يتسع جيش
البطالة للخريجين الجامعيين
العراقيين يوما بعد آخر، ليصبح أكبر جيش تؤسسه المعاناة لا الحكومات، فيما تظل دوائر أحلام الخريجين الجدد ترتد حسيرة، دون أن يتمكن عشرات الآلاف من الشباب أن يضمنوا لقمة عيش لهم أو لعائلاتهم، وليس أمامهم إلا العمل في أماكن لا تليق مع مستوى تحصيلهم العلمي، أو الدفع بهم ليمارسوا أعمالا تشكل خطرا على حياتهم، كالعمل في سلك الجيش أو الشرطة أو الحراسات الأمنية الخاصة.
الشاب عمر أحمد خريج كلية الإدارة والاقتصاد قسم المحاسبة للعام الماضي، يستيقظ يوميا من الساعة السادسة صباحا، ويستقل سيارته (كيا) فئة تسعة ركاب، لنقل موظفين يعملون في إحدى الوزارات العراقية داخل العاصمة بغداد، ولا يفارق الوزارة إلا بعد الساعة الرابعة مساء، حيث انتهاء الدوام الرسمي والعودة بالموظفين إلى أماكن سكنهم.
قال أحمد إن السيارة التي يعمل سائقا لها لا يملكها، إنما تعود لأحد أقاربه، والذي أشفق عليه من أجل أن يعمل، عوضا عن استمراره في البحث عن عمل أو الجلوس في البيت.
أما عمر فيرد على سؤالنا بشأن ابتعاده عن العمل في تخصصه الدراسي بالقول: أرهقتني كثرة المراجعات إلى الوزارات العراقية، ولم تبق وزارة واحدة لم أخطب ودّها بطلب رسمي للتعيين، وإحدى هذه الوزارات أدخلتني في دائرة الأمل، حينما طلبت مني شهادة التخرج، ورحت أراجعها بشكل مستمر، بالإضافة إلى إخضاعي إلى سلسلة من الاختبارات والدورات التأهيلية لمدة أربعة أشهر، والنتيجة الانتظار بلا تعيين طبعا.
وأضاف عمر: "أمر من الصعب تصديقه في العراق البلد الغني بالنفط ومختلف الثروات، فكيف لشاب أكمل الدراسة الجامعية، ونال درجة البكالوريوس أن ينهي مسيرته الدراسية في مجال بعيد كل البعد عن تخصصه وطموحه؟".
أما الخريج يوسف حمادي وهو حاصل على شهادة في الإعلام من جامعة بغداد، فيعاني من ذات المتاعب التي يعاني منها الشباب الآخرين من الخريجين في العراق، حيث لا فرصة عمل مناسبة، ما دفع بيوسف للعمل في "سوبر ماركت" للمواد الغذائية في حي العامرية ببغداد منذ أكثر من شهرين، بعد ما كان حبيس المنزل لسنوات.
وقال يوسف: "إن تعيين الخريجين الجدد في الوقت الحالي أصبح مشكلة عويصة، يعاني منها كل العراقيين الشباب، وبالنسبة لي لم أترك فرصة و لا شخصا و لا وزارة إلا وطرقت بابها، من أجل الحصول على تعيين، والعمل في اختصاصي الإعلامي وعملي في هذا "السوبر ماركت" هو عمل مناسب جدا في الوقت الراهن، ويوفر لي 500 ألف دينار عراقي شهريا (نحو 430 دولار أميركي)، وهو مبلغ كبير وجيد لشاب مثلي لا يزال عازبا، ولا توجد لدي أي التزامات عائلية في تحمل أي مسؤولية مالية، ولا داعي أبدا لتذكيري بالإعلام وشهادتي الجامعية التي أضعها اليوم على رف من رفوف مكتبتي، وينهش بها الغبار من جميع الجهات".
أما الشباب قصي وليد الحاصل على شهادة البكالوريوس في الفيزياء، و الذي يعمل حارسا أمنيا أمام إحدى الشركات الأهلية، فيروي مأساة الحصول على وظيفة للخريج في العراق، فيقول: "مرت خمس سنوات على تخرجي من الجامعة، لم أتمكن من الحصول على أي فرصة عمل مناسبة، لذا أعمل حاليا حارسا أمنيا، وهي مهنة شاقة جدا، وخطرة أيضا. وتعرضت لمواقف إطلاق نار أكثر من مرة، كما تعرضت لهجوم بسيارة مفخخة، كادت أن تودي بحياتي، ومع ذلك فأنا أفضل من بقية الزملاء الذين تطوع بعضهم للعمل في الجيش، أو في الحراسات الأمنية الخاصة".
ورغم هذه الظروف، وندرة الحصول على فرص عمل مناسبة، إلا أن تلمس الإصرار وروح الأمل التي تملأ الخريجين، تؤكد بأن يوم الفرج لابد من أن يأتي، وبحسب لسان حال بعضهم فإنه على المرء أن يسعى جاهدا أمام أبواب الوزارات والحكومة، لأنها السبيل الوحيد للكسب ضمن التخصص. وإذا لم ينجح في الحصول على الوظيفة فهناك حلان، إما الهجرة خارج الوطن بشرط أن تكون الهجرة مضمونة، أو الاتكال على الله والدخول في دهاليز مهلكة، وتحمل المحسوبية وتقديم الهدايا، حتى يتمكن من الحصول على وظيفة عسكرية في الشرطة أو الجيش أو الحراسات الخاصة، أو العمل في مهن يدوية مختلفة، وبعيدة كل البعد عن التحصيل الدراسي الجامعي، ما يضاعف من مأساة الخريجين العراقيين، الذين تتسع أعدادهم بشكل مطرد، ليشكلوا جيشا من العاطلين عن العمل.