يرتدي
عراف صيني ثوبا واسعا فضفاضا ويعتمر قبعة سوداء ويحمل كتابا للسحر ذا صفحات متهالكة، وهو يدعي القدرة على التنبؤ بالمستقبل، فهو ما زال يمارس مهنة يبدو أنها في طور الزوال في
الصين.
ويقول هذا العراف البالغ 74 عاما واسمه زهاو فوشينغ لمراسل وكالة فرانس برس: "ينبغي إتمام الطقوس القديمة حتى يتمكن المرء من رؤية الأرواح".
وهو يدعي أنه على تواصل مع عالم الأموات منذ نشأته في إحدى غابات مقاطعة غوانغشي الجبلية في جنوب الصين.
وهو واحد من مشعوذين كثيرين منتشرين في المنطقة، يلجأ اليهم منذ قرون طويلة السكان المحليون من أبناء الجماعات العرقية الصغيرة هناك. ويقول زهاو: "في حال تعرض أحدهم لأي خطر، أو كان طالعه سيئا، فأنا أقدر على معالجة ذلك".
ويضيف: "وإذا كان الطبيب غير قادر على علاج أحدهم من مرض ما، أقوم بذلك مستعينا بالأرواح".
في قرية كيوكا النائية التي لا يمكن الوصول إليها سوى من طريق واحد موحل، يستقبل زهاو طوابير من سكان الجوار المؤمنين بقدراته الخارقة. وقدم زهاو نفسه على أنه معالج وقارئ للمستقبل.
وهو يطلب من زبائنه تاريخ الولادة ثم يبدأ في تقليب صفحات تقويم صيني قمري، ويجري بعض الحسابات، ويتصفح كتاب السحر الذي تكاد صفحاته تتفتت بين أصابعه. ويقول للزبون: "عندما ستبلغ سن التاسعة والثلاثين لن تكون حياتك سهلة"، مضيفا بعد لحظات من الصمت "لكن لا شيء يدعو إلى الخوف". في حقبة "الثورة الثقافية" الشيوعية بين العامين 1966 و1967، قتل كثير من المشعوذين أو تعرضوا للاضطهاد باسم "مكافحة الخرافات الإقطاعية".
وفي قرية كيوكا، يقول العرافون إنهم اخفوا كتبهم إلى حين خبا اندفاع تلك الموجة الدامية. ومع التغيرات الاقتصادية التي شهدتها الصين في الأعوام الأخيرة، ولا سيما الارتفاع الصاروخي لكلفة الطبابة، عاد الزبائن يتدفقون من جديد إلى العرافين.
ومع أن قرية كيوكا لم يعد فيها سوى بضع مئات من السكان، إلا أن فيها عددا لا بأس به من العرافين المرموقين بين السكان.
حتى أن بعض العائلات تطلق على أطفالها اسم العراف نفسه تيمنا به، على غرار زهاو ديكينغ ابن الثلاثة عشر عاما، والذي يؤمن بقدرة الأرواح على التأثير على الأحياء.
لكن هذا الفتى وكثيرين غيره يحلمون بالرحيل عن القرية إلى إحدى
المدن المجاورة، في ظاهرة باتت تعتبر أكبر حركة هجرة في العالم، الهجرة من الريف الصيني إلى المدن الكبرى، وقوامها 300 مليون مهاجر في الأعوام الخمسة عشر الماضية.
فالشباب يكادون ينعدمون في تلك المناطق الريفية النائية، إذ يتوجهون بعد إتمام دراساتهم المدرسية إلى المدن مع أن الأجور أعلى. وعلى ذلك، فإن الهجرة من الريف إلى المدينة مرشحة للاستمرار، مع توقع 300 مليون مهاجر إضافي في السنوات العشر المقبلة، أي أن قرى بأكملها مرشحة لتصبح خاوية.
ويطرح هذا التغير الديمغرافي تهديدا على مهنة العرافين مع انتقال معظم السكان إلى المدن، وهو ما بدأ يسجل فعلا في الوقت الحالي. ويقر زهاو فوشينغ أنه يتلقى أعدادا أقل من الزبائن، لكنه يعزو ذلك إلى سبب آخر: "الأرواح رحلت عن المنطقة، ولذلك بات التواصل معها أقل من ذي قبل".