العلاقة بين
تركيا والعراق قديمة قدم التاريخ ومتأرجحة بين الخلاف والاتفاق حد الاندماج كما حصل في عهد العباسيين ثم العثمانيين مع تغير موقع القيادة مرة هنا وأخرى هناك.
وبنظرة تحليلية لتاريخ
العلاقات في القرن العشرين بين
العراق بعد انفصاله عن الدولة العثمانية نجد أن البلدين أبقيا على العلاقات الطيبة في كل الظروف وإن هبطت لحدودها الدنيا أحيانًا بسبب وقوف تركيا النسبي مع الغرب في حربه على العراق في زمن الحصار ولعل وجود قاعدة إنجرليك ليس بعيدًا من الحدود العراقية وهي المضيفة لطائرات أمريكا "العدوة"، ثم جاء رفض تركيا لمرور قوات التحالف لاحتلال العراق عبر أراضيها ليدق مسمارًا مثبتًا لمستقبل افضل بين البلدين، وحين احتلت أمريكا وحلفاؤها العراق آلت الأمور لمآلات جديدة.
إن تزامن حكم الإسلاميين لتركيا مع استلام "الإسلاميين" للسلطة تحت الاحتلال في العراق له تأثير متناقض على العلاقات العراقية – التركية، فالإسلاميون الشيعة علقوا كل ما جرى من إرهاب على الأرض العراقية بجيد تركيا بينما صارت تركيا "الإخوانية" قبلة الحزب الإسلامي العراقي "الإخواني"، وظل
أردوغان يوازن علاقاته بين الطرفين كربان ماهر يقود سفينة تتجاذبها الدوامات.
لكن الوطنيين العراقيين أخذوا على السلطان انحيازه لمن يسمونهم "سنة المالكي" وهم سياسيون شاركوا نظام بغداد في حكوماته المتعاقبة ومتهمون بخيانتهم حسب تعبير الوطنيين لقضية العراق عمومًا والسنة خصوصًا.
ومن الصحيح أنهم فشلوا في حماية من يمثلونهم وجروهم إلى عملية سياسية تعاملهم كأقلية ذليلة، فكان ذلك عاملاً مؤثرًا على شعبية أردوغان بين السنة العراقيين من غير تيار الإخوان المسلمين وحزبهم الإسلامي.
وجاء في مقال تايلر ايفانز وسونر جاغليتاي المنشور في أكتوبر 2012 في معهد واشنطن والمعنون "علاقات تركيا المتغيرة مع العراق"، التالي: "بيد أن البعد السياسي للعلاقات الثنائية قد أظهر بالفعل بعض علامات التراجع في الوقت الذي سعى فيه المالكي إلى اعادة انتخابه في عام 2010، فعلى مدار الأربعة أعوام الماضية اتجهت حكومته الموالية للشيعة نحو المركزية وهي
السياسة التي لاقت تأييداً من أنقرة من حيث المبدأ إلى أن بدأ حكم المالكي يميل نحو استبداد مقلق ذو طابع طائفي، لذا عندما فاز تكتل "العراقية" المنافس للمالكي بأغلبية نسبية ضئيلة في الانتخابات البرلمانية عام 2010 رأت أنقرة في ذلك فرصة للوصول إلى توافق طائفي أكبر في بغداد.
وكان رئيس تكتل "العراقية" إياد علاوي هو المفضل من قبل تركيا بسبب نزعته القومية العراقية وبرنامجه غير الطائفي - وفي الواقع، عملت أنقرة من وراء الكواليس على إقناع الأحزاب السنية العربية بالاتحاد تحت لوائه انطلاقاً من الروابط الوثيقة التي عملت على إقامتها مع ذلك الجمهور منذ سقوط صدام"، لكن النظرة الأعمق تقود إلى تعبير أدق هو أن تركيا ساندت القائمة التي تضم "الإخوان".
اهتم رئيس الوزراء التركي بالشأن العراقي كثيرًا في خطاباته وبعض قراراته لكن دوره لم يكن مؤثرًا فهو وغيره من المسلمين السنة لم يوفروا أي حماية تذكر للعرب السنة في العراق بينما اهتموا بمصالحهم الاقتصادية وتجاوزوا كل أنواع الخصام الديني – الطائفي مع شيعة العراق والخصام الآخر العرقي مع الأكراد.
ومع كل ذلك حافظ حفيد محمد الفاتح على شعبية كبيرة بين صفوف العراقيين وخصوصًا سنتهم الذين صاروا يتندرون على حكامهم بحسرة خفية حين يقارنونهم بالسلطان الذي حول المزابل لحدائق بينما حكام بغداد حولوا الحضارة إلى أطلال وخراب
.
اليوم وقد تسلم الحفيد عرش جده الفاتح لم ينس أن يذكر رعاياه "رعايا الجد الفاتح" أنهم في قلب الحفيد السائر بثبات على خطاه في عالم يحارب الإسلاميين كلهم إلا هذا السلطان الأنيق الوسيم الذي يرتل القرآن ترتيلاً تخشع له قلوب المشردين العراقيين ويغني المقام التركي – العراقي بصوتٍ يذكرهم بليالي بغداد الملاح، ويلعب كرة القدم بينما هم "العراقيون" كرة يركلها حكامهم بأرجلهم ليل نهار.
في كل الأحوال ومهما غضب الوطنيون السنة من بعض مواقف تركيا المتراخية وعواطف رئيسها الجديد التي لم تقدم لهم الكثير، فإن الجميع يتطلع لعلاقات فوق العادة بين البلدين بعد أن يكون لهم وضع مختلف في العراق بعد ثورتهم العارمة. ونحن معهم نرى أن تقاربًا كبيرًا سيحصل بين سنة العراق وتركيا أردوغان مهما كان الوضع في مرحلة ما بعد المالكي