بدا أن شتاء هذا العام سيكون قاسيا على أهل
غزة الذين قصفت طائرات "F16 " الإسرائيلية منازلهم وأبراجهم، ووجدوا في المدارس والشوارع ملاذا لهم، وفي
الضفة الغربية وجد سكان الأغوار ملاذهم في الكهوف، يشاركون قطاع غزة مرارة النزوح وألم
هدم حلم العمر.
ونهجت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على هدم المنشآت التي يبنيها الفلسطينيون في الأغوار والتي تكون عادة من الصفيح والطين البسيط، والأمر لا يقتصر على الأغوار، فالضفة تشهد بين الفينة والأخرى عمليات هدم تشرع بها
الجرافات العسكرية وطالت بشكل خاص السفوح الشرقية من الضفة الغربية.
ويقول مدير مركز أبحاث الأراضي في نابلس محمود الصيفي: "لاحظنا أن الحكومة الإسرائيلية في الآونة الأخيرة تنتهج سياستها التي كانت تتبعها خلال الثمانينيات وهي سياسات إغلاق وهدم المنازل وسياسة الإقامة الجبرية وتمت العودة إليها".
وأشار في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن عمليات الهدم تتم بكثرة في السفوح الشرقية للضفة الغربية وهي مناطق خربة الطويل قرب عقربا وخربة طانا شرق بيت فوريك في محافظة نابلس، وأيضا عمليات الهدم تحدث في منطقة المالح بالأغوار الشمالية وتحدث بكثرة في الخليل، والهدف منها تفريغ مناطق السفوح الشرقية من سكانها والسيطرة عليها، بحسب الصيفي.
وتستغل إسرائيل برأيه انشغال الناس بالعدوان على قطاع غزة لتنفيذ مخططاتها وللسيطرة على المزيد من الأراضي وتفريغها من الفلسطينيين بشكل كامل.
وأضاف: "حاليا هناك تزايد في عمليات الهدم، والكثير من الخرب يتم إعادة بنائها ويعيد
الاحتلال هدمها من جديد. وبحسب الباحثين الميدانيين لمركز أبحاث الأراضي نجد أنه في عام 2014 ازدادت عمليات الهدم في مناطق طوباس وشرق الخليل وشرق نابلس وشرق بيت لحم".
ونوه إلى أنهم كمركز مختص توجهوا إلى الكثير من المؤسسات الحقوقية لوقف عمليات الهدم، إضافة إلى تحركات من المؤسسات الفلسطينية والدولية لمواجهة هذه المخططات، وهناك أمور نجحت بها من خلال تجميد بعض مخططات الهدم نتيجة قرارات من المحاكم.
الأغوار المنكوبة
وتعاني منطقة الأغوار الفلسطينية تحديدا من استهداف من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بقصد خلق واقع جديد على الأرض يمنع أي تواصل بين فلسطين ومحيطها العربي، فعمدت إلى منع البناء وهدم ما يتم بناؤه، ومنع المشاريع التنموية، ومصادرة مساحات شاسعة من أراضي الأغوار لبناء المستوطنات وإعلان مساحات أخرى مناطق عسكرية مغلقة.
وقال رئيس مجلس المالح والمضارب البدوية عارف دراغمة: "عمليات الهدم في منطقة الأغوار الشمالية مستمرة ولم تتوقف يوميا، فالاعتداءات تطال الحجر والبشر على حد سواء. منطقة الأغوار كاملة مستهدفة من قبل الاحتلال الإسرائيلي فخلال عامي 2013-2014 هدم الاحتلال 750 منشأة وحوالي 360 إخطار وقف بناء، بالإضافة إلى المداهمات وعمليات الاعتقال اليومية التي يتعرض لها السكان ومناطق سكناهم".
وأشار إلى أن قوات الاحتلال هدمت قبل أيام "بركسات" كانوا هدموها سابقا وأعاد الأهالي بناءها، فهناك رصد من قبل الاحتلال لأية عملية بناء تحدث بالمنطقة، كما أن هنالك إخطارات عديدة تصل الأهالي لوقف البناء.
ونوه إلى أن هذه سياسة تتبعها إسرائيل ضد الفلسطينيين بطرق مختلفة، وبجميع المناطق، فهي لا تستهدف الأغوار فقط، ففي الفترة الأخيرة تم تنفيذ عمليات الهدم بمنازل بالخليل والقدس.
وأما بالنسبة للمتابعة القانونية، فبرأي دراغمة "إسرائيل لا تحسب لأحد أي حساب، لا منظمات دولية ولا قانونية، فهي تضرب بعرض الحائط أي قرارات تصدر".
والأهالي يواجهون قلة في الإمكانيات المادية لمتابعة القضايا القانونية، فلا يوجد لديهم إمكانيات مادية لمتابعة الأمر قانونيا.
وأضاف دراغمة لـ "عربي21" قائلا، إنه "بالرغم من صدور قرارات احترازية لوقف الهدم من قبل المحكمة الإسرائيلية إلا أن جيش الاحتلال استبق القرار وقام بعمليات الهدم، كما أنه قام بهدم خيم و"بركسات" كان الاتحاد الأوروبي ومؤسسات دولية أنشأتها غير آبهة لخصوصيتها الحقوقية والدولية؛ "هي سياسة يتبعها الاحتلال".
ويصف دراغمة الوضع المأساوي لمنطقة الأغوار بقوله: "يبلغ عدد الدونمات التي يسيطر عليها الاحتلال 60 ألف دونم وأصحابهم يمتلكون الطابو ولكنهم يحتاجون إلى مبالغ من أجل الوقوف عليها قانونيا؛ وفي منطقة الغور الشمالي تسع مستوطنات مقامة على أراضي الفلسطينيين وسبع معسكرات تدريب للجيش الإسرائيلي".
وتتبع سلطات الاحتلال سياسة هدم البيوت وتهجير السكان الفلسطينيين من أراضيهم منذ عام 1948، حيث هدمت نحو 521 قرية وأزالتها إزالة تامة.
وقال الناشط في قضايا الاستيطان حمزة ديرية لـ"عربي21"، إن معظم المنازل التي هدمت خاصة في منطقة جنوب نابلس بنيت قبل وجود الاحتلال، وتمت عملية الهدم دون إشعار مسبق وبطريقة غير قانونية.
وأوضح أنه "في إحدى المرات سئل ضابط إسرائيلي عن القانون المخول له بالهدم، فأجاب أن لديه تعليمات بإزالة كل شيء، فعليا هذه هي السياسة الحقيقة، أن يزيل الاحتلال أي شيء يعترض طريقه في الاستيطان والاحتلال".
وأضاف أن "إسرائيل تصعد من عمليات الهدم بمساعدة التواطؤ الغربي والصمت العربي حتى تقوم بإفراغ الأغوار والمناطق المهددة بالمصادرة، ويحاول الاحتلال باقتلاع المواطن الفلسطيني من أرضه".
وأشار إلى أن عواقب الهدم تتمثل في "تشريد الفلاحين وتهجيرهم عن أراضيهم من أجل السيطرة عليها واستيطانها كما هو الحال في خربة الطويل قضاء عقربا وغيرها الكثير من المناطق، ونحاول قدر المستطاع تثبيت الأهالي بأراضيهم من خلال المتابعة القانونية وتصوير المناطق الأثرية الموجودة والتوجه بها إلى اليونيسكو، ونحاول إعداد مخطط هيكلي للخربة ومساندة المواطنين وتمديد الكهربا والماء لها فيها قانونيا".
ونوه إلى أن "صمود المواطنين يعني ثباتهم في مناطقهم، والحفاظ عليها وحمايتها من الاستيطان ويجب تعزيز وجود الفلاح الفلسطيني بأرضه ودعمه من قبل الجهات الرسمية والمؤسسات العاملة في هذا المجال".
عقوبات جماعية
وتستخدم الحكومة الإسرائيلية سياسة هدم المنازل كعقاب جماعي، والتي كان آخرها هدم منازل المطارد عامر أبو عيشة والأسير حسام القواسمة في مدينة الخليل، فيما أغلقت بالباطون منزل المطارد مروان القواسمة، اللذين تتهمهم إسرائيل بالمسؤولية عن خطف وقتل المستوطنين الثلاثة بالخليل.
وقالت منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية إنه على مرّ عشرات السنوات رفضت المحكمة "العليا" الإسرائيلية الغالبية الساحقة من الالتماسات ضدّ هدم البيوت كوسيلة عقابيّة ورفضت بشكل مستمر الاعتراف بعدم قانونيّته.
وأضافت المنظمة في تقرير لها، أنه "منذ احتلال الأراضي المحتلة هدم الجيش مئات البيوت كوسيلة عقابيّة ضد أفراد عائلة فلسطينيّين مسّوا بإسرائيليّين أو اشتبه بهم بالقيام بذلك. ونتيجة لهذه السياسة ظلّ آلاف الأشخاص من دون منزل رغم أنهم لم يكونوا مشتبهين بارتكاب أيّ مخالفة".
وتابع التقرير: "في عام 2005 توقف الجيش الإسرائيلي عن إتباع هذه السياسة بعد أن توصّل الجهاز الأمنيّ إلى استنتاج بأنّ أضرارها أكبر من فوائدها. مؤخرا تم استئناف العمل بسياسة هدم البيوت، وذلك بعد خطف وقتل طلاب الحلقة الدينية (اليشيفاه)، بدعوى أن هذا الإجراء له ما يبرره بسبب تغيير حاد بالظروف".
وتعتقد منظمة "بتسيلم" أنّ هذا الادعاء "غير معقول وأنّ سياسة هدم البيوت كوسيلة عقابيّة مرفوضة برُمّتها من دون علاقة بمسألة نجاعتها إذ تعاقب أشخاصًا على أفعال قام بها آخرون خلافًا لأيّ معيار أخلاقيّ".