كتب صالح القلاب: هناك اعتقاد يصل إلى حد اليقين، يشارك فيه ليس أعداء النظام السوري ومعارضوه فقط، وإنما أصدقاؤه ومؤيدوه أيضًا، بأن هذا النظام ما كان بإمكانه الصمود لأكثر من عام واحد، وربما أقل، لولا المساندة الخارجية، العسكرية والأمنية والسياسية، التي بقي يتلقاها من إيران وأتباعها وميليشياتهم، ومن روسيا ومن عراق نوري المالكي الذي بعد اتهامه بشار
الأسد بأنه وراء الإرهاب الذي ضرب أهدافا رئيسة ومباني وزارات سيادية في بغداد، ما لبث أن تراجع بسرعة وأصبح مثله حسن
نصر الله يديره قائد فيلق القدس قاسم سليماني. وحقيقة، إنه بقي يديره حتى اللحظة الأخيرة، بلْ وربما حتى الآن.
كل أهل الكرة الأرضية، وليس أهل هذه المنطقة فقط، كانوا سمعوا من حسن نصر الله ومن أكبر مساعديه وأعوانه، أنه لولا التحاق «حزب الله» للقتال ضد ثورة الشعب السوري لما كان نظام بشار الأسد قد تمكّن من الصمود ليس لشهرين أو ليومين، وإنما لدقيقتين فقط. وبالطبع، فقد ثبت أنَّ هذا تبجح أكثر من اللزوم، فبقاء هذا النظام ربما شارك فيه هذا الحزب، لكنّ بقاءه وقفت وراءه عوامل كثيرة بعضها ضمن الجغرافيا العربية، وأكثرها خارج إطار هذه المنطقة.
وهكذا، ومنذ الأيام الأولى لاندلاع الثورة السورية المسلحة، وحيث نصح المرشد الإيراني علي خامنئي بشار الأسد بمعالجة الأمر بالقوة والقمع وبالابتعاد عن التسامح الذي إن هو استخدمه واستخدم ما يسمى الأمن الناعم، فإن نظامه زائلٌ لا محالة، فإن «المستشارين» الإيرانيين قد وصلوا إلى دمشق منذ انتفاضة درعا المعروفة وأنهم مَنْ أدار غرفة العمليات العسكرية، وأن القوات الإيرانية هي التي تسلّمت مقاليد الأمور على الجبهات القتالية، والدليل هو صفقات تبادل الأسرى التي أبرمتها إيران مع الجيش الحر والمعارضة السورية.
وبالطبع، فإن الكل يعرف أنه لولا الأموال الإيرانية التي بقيت تتدفق، وعلى حساب لقمة عيش الإيرانيين وكتب وأقلام أطفالهم، على الموازنة العسكرية السورية، فإن نظام بشار الأسد كان سيرفع يديه خلال شهور قليلة، وأنه كان سيتخلى عن المعاندة والمكابرة ويلجأ، إنْ ليس إلى التنحي الكيفي، فإلى المغادرة المشروطة التي تضمن له ولعائلته وإلى «المتورطين» من أبناء الخؤولة والعمومة معه في ذبح أبناء الشعب السوري حتى أعناقهم.
وأيضا، فإن المفترض أن كل المعنيين بهذا الصراع الدموي، إنْ بصورة مباشرة أو غير مباشرة، قد سمعوا تصريحات الولي الفقيه التي كررها أكثر من مرة، والتي قال فيها: «إن دفاعنا عن دمشق هو دفاع عن إيران». وبالطبع، فإنَّ رئيس الوزراء العراقي الذي تمت تنحيته قبل أيام وبالقوة قد بادر هو بدوره إلى الدفاع عن طهران.. وليس عن بغداد، بمليارات الدولارات من أموال العراقيين وبألوف الأطنان من الأسلحة وبعشرات الكتائب من الميليشيات المنتفخة بالأحقاد الطائفية والمذهبية التاريخية وبفتح أجواء إحدى أهم الدول العربية، التي هي العراق، الجسور الجوية الإيرانية التي لا تزال تنقل الجيوش والأعتدة التي أبقت بشار الأسد «صامدًا» حتى هذه اللحظة.
إن هذا بالنسبة لإيران، الذي هو غيض من فيض، أمَّا بالنسبة لروسيا فإنها، في إطار اشتباكها على النفوذ الدولي مع الولايات المتحدة، قد رمت بكل ثقلها، سياسيًا وعسكريًا، إلى جانب نظام بشار الأسد الذي كانت ولا تزال تعتبره ورقتها الوحيدة في الشرق الأوسط التي تستطيع لعبها على طاولة المساومات الدولية، وهنا فإن المفترض أنه لا حاجة لإثبات أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كان ولا يزال جنرال الدبلوماسية السورية، وأن السيد وليد المعلم الذي من المتوقع إحالته على «المعاش»، ولكن برتبة نائب للرئيس، خلال الأيام القريبة المقبلة لم يكن في حقيقة الأمر إلاَّ «شاهد ما شافشِ حاجة» وكدمية من دمى مسرح العرائس السوري!!
والآن، وقد اختطفت الأزمة الأوكرانية الملتهبة جلَّ الاهتمام الروسي من الأزمة السورية على اعتبار أن أوكرانيا باتت تشكّل الجبهة المتقدمة بالنسبة لمناطحة فلاديمير وبيادق حكمه، وفي مقدمتهم سيرغي لافروف، للولايات المتحدة وللغرب الأوروبي، وعلى اعتبار أنَّ خروج هذه الدولة، التي كانت ذات يومٍ أحد الأركان الرئيسة في منظومة الاتحاد السوفياتي «العظيم»!، من دائرة روسيا الاتحادية سيشجع دولاً أخرى على التمرد على إمبراطورية هذا الرئيس الروسي الذي يسعى لاستعادة أمجاد القياصرة الروس، فإنَّ هناك تقديرات مستندة إلى تجارب الماضي بأن بشار الأسد إنْ لن يفقد داعمًا رئيسا فإنه سيفقد حتما جزءًا رئيسا من هذا الدعم الذي كان شكل أحد عوامل بقائه الفعلية والحقيقية.
وكذلك أيضا فإنَّ فَقد إيران المتوقع للجزء الأكبر من أوراقها الرئيسة في المعادلة العراقية الداخلية بعد فقد «بيدقها» الرئيس في العراق لمصلحة رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي ولمصلحة معادلة وطنية جديدة من المفترض أن تحدَّ من التدخل في الشؤون السورية لأن الاستمرار بلعب هذا الدور التخريبي سيكون بمثابة حماقة سياسية سيدفع ثمنها العراقيون في فترة قريبة.
إن المفترض أن رئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر العبادي، الذي حظي بتأييد غير مسبوق داخليًا وعربيًا ودوليًا، يعرف أن انحياز نوري المالكي انحيازًا أعمى للمشروع الإيراني للمنطقة وإن زج العراق ماليًا وعسكريًا وسياسيًا في الأزمة الداخلية السورية، هو ما تسبب بالإضافة لتصرفات داخلية جنونية في كل هذه المصائب التي حلت ببلاد الرافدين، وما جعل السنة العرب يشعرون بأنهم أصبحوا غرباء في وطنهم بعد أن جرى تهميشهم وعلى أساس طائفي، وبحيث اضطر بعضهم اضطرارًا للاستعانة بـ«داعش» التي لا جدال في أنها منظمة إرهابية.
إن المفترض أنَّ حيدر العبادي يدرك حتى قبل أن يأتي إلى الحكم ومواقع المسؤولية، أن نوري المالكي قد ارتكب حماقة سياسية جعلت نهايته هي هذه
النهاية البائسة عندما وضع كل مقدرات العراق تحت تصرف نظام أوغل بعيدًا في قتل شعبه وفي تدمير بلده وعندما بتصرفاته وبالسياسة التي اتبعها تجاه الأزمة السورية جعل هذه الأزمة تنتقل إلى العراق، ثم إن المؤكد أن رئيس الوزراء العراقي الجديد يدرك ويعرف تمام المعرفة، أن المعادلة العراقية الداخلية ستبقى تعاني من هذا الاهتزاز المرعب إذا لم يبادر وبسرعة لتغيير اتجاه السفينة السياسية العراقية ويوقف ونهائيًا أي تدخل في الشأن السوري، وإنْ من خلال المظلة الإيرانية.. ولذلك وبناءً على كل ما سلف ذكره، فإن الواضح أن بقاء نظام بشار الأسد بات مستحيلاً، وأن نفوذ «حزب الله» حتى في لبنان لن يكون على ما كان عليه منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى الآن فـ«زمن أول حوَّل»، ولقد بدأ العد العكسي فعلاً، ولذلك فإنه على أي معني بهذه الأزمة أن يحدد مواقفه منذ الآن وبسرعة!!
وهكذا، ومرة أخرى، فإن المؤكد أنه عندما يخسر نظام الأسد المعادلة الإقليمية والدولية لحساب معادلة جديدة ولو بالحدود الدنيا، فإن المفترض أن يدرك أن نهايته ونهاية نظامه باتت قريبة، وأن عليه أن يسارع للتخلي عن كل هذا العناد الأرعن، وأن يبحث جديًا عن حلٍّ لا يجعل مصيره كمصير رفيق دربه معمر القذافي.
(الشرق الأوسط)