يبدو أن فضيحتنا صارت دولية، وتجاوزت الحدود الإقليمية للمحروسة!.
فالناشطة التونسية "عبير الفقيه"، المقيمة في بلاد الخواجات، لفت انتباهها وهي التونسية، التي لا تعيش بين ظهرانينا، التباين الواضح في خبر واحد بين صحيفتين مصريتين، من الصحف التي تمثل أذرعاً إعلامية للانقلاب ولشخص عبد الفتاح
السيسي..
الصحيفة الأولى وهي "المصري اليوم" نشرت أن عبد الفتاح السيسي تناول إفطاره في صباح يوم الجمعة، مع عمال المشروع الجديد لقناة السويس، فكان الإفطار "فول وطعمية"، في حين أن جريدة "الوطن" نشرت أن الإفطار كان "جبنة وزبادي".
السيسي يبدو أنه شعر في فجر الجمعة، أن النوم يجافي عينيه، فقرر أن يقوم بطلعة إلى القناة، يعمل فيها مشرف عمال، ما دام قد فشل في أن يقوم بدور رئيس الجمهورية. وعندما أطلعت علي الخبر في البداية منشوراً في الصحف والمواقع التابعة له ولانقلابه، وجدت أنها اكتفت بنقل تصريحات السفير إيهاب بدوي المتحدث باسم رئاسة الجمهورية "نقل مسطرة". والذي ذكرني بتصريحاته شخص العقيد أحمد محمد علي، "جاذب السيدات"، بحسب تعبير السيسي. فقد كان يعمل متحدثاً إعلامياً باسم الجيش، ولأن المسألة في بيتها، فقد انتقل مع السيسي في حملته الانتخابية بالمخالفة للقانون، وعندما صار السيسي رئيساً قام بترقيته، ليحال على المعاش وينقله معه متحدثاً إعلامياً باسم الرئاسة، ومن يومها لم نقرأ له تصريحاً، يبدو أنه في حالة بيات صيفي أو أنه يقوم بشحن جاذبيته استعداداً للانطلاق!.
بدوي أرسل الخبر مكتوباً للصحف فالتزمت بالنص، لتبدأ فقرات التصريح بـ "صرح.. أشار.. تابع.. أضاف.. السفير إيهاب بدوي"، ولأننا عدنا لزمن "المانشيت الموحد"، الذي كنا نقرأ عنه في كتب التاريخ، باعتباره ينتمي لصحافة الستينيات في مصر، فقد كان العنوان الرئيس لـ " الأذرع الإعلامية" واحداً تقريباً: " السيسي يزور موقع
قناة السويس فجراً".. وتدخلت المساحة لتقرر التعامل مع الفقرة الثانية الخاصة بالخبر المرسل من الرئاسة، فبعض الصحف وضعتها وبعضها حذفتها وهي: .." ..ويتناول الإفطار مع العمال".
الصحف التي اتسعت المساحة فيها للنشر الكامل للمانشيت المرسل من الرئاسة أو من جهة سيادية أخرى لا نعلمها، الله يعلمها، كان تناول الإفطار في العنوان فقط، ولا ذكر له في المتن. ويبدو أن مواقع هذه الصحف انتبهت لذلك في وقت واحد، فاجتهدت مع النص، لتنشر "الوطن" أن الإفطار كان " زبادي وجبنة"، وكان في "المصري اليوم"، " فول وطعمية"!.
هذه الزيارة تأتي بعد ثلاثة أيام من افتتاح العمل في هذا المشروع الهلامي، بشكل يمثل افتعال أمر يجعل من عبد الفتاح السيسي خبراً. ويبدو أنه لا يوجد له عمل يؤديه سوى هذه الطلعات الأرضية.. طلعة بالدراجات.. وطلعة لزيارة العمال!.
فالأصل في هذه الزيارات التفقدية أنها تأتي للاطمئنان على سير العمل، ولا يعقل أن يكون هناك انجاز حدث في الأيام الثلاثة يستدعي هذه الطلعة والناس نيام ليتفقدها، ثم إن التفقد يكون بالنهار، والعمال في مواقع العمل، وليس بمداهمتهم فجراً، لأنه لا يعقل أن يكون العمال الذين يقضون يومهم في العمل الشاق وتحت الشمس الحارقة، في حالة تسمح باستقبال زائر الفجر، وفي فترة يحلو فيها "النوم"، اللهم إلا إذا كان السيسي يظن أن العمال يقضون ليلهم يشاهدون "روتانا سينما".
اللافت أن زيارة السيسي التي بدأت في الخامسة فجراً استمرت لمدة خمس ساعات، وإذا اعتبرنا أن العمل بالفعل يقوم علي قدم وساق، لكانت هذه الزيارة معوقة، وقد قال للعمال " مش عايز اعطلكم"، وإن كان قد وعد بأنه في كل فترة سوف يأتي ليزورهم.. يبدو أنه وجد عملاً أخيراً، وهو له باع في الأعمال التي تندرج تحت "الشو الإعلامي"، وإذا كانت ميزانية الدولة المصرية تحملت ألفي دراجة في أربعين ألف جنيه، فإنه خروجه يوميا في سباق للدراجات سيفقدها تأثير أول طلعة، ثم أن حكومته رئيساً ووزراء تبدو أنها ماتت قبل ذلك وأنهم في مرحلة عذاب القبر، وهم صحياً لا يمكنهم أن يتحملوا هذا العذاب!.
لقد افتقدنا في زيارته التفقدية رئيس حكومته، فلم يحضر أي مسؤول مدني وبدا المشهد كله عسكريا، كما لو كان سيادته لا يزال وزيرا للدفاع وفي زيارة تفقدية لإحدى وحدات الجيش.. وهذا هو بيت القصيد!.
عموماً ها هو عبد الفتاح السيسي يجد ضالته، في مشروع هلامي غير واضح، والواضح منه يثير الريبة والشكوك في الإقدام عليه.. فليس هذا هو مشروع الدكتور محمد مرسي فالسيسي يتحدث عن حفر قناة جديدة، دون حديث عن جدواها اقتصادياً، ربما ليجد المبرر لجمع المائة مليار جنيه التي يريد جمعها لصندوق "تحيا مصر" التي يريدها على جنب. فهذه هي المرة الأولى التي يطلب فيها رئيس دولة، أو حتى ولي أمر أسرة، أموالاً على جنب بعيداً عن ميزانية الدولة، أو ميزانية المنزل، وبعيداً عن رقابة الأجهزة الرقابية، أو رقابة "أم العيال".
وقد أسرف مؤخراً في الحديث عن المال الكثير الذي يريده "علي جنب"، ومن قبل قال إن هذا المال سيذهب لتنمية العشوائيات.. ثم قال إنه سينفقه على "مشروع العمر" في السويس، وإذا به يريد مثلهم لتنمية المحافظات، ومثلهم لمجابهة نقص المياه لثلاث سنوات وهي مرحلة بناء سد النهضة!.
اللافت هو ما قاله السيسي في زيارة الفجر، إن " بلدنا مكسور خاطرها".. باعتبار أن مشروع القناة وهو "حاجة جميلة"، بحسب قوله، سيجبر هذا الكسر!.
فاته أن مصر لم يكن مكسورا بخاطره وهي تسقط واحداً من أكبر الطغاة في المنطقة في ثورة عظيمة هتف بعدها المصريون "ارفع رأسك فوق أنت مصري"
ومصر لم يكن مكسوراً بخاطرها وشعبها يقرر مصيره في خمس استحقاقات انتخابية وهو يعلم أن لصوته قيمة لأول مرة في تاريخه!.
ومصر لم تكن مكسورة الخاطر وهي تختار حاكمها بنفسها!.
لقد عادت مصر "مكسورة الخاطر" بسبب هذا الانقلاب، الذي جاء بك رئيساً لتجرب فشلك فيها.
ما علينا، فالأهم من كل هذا هل كان طعام الإفطار "فول وطعمية"، أم " زبادي وجبنة"؟..
الغريب أن "المصري اليوم" لم تقل هل الزيت المستخدم لفول إفطاره هو "زيت حار"، أم زيت عافية"؟.. تماماً كما لم تقل لنا "الوطن" من باب الأمانة الصحفية، هل "الجبنة" التي أفطر عليها السيسي " اسطنبولي" أم " فلامنك"؟!.
ثكلتكم أمهاتكم فقد أضحكتم علينا دول الجوار.