كتبت الزميلة الباحثة في سياسة الخليج بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى لوري بلوتكين بوغارت محللة الظروف التي دفعت
السعودية لتغيير مواقفها من الحرب على الإرهاب وربطتها بالخوف من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (
داعش). وجاء في المقال أن السعودية تقوم بتوسيع برنامجها في
مكافحة الإرهاب كي تتصدى للتهديد الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
وقالت بوغارت: "في 13 آب/ أغسطس تبرعت السعودية بمبلغ 100 مليون دولار لمركز مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة في نيويورك، وتعكس هدية الرياض القلق حول التهديد الإرهابي الذي يمثله المتشددون السنة داخل المملكة وعلى حدودها الشمالية والجنوبية. ومن أجل مواجهة هذا التهديد تقوم الدولة بتوسيع جهودها كي تذيب الدعم للتشدد السني في داخل البلاد وخارجها".
وتأتي هذه الجهود في وقت ينظر فيه لسجل الرياض في مكافحة الإرهاب بنوع من الحذر "منذ أن قام 15 سعوديا وأربعة آخرون باختطاف طائرات وفجروها في نيويورك وواشنطن في أيلول/ سبتمبر 2001. وما بين 2003- 2006، قتلت سلسلة من الهجمات الدراماتيكية التي خططت لها القاعدة المئات في داخل المملكة، ما دفع الحكومة السعودية للعمل وبجد لملاحقة الإرهابيين في الداخل ومنع مؤامرات جديدة".
وقامت الرياض باتخاذ خطوات مهمة لتثبيط العامة من تقديم الدعم المالي للإرهاب في الخارج، وقمع الخطب النارية التي يلقيها القادة الدينيون واعتقال وإعادة تأهيل المتشددين. ورغم كل هذا فقد اشتكت الولايات المتحدة من أن بعض هذه الإجراءات ظلت رهنا بالمصالح السياسية للمملكة وقدراتها في مجال مكافحة الإرهاب.
ولكن السعودية في العام الماضي بدأت بتوسيع حملتها، لتثبيط مواطنيها عن دعم الجماعات الإرهابية وغيرها من الجماعات التي لا ترغب فيها الحكومة. وفي مركز نشاطات الحكومة القانون الذي أعلن عنه الملك عبدالله في شباط/ فبراير الذي جرم عددا من أشكال الدعم لجماعات بعينها. وفي آذار/ مارس أعلنت الحكومة عن قائمة بأسماء الجماعات التي ضمت جماعتين جهاديتين- الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وجبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا. وجاءت الحملة في جزء منها ردا على اتهامات تتعلق بغض السعودية طرفها عن سفر مواطنيها للقتال في سوريا. وقد تكون مرتبطة بكشف الرياض عن خلية إرهابية كانت تخطط للقيام بأعمال إرهابية ضد الحكومة السعودية بالتعاون مع عناصر داعش في داخل المملكة.
واستمرت السعودية في توسيع حملتها كلما توسع داعش وسيطر على مناطق في الدول الواقعة شمال السعودية وهددت المملكة نفسها. وبسبب هذا فقد قامت الحكومة وبحماس بمتابعة جهودها لتجفيف المنابع المالية والأيديولوجية لدعم الإرهاب. وفي شهر رمضان وحده الذي انتهى في 28 تموز/ يوليو أعلنت الرياض أنها حققت مع 17 شيخا ممن فشلوا بشجب هجوم القاعدة في الجنوب في 4 تموز/ يوليو، وحذرت من جمع التبرعات عبر شبكات وسائل التواصل الاجتماعي لأن التبرعات قد تقع في يد الإرهابيين، وأصدرت حكما بسجن أربعة سعوديين خططوا للقتال في العراق مع داعش.
وأعلنت الحكومة عن بعض التغييرات في سياسة بعض المؤسسات، ففي تموز/ يوليو أخبر رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المطاوعة بأن استئصال التطرف ومواجهة من يقومون بنشر مبادئه ستكون من أهم واجباتهم، بقوله إن "مهمتكم لم تعد مقتصرة على مراقبة المحلات التي لا تغلق أبوابها في وقت الصلاة، أو تنبيه النساء للالتزام باللباس المحتشم".
وأعلنت وزارة الداخلية بداية هذا الشهر أن الأئمة بحاجة لفحص أمني جديد، وهذا يشمل بالضرورة فحص ما إذا كانوا يتعاطفون مع أيديولوجية المتطرفين. وفي نفس الوقت أعلنت أعلى هيئة دينية وهي مجلس كبار العلماء أنها ستقوم بإنشاء موقع تفاعلي يقوم من خلاله العلماء بالتواصل مع المواطنين ومساعدتهم على مواجهة خطاب الإرهابيين الذي يحاول إغراءهم للقتال في الخارج. وجاء الإعلان بعد أيام من التعنيف الذي قام به الملك عبدالله للمجلس بأنه لا يقوم بما يكفي لمواجهة التطرف.
وبالترافق مع هذه المبادرات المحددة، كان التركيز على مخاطر دعم الإرهاب الذي طبع خطابات الملك والقادة الدينيين وكتاب الأعمدة في الإعلام الحكومي والبرامج التلفازية. وتم التركيز تحديدا على التهديد الذي يمثله داعش.
وتقول الكاتبة إن الكثير من هذه السياسات جاءت نتاجا للقلق الجديد حول انعكاسات دعم المواطنين لهذه الجماعات الإرهابية على الأمن الوطني. ففي أيار/ مايو، أعلنت الرياض الكشف عن مؤامرة إرهابية لاغتيال مسؤولين في الحكومة وتنفيذ هجمات ضد المصالح الوطنية والأجنبية.
وألقت الحكومة القبض على 64 شخصا معظمهم سعوديون. وبحسب وزارة الداخلية، فقد لقي بعض من أعضاء الخلية تشجيعا من السعوديين الذين يقاتلون في صفوف داعش في سوريا للقيام باغتيالات. وهناك البعض الآخر من المشتبه بهم يعتقد أنهم يدعمون تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ولا تزال الرياض تلاحق 44 شخصا لهم علاقة بالمؤامرة.
وذكرت المؤامرة بتجربة البلاد في منتصف العقد الأول من القرن الحالي عندما جلب المقاتلون الذين شاركوا في أفغانستان بعد هروبهم من الضربة الأمريكية هناك، الجهاد للسعودية.
وفي الآونة الأخيرة انضم عدد كبير السعوديين لكل من جبهة النصرة وداعش، وقد يكون هناك الآلاف منهم في تنظيم داعش وحده.
ومن هنا، فإن التقدم السريع لداعش في العراق بداية الصيف والذي ترافق مع إنجازات الجماعة في سوريا، فاقم من التهديد، وهو ما دفع الحكومة السعودية لتعزيز الإجراءات الأمنية على الحدود مع العراق، خاصة بعدما كشف داعش عن تصميمه على اختراق الدول الأخرى مثل لبنان.
وفي الوقت نفسه، وفي الجنوب من البلاد، قام عدد من منتسبي تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ومعظمهم من السعوديين بمهاجمة نقطة تفتيش سعودية قرب الحدود مع اليمن، وقتلوا عددا من رجال الأمن السعوديين ويمنيا واحدا وذلك في 4 تموز/ يوليو، واستطاع مهاجمان اختراق الحدود وفجرا نفسيهما في مبنى حكومي. ويعتبر هذا أول توغل للقاعدة في اليمن منذ 2009 في داخل السعودية، بعد محاولة الاغتيال الفاشلة للأمير محمد بن نايف الذي كان يعمل في حينه مساعدا لوزير الداخلية.
وما زاد من الأمر سوءا هو اكتشاف الرياض، أن بعض من اعتقلوا في أيار/ مايو ومعظم المهاجمين في تموز/ يوليو كانوا من الذين تخرجوا من برنامج الحكومة الذي فاخرت به لإعادة تأهيل المتشددين.
وألمحت وزارة الداخلية الشهر الماضي إلى أن 10% من الذين شاركوا في البرنامج عادوا مرة أخرى لطريق التطرف. وفي عام 2010، لاحظت الوزارة أن نسبة 20% من معتقلي غوانتانامو السابقين رجعوا لطريق التطرف.
وتعبر الرياض عن قلقها من الدعم الشعبي لتنظيم داعش؛ ففي استطلاع غير رسمي نشرت نتائجه على شبكات التواصل الاجتماعي أظهر أن السعوديين وبشكل كبير يعتقدون أن داعش "ملتزم بالقيم والقوانين الإسلامية". وكردّ على هذا، تخطط الحكومة لإجراء دراسة مسحية لمعرفة مواقف السعوديين من الخلافة التي أعلن عنها داعش في العراق وسوريا. وتظل الدراسات المسحية حول القضايا السياسية تعتبر نادرة، ولكن دراسة أجريت عام 2009 أظهرت أن 20% من السعوديين لديهم بعض المواقف الداعمة أو المحبذة للقاعدة.
وحول انعكاس التحولات الجديدة في سياسة السعودية على واشنطن داعية الأخيرة إلى العمل مع السعوديين ودعم مبادرتها الأخيرة، للتخلص من دعم الإرهاب حتى تكون لخطوات الرياض في مكافحة الإرهاب أثرها الكبير على الخارج، خاصة في العراق وسوريا. ويقتضي هذا تشاركا في المعلومات الأمنية وتنسيقا في العمليات والنشاطات الأخرى ضد داعش، بهدف إرجاع التنظيم ومنع تقدمه وجماعات أخرى مماثلة. ويحمل التهديد الإرهابي في العراق وسوريا انعكاسات كبيرة على المصالح الأمريكية في الداخل والخارج وتتمتع السعودية بتأثير كبير على البلدين نظرا للروابط القبلية والعلاقات الأخرى. ويعتبر هذا التأثير مهما في وقت يخشى فيه الكثير من السنة المشاركة في نشاطات معادية لداعش.
وفي نفس الوقت، يجب أن تكون الولايات المتحدة واعية وبشكل مستمر لفشل السعودية التفريق بين ما هو تشدد وتعبير سلمي في تعريفها للإرهاب وموقفها المعادي للأجندة الديمقراطسة في الدول المجاورة. ويجب على المسؤولين الأمريكيين التأكد من عدم استخدام التكنولوجيا الأمنية المتقدمة ضد نشطاء لاعنف سياسيين بمن فيهم من يطالبون بالإصلاح السياسي وتدعمهم واشنطن.