أثارت التعديلات
الدستورية المفاجئة التي قررت الحكومة الأردنية رفعها إلى مجلس النواب للمصادقة عليها والتي تقضي بحصر مهمة تعيين رئيس أركان
الجيش ومدير
المخابرات العامة بيد
الملك. أثارت ردود فعل متباينة.
الخطوة التي قالت أوساط إعلامية أردنية إن آخر من علم بها هي الحكومة بعد تسريبات لوسائل إعلام مقربة من النظام الأردني لاقت معارضة من العديد من الأوساط ورأوا فيها التفافا على المطالب الإصلاحية في الأردن، بينما أيدها المقربون من النظام واعتبروها تقليصا لصلاحيات الملك.
المراقب العام السابق لجماعة الإخوان قال إن التعديلات الدستورية "ستدخلنا في إشكال كبير وهو أن الدستور ينص على أن الملك مصان ومعفى من المحاسبة، والتعديلات الجديدة ستمنحه حق تكليف رئيس الأركان ومدير المخابرات، وهو ما يجعله في موضع مساءلة في حال ارتكب هؤلاء المسؤولون أخطاء في عملهم".
وأوضح الشيخ سالم الفلاحات لـ"عربي 21" أن المطالبات بالإصلاح في الأردن كانت تدعو لـ"نقلة ديمقراطية يبقى فيها الملك للجميع وإسناد مهام إدارة الدولة للشعب عبر انتخابات ديمقراطية، لكن من اقترح هذه التعديلات وتسليم الملك هذه الملفات الحساسة يريد الإساءة للملك".
ولفت إلى أن التعديلات الجديدة "تنزع الدسم" من أي حكومة قادمة وتحول عملها "إلى مهام إدارية وتعتدي على الولاية العامة لها".
وأشار إلى أن ما يجري "لا يبشر بنظام ديمقراطي حقيقي، بل بنظام إداري لا يحقق الطموحات المأمولة من إصلاح سياسي في البلاد".
وبالرغم من الانتقادات للتعديل، رأى الفلاحات أن فصل وزارة الدفاع عن رئاسة الحكومة وإعادة إحيائها "ربما يحمل بعض الإيجابيات من ناحية إبعاد الجيش عن الانشغال في المشاريع الاقتصادية والالتفات إلى مهامه الرئيسية في حماية البلاد وتطوير ذاته".
وعلى الطرف الآخر قال رئيس تحرير صحيفة الرأي الحكومية سمير الحياري إن التعديلات المقرر رفعها للبرلمان "ستوسع من صلاحيات الحكومة وتحصر صلاحيتين بيد الملك هما تعيين قائد الجيش ومدير المخابرات".
وأوضح الحياري لـ"عربي 21" أن بقاء الدستور الحالي على شكله "سيبقي الصلاحيات كلها بيد الملك والتعديلات جاءت لتقلص هذه الصلاحيات وتشكل نقلة نوعية لتأليف حكومات أحزاب وإيجاد مساحة ديمقراطية أكبر، الأمر الذي سيخدم دعاة الإصلاح" على حد قوله.
وقال الحياري إن التعديلات الجديدة ستقصر مهمة الملك على تعيين قائد الجيش ومدير المخابرات، وهو "ما يخرجه من دائرة المساءلة في حال وقع المسؤولان في أخطاء تستوجب المحاسبة ويبقى لمجلس النواب الدور الرقابي وإبداء الرأي لعلاج أي خطأ".
وأضاف -ردا على دعوات وجهت من بعض السياسيين والشخصيات الدستورية للملك لرفض التعديلات-: "أن مجلس النواب بالأغلبية الساحقة والجمهور الأردني بعمومه متفق مع التعديلات، والآراء المطروحة كلها تصب في مصلحة النظام".
بدوره انتقد الخبير الدستوري الأردني محمد الحموري التعديلات المزمع إقرارها وقال: "إن الملكية الدستورية في النظام البرلماني هي بناء متوازن متكامل ومتماسك، ومبدأ الفصل بين السلطة والمُلْك فيه يشكل ركنه الجوهري، والعبث بهذا الركن، سيؤدي إلى انهياره لا محالة، وتحوله إلى ملكية رئاسية.
وقال الحموري في مقالة نشرها موقع "عمون" الإلكتروني مخاطبا رئيس الوزراء عبدالله النسور "فقد نشرت الصحف عنك قولك، بأن قائد الجيش ومدير المخابرات سيرتبطان برئيس الوزراء، وسيكون مسؤولاً عنهما!! فإن كان هذا الذي نُشر صحيحاً، فإنه يستهتر بعقول طلاب الصف الأول في الحقوق والعلوم السياسية، لأن هذا أمر في غاية الغرابة، إذ كيف سيكون الرئيس صاحب سلطة عليهما ومسؤولاً عنهما، بعد التعديل الدستوري الذي يجرّد الرئيس ومعه كامل مجلس وزرائه، من أي ولاية أو سلطة دستورية عليهما، رغم أن عملهما هو الأكثر تماساً والتصاقاً بالشعب".
وأضاف "إنك بهذا يا رئيس حكومتنا تخطئ في البديهيات الدستورية مرة أخرى. ذلك أن مجلس النواب الذي يجسد إرادة الشعب، هو صاحب الولاية في الوصول إلى أي مسؤول في الدولة من خلال مجلس الوزراء، لمحاسبة الوزير الذي يملك السلطة عليه وبالتالي محاسبته".
ولفت إلى أنه في حال أعطيت السلطة الدستورية "في تعيين هذين المسؤولين للملك، وتبين أن قائد الجيش مثلاً، حصل على عمولات من مشتريات السلاح على حساب الخزينة، أو تجاوزت المخابرات على حقوق الناس وحرياتهم، فإن مجلس النواب المنتخب سوف يجد أن الصلة بينه وبين هذا المسؤول منقطعة دستورياً، بسبب خروجه من الولاية العامة لمجلس الوزراء".