بعد أن دفعته أيدي اليمين الإسرائيلي المتطرف، كان سهلاً طلوع رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" حتى قمّة الشجرة، في أعقاب استعمالهم سلّماً جيداً، تمثل في عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة مطلع حزيران/يونيو الماضي، لشن
الحرب على قطاع
غزة، لتحقيق عدة أهداف إستراتيجية، تتمثل في
ردع السلطة الفلسطينية التي تمردت على إسرائيل في شأن العملية السياسية، وأن لا بد أن تصحيحها لخطئها في خطّة المصالحة الوطنية، ومحو حركات المقاومة وبخاصة حركة حماس التي تمثل بالنسبة لها المعضلة الأكبر ضد بناء وتطوير المشروع اليهودي بشكلٍ عام، لكنه إلى الآن وعلى مدار أكثر من ثلاثة أسابيع متتالية من العدوان، لم يحقق شيئاً، ولم تساعد الأيدي الدافعة في إنزاله.
براً وبحراً وجواً، آلاف الأطنان من الأسلحة (مختلفة ومحرّمة) أُلقيت بأمره بعنف ضد القطاع الصغير، قتلت من قتلت، ودمرت ما استطاعت تدميره، لكنه لم يحصل على اتفاق لوقف النار، على الرغم من استجدائه للكل وبخاصة الولايات المتحدة لتشغيل ولو هدنة ما، لكن الأمر خرج من يده هذه المرة، بسبب أن مسألة النزول هي فقط بيد حركة المقاومة، حينما سخرت من قبول هدنة لا تفي بالمتطلبات الفلسطينية، جعلت "نتانياهو" طوعاً أو كرهاً نادماً أكثر على إقدامه على الحرب، فبدل أن كان يأمل من وراء عدوانه في تحقيق أحلامه بجلب منافع لإسرائيل على الصعيد التفاوضي، وبإبادة حركات المقاومة على الصعيد الأمني والعسكري، أصبح يُمثل بالنسبة إليه كوابيس مرعبة لا تغيب عن خياله لحظةً ما، وتمنى أن لو اكتفى بإجراءاته المؤلمة التي نفذها ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.
جولة الحرب هذه، لم تشكل لإسرائيل ككل آلاماً واحدة، بل آلاماً متوالدة تباعاً، فعلاوةً على الاحتكاكات على الصعيد الداخلي بين الجيش وأجهزة المخابرات والحكومة، تنذر بعاصفة داخلية لاتهامات متبادلة بالفشل، فهناك تقلبات في المزاج الدولي ضد إسرائيل بشأن مبالغتها في العدوان بصورة مفجعة، بعد أن كانت تؤيّد فكرة إسرائيل في الدفاع عن نفسها، والأخطر من ذلك كله، أنها وجدت نفسها أمام مقاومة صلبة متمكنة وقادرة، ليس على صد العدوان فقط، وإنما على تحقيق إنجاز (ردع وتحرير).
محللون إسرائيليون توجهوا بعد هذه المدّة الطويلة من العدوان، نسبةً إلى العدوانين السابقين، الرصاص المصبوب 2008، وعمود السماء 2012، بالدعوة علانيةً إلى ضرورة الاعتراف بأن أمال النجاح في تحقيق الأهداف الإسرائيلية، انتقلت ولا شك إلى انتصار لحركة المقاومة وإلى حماس بالتحديد، وأن إسرائيل تعيش أياماً صعبة، سيما وأن حركات المقاومة وحماس لا تزال لديها القدرة على استخدام أساليب حربية متطورة، ربما تفوق على خبرات إسرائيلية وجيوش دولية أخرى، كونها أحدثت تغيرًا استراتيجياً في الصراع مع الجيش الصهيوني وحققت توازنًا مناسباً للردع، بعد أن تميّز طوال عقودٍ طوال بأنه الجيش الذي ينتصر في حروبه فقط.
فعلى الرغم من الاستدعاءات المتتالية، لجلب كميات إضافية من الاحتياط الإسرائيلي باتجاه التصعيد، والمرفقة بتصريحات شديدة اللهجة التي صدرت من "نتانياهو" وبعضاً من أعضاء حكومته بضرورة تحقيق أهداف مشرّفة لإسرائيل، وأقلّها بأن العملية العسكرية ستتواصل ضد المقاومة داخل القطاع، وأن من غير الممكن القبول بأيّة اقتراحات لا تسمح للجيش الإسرائيلي من إكمال المهام الموكلة إليه والضرورية لأمن المواطنين الإسرائيليين، والمتمثّلة بمسح البنية التحتية العسكرية لحركة حماس، إلاّ أن الواضح وما تثبته الوقائع الميدانية، لن يكون لذلك الجلب أي تأثير يُذكر، كما أن التصريحات والإجراءات، سرعان ما تذوب في مقابل مفاجآت المقاومة، وسواء بالنسبة لكيفية المواجهة أو نوعها أو كميّتها، حيث عانى الجيش الإسرائيلي، أقصى درجات الخوف والإرباك بسببها، وتكبد خسائر مادية وبشرية فادحة، يُكابد الجيش جهده في إخفائها، واقتصادية مذهلة أيضاً، يُكابر قادة ومسؤولون سياسيون وعسكريون في إمكانية تغطيتها حتى فيما لو استمرت الحملة ثلاثة أشهر متتابعة.
ليس حكومة نتانياهو فقط، بل المعارضة أيضاً، لا يضرّهما فشلهما في تحقيق إنجاز في هذه الجولة، بسبب أخذهما العبر لجولات قادمة، وهما لا تُخفيان تعجلهما لوقف النار، ولكن ما يفتّ من عضدهما ويهدد المصير الصهيوني، هو أن الدولة ككل، على شفا أن تظهر أمام الداخل بأنها أضعف بكثير مما كانت عليه من القوة المانعة، في شأن حفظ السكان الإسرائيليين بغلاف أمني مستمر، وأن ترى نفسها أمام المجتمع الدولي في موضع الحرج بسبب مغالاتها في العدوان، الذي لا يكاد يرى سوى سقوط الأبرياء، ومن لا دخل لهم بالحروب من الشيوخ والنساء والأطفال، كما أن إجراءات العدوان المختلفة، أجهزت على أجزاء مهمّة من الاقتصاد الإسرائيلي المتهرئ في العادة، والأهم من ذلك كله، أن الفشل الأكبر في تحقيق إنجاز ما، أمام مئات قليلة من عناصر المقاومة، يعني أن إسرائيل أمام نهاية شعار الردع أمام ?إيران في الشرق وحزب الله في الشمال، وجبهات أخرى محتملة، تلك النهاية التي ربما – في المستقبل القريب- تنذر بغياب إسرائيل عن الخارطة الشرق أوسطية.