا جيدا."
وأضاف "ولابد لنا من الاعتراف بأنهم في غاية المهارة في قتالهم. فهم يريدون أن يشغلونا على جبهات عديدة فيتجهون إلى جبهة ويريدون منا التركيز على تلك الجبهة ثم يخترقوننا من جبهة أخرى".
ويبدو أن استرداد المناطق السنية صعب.
فخلال حملة زيادة القوات الأمريكية عامي 2007/ 2008 تعاونت هذه القوات تعاونا وثيقا مع بعض الجماعات السنية ضد تنظيم القاعدة. ويقول مقاتلون من السنة وقيادات عشائرية إن بعض من دربتهم القوات الأمريكية يحاربون الآن في صف الدولة الإسلامية.
ورغم أن الدولة الإسلامية فقدت كميات كبيرة من عتادها الثقيل يقول مقاتلون أكراد إن القوات المتقدمة صوب مواقع الدولة الإسلامية وأغلبها من القوات الكردية عثرت على عدد من الجثث أقل مما توقعت.
ويقول بعض المسؤولين الأكراد إن من المحتمل أن يكون الجهاديون المتقهقرون سارعوا إلى نقل الجثث وإن كان من المحتمل أيضا أن يكون عدد مقاتلي الدولة الإسلامية الذين تعرضوا للهجمات الجوية أقل من التوقعات.
كذلك فإن الجهاديين يحققون مكاسب كبيرة في سوريا بما في ذلك الاستيلاء في 24 آب/ أغسطس على قاعدة جوية كبيرة.
وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكي الجنرال مارتن ديمبسي في 21 أغسطس آب إن هزيمة الدولة الإسلامية في العراق يتطلب تحقيق النجاح في مواجهتها في سوريا وهو أمر يدرسه المسؤولون الأمريكيون في الوقت الحالي.
لكن الخوض في عملية عسكرية في سوريا يواجه عقبات هائلة على النقيض من العراق حيث تتمتع الولايات المتحدة بخبرة مباشرة ترجع إلى سنوات عدة كما أن لها أصدقاء يمكن التنسيق معهم.
ولا تربط واشنطن علاقات بحكومة الرئيس السوري بشار الأسد. كذلك فإن الدفاعات الجوية لدى قوات الأسد والدولة الإسلامية قوية.
وقلل أوباما يوم الخميس من التوقعات بشن هجمات جوية وشيكة على مواقع الدولة الإسلامية في سوريا. وقال البيت الأبيض إن أوباما يريد بحث الخيارات التي يطرحها مستشاروه العسكريون بروية.
وقال هشام الهاشمي الباحث في شؤون الجماعات المسلحة العراقية في بغداد "حتى الآن لم تستهدف الضربات البنية التنظيمية للدولة الإسلامية ولم تستهدف مخازنها ولم تستهدف مصادر قوتها وهي حقول النفط ولم تستهدف التهريب بين الحدود السورية والعراقية".
وأضاف "هذه الضربات حققت هدفها بدفع الدولة الإسلامية عن كردستان لكنها لم تحقق نصرا كبيرا أو مكاسب كبيرة".