في خطابه ليلة الجمعة قال الرئيس الأمريكي إنه طلب "من وزير الخارجية التوجه إلى المنطقة للمساعدة في بناء تحالف ضد
الدولة الإسلامية"، وأضاف أن "الدولة الإسلامية تشكل خطرا على المنطقة، وعملياتنا ضدها لن تكون سريعة"، كما وجه ما يشبه الأمر بالقول: "يجب أن تتوقف دول المنطقة عن دعم الجماعات المتطرفة".
في ذات السياق، ذهب
أوباما إلى أن "دحر تنظيم الدولة الإسلامية على المدى الطويل يتطلب إستراتيجية إقليمية تشمل السنّة في العراق وسوريا". ولأن سؤال بشار سيُطرح هنا بالضرورة، فقد أجاب قائلا "يجب علينا أن نوفر خيارا بديلا عن الأسد وعن الدولة الإسلامية".
الأهم من ذلك كله هو التبرير الذي قدمه أوباما لما يزمع عمله؛ إن كان ممثلا في مواصلة توجيه الضربات للدولة الإسلامية، أم تمثل في تشكيل التحالف الذي أشار إليه، وهو ذات التبرير الذي قدمه بوش من أجل غزو العراق ممثلا في حماية المواطنين الأمريكيين من خطر الإرهاب، رغم أن أحدا لم يقتنع أن لصدام حسين صلة بتنظيم القاعدة الذي نفذ هجمات أيلول/ سبتمبر 2001 في
الولايات المتحدة.
أسئلة كثيرة يطرحها هذا الخطاب من أوباما، لكن أولها بكل تأكيد هو ذلك المتعلق بالهدف المعلن ممثلا في حماية المواطنين الأمريكيين من خطر الإرهاب. ولا ندري هل كان أوباما مقتنعا بما يقول، أم أنها المبررات التقليدية التي تطرحها القوى الإمبريالية لتبرير غزواتها أو تدخلاتها الخارجية؟ إذ ما من قوة إمبريالية تدخلت خارج حدودها إلا وقدمت مبررات لذلك؛ إن كانت إنسانية، أم محلية تخصُّ حماية الدولة ومصالحها ومصالح أبنائها.
هل يعلم أوباما مثلا، أو لنقل هل أخبره مستشاروه؛ كونه مستجدا في سيرة الجماعات الإسلامية، بأن "الدولة الإسلامية" التي جاء يحاربها، ويريد تشكيل تحالف دولي ضدها هي النسخة الأخيرة من تنظيم التوحيد والجهاد الذي أسسه أبو مصعب الزرقاوي مباشرة لمواجهة احتلال سلفه جورج بوش الابن للعراق، سبقتها "الدولة الإسلامية في العراق"، وقبلها قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين؟ والخلاصة أن التنظيم هو نتاج الغزو الأمريكي للعراق، وحين يتورط أوباما من جديد في العراق وسوريا، فهو يزيد مخاطر الإرهاب على مواطنيه، حيث سيرد أتباع التنظيم ومريدوه في كل مكان يُتاح لهم، ولديهم المبرر بحسب رأيهم، فهم لم يعلنوا الحرب على أمريكا، بل على أنظمة أخرى، وهي (أي أمريكا) من اعتدى عليهم.
جاء أوباما إلى السلطة وشعاره الضمني هو الخروج من مستنقعات المنطقة، والتوجه نحو حوض الباسفيكي والتصدي للصعود الصيني، وعلى هذا الأساس خرج من العراق، وبدأ رحلة الخروج من أفغانستان، لكنه اليوم يعود إلى المنطقة من جديد؛ في تطور قد تكون تداعياته كبيرة في واقع الحال، أقله على المصالح الأمريكية، فضلا عن أنه قد يطول إذا لم يحمل رؤية واضحة لصالح تحرر الشعوب وليس إنقاذ المصالح الأمريكية ومصالح النخب الحاكمة في المنطقة بذات الرؤية القديمة والقصيرة النظر.
هنا يأتي حديث أوباما عن التحالف الإقليمي وكذلك عن بشار، ذلك أنه من دون إنهاء الظروف الموضوعية التي أنتجت تنظيم الدولة، فإنه سيبقى وقد يتمدد نحو دول أخرى، والظروف الموضوعية التي يعلمها أوباما هي الإقصاء الطائفي بحق العرب السنّة في العراق، والحرب على الغالبية السنيَّة في سوريا، فهل يبدو جادا في التعامل مع هذين الملفين؟
في الظاهر يبدو كذلك، لكن سيرته في التعامل مع الملف السوري، بل حتى الملف العراقي لا تبشر بأي خير، فهو منح الغطاء طوال الوقت للمالكي وهو يمعن إقصاءً وتهميشا للعرب السنّة، ولم يفعل شيئا ضد بشار الأسد وهو يمعن قتلا في شعبه، وتدميرا لبلده منذ ثلاث سنوات، وكل ما فعله هو مغامرة سريعة لعيون نتنياهو من أجل انتزاع السلاح الكيماوي السوري، بل إن الأسوأ هو أنه ضغط طوال الوقت من أجل منع السلاح النوعي عن الثوار.
هو إذاً يريد تحالف أنظمة لمواجهة تنظيم الدولة، من دون أن يقدم للشعوب شيئا، الأمر الذي لا يمت إلى المنطق بصلة، فمن دون تحقيق العدالة للعرب السنّة في العراق، ومن دون أن يُستبعد بشار الأسد، ويحصل الشعب السوري على حريته، ومن أن تكف إيران عن غرورها، سيبقى تنظيم الدولة حاضرا، ومعه تنظيمات أخرى تقاتل في العراق وسوريا، فهل سيكون بوسعه رعاية تسوية إقليمية مع إيران تنهي هذه الملفات جميعا؟
لا جواب في واقع الحال، بل لا تأكيد على وجود النية أصلا، لأن القوى الإمبريالية تفضل سياسة "فرِّق تسد"، والأفضل تبعا لذلك أن تكون التسوية نتاج تفاهم قوى الإقليم فيما بينها. أما الصراع الأهم في المنطقة، ممثلا في الصراع العربي الصهيوني، فسيظل قائما، بل متفجرا، لأن مشاريع دفنه بيد نتنياهو وأنظمة الثورة المضادة لن تنجح بأي حال.
يبقى القول إنه إذا قرر التحالف الدولي الذي يتحدث عنه أوباما إنصاف الشعوب من أجل مواجهة تنظيم الدولة، بخاصة في سوريا والعراق، فسيسجل ذلك من قبل كثيرين بوصفه نجاحا للتنظيم، تماما كما كانت حروب القاعدة ضد أمريكا سببا في تراجعها كقطب وحيد يهيمن على العالم، لصالح تعددية قطبية.