في خضم تصريحات أقرب إلى الحرب النفسية بين
إسرائيل وفصائل
المقاومة الفلسطينية، يبدو مستقبل
المبادرة المصرية التي طرحتها لتهدئة الأوضاع في قطاع غزة المشتعل، مجهولا بعد أن وقعت في فخ التصريحات المتضاربة.
ويبدو مستقبل المبادرة مرهونا بالنتائج التي ستحقق على الأرض، في معركة "عض الأصابع" بين إسرائيل والمقاومة، فإما تجبر المقاومة وفي مقدمتها حركة
حماس على الرضا بما جاء بها، أو تدفع في اتجاه تعديلها وتحقيق شروطها.
وطرحت مصر في الرابع عشر من الشهر الجاري، وبعد نحو أسبوع من بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، مبادرة لوقف إطلاق النار في غزة، نصت على وقف "الأعمال العدائية" بين إسرائيل وفصائل فلسطينية وفتح المعابر وتسهيل حركة عبور الأشخاص والبضائع، عبر المعابر الحدودية في ضوء استقرار الأوضاع الأمنية على الأرض.
وبعد نحو ثلاثة أسابيع من طرح المبادرة التي رفضتها حركة حماس والفصائل الفلسطينية معتبرة أنها لا تلبي مطالب الفلسطينيين، ولا سيما رفع الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ عام 2006، جاءت التصريحات المتعلقة بوضع المبادرة محل نقاش فلسطيني داخلي متناقضة.
فبينما تنقل الصحف والمواقع الإلكترونية تصريحات عن قيادات بحركة فتح، حول وصول وفد من ممثلي الفصائل الفلسطينية "حماس" و"فتح" و"الجهاد"، إلى القاهرة الأربعاء لإحياء المبادرة المصرية، قال موسى أبو مرزوق القيادي بحركة حماس إن "الوفد الفلسطيني لم يصل بعد".
وأوضح مصدر مقرب من حماس أن عدم وصول الوفد حتى الآن، إنما يشير إلى وجود مشاكل في الأهداف التي يسعى الوفد لتحقيقها من الزيارة.
وأعلن أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه، الثلاثاء، في مؤتمر صحفي، عن تشكيل وفد يضم الفصائل الفلسطينية الثلاثة لبحث كل ما يتعلق بالمرحلة المقبلة، غير أن التصريحات التي صدرت بعد ذلك عن قيادات حركة فتح، تؤكد أن محور المناقشات سيكون حول إحياء المبادرة المصرية.
حركة حماس من جانبها، أعلنت تمسكها بشروطها، وهي التي لا تحققها المبادرة المصرية من وجهة نظرهم، وأهمها رفع الحصار عن غزة، وإسرائيل هي الأخرى تتمسك برفض شروط حماس. وتصريحات المسؤولين المصريين تؤكد من ناحية أخرى حتى الآن أنه لا تعديلات على المبادرة المصرية.
غير أن تصريحات نقلتها صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، الأربعاء، عن مسؤول فلسطيني لم تكشف عن هويته، تقول إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتصل هاتفيا برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس "أبو مازن"، واتفق معه على أن تأتي الفصائل الفلسطينية لاجتماع في القاهرة بموقف موحد.
وقال المصدر: "مصر مستعدة للأخذ بالملاحظات التفسيرية الفلسطينية المكملة لمبادرتها إذا اتفقت حركتا حماس والجهاد الإسلامي على هذه الملاحظات".
وفي اليوم نفسه تقول تصريحات صحفية نقلتها عده صحف ومواقع الكترونية، إن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، بحث هاتفيا مع كل من نظيره المصري عبد الفتاح السيسي وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني الأزمة في غزة من أجل "تحريك مبادرة عربية لإغاثة سكان القطاع ووقف العدوان الإسرائيلي".
وتناقلت المواقع أنهم اتفقوا على تعديلات في بنود المبادرة المصرية تتضمن عدة بنود وهي: وقف إطلاق نار مؤقت لمدة خمسة أيام، على أن تبدأ خلال الأيام الخمسة محادثات بين وفد فلسطيني موحد يضم حماس والجهاد تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، وبين إسرائيل في القاهرة وبوساطة مصرية".
المقاومة من ناحيتها ورغم أعداد القتلى من المدنيين وما أصاب قطاع غزة من دمار، تؤمن بقدرتها على تحقيق النصر، وهو ما عبر عنه اليوم القيادي بحركة حماس موسى أبو مرزوق عبر حسابه على موقع " تويتر" بقوله: "بقاء قوات الاحتلال في مكانها يجعلها عرضة للاستهداف، ولذلك أمامها خياران إما التقدم أو الانسحاب، التقدم غرق في رمال غزة، والانسحاب هزيمة بلا رتوش".
ورغم تفوق قوات الاحتلال الإسرائيلي في سلاح الطيران الذي يمكنها من استهداف المدنيين والبنية التحتية، إلا أن المقاومة من ناحيتها وصلت إلى قناعة بأنه ليس هناك ما تخسره أكثر مما خسرته.
وقال أبو مرزوق في تصريحات سابقة: "بعد ما خسرناه نريد أن نخرج من هذه الأزمة بحلول دائمة، بدلا من أن نكون على موعد مع معركة أخرى بعد عامين أو ثلاثة".
وعلى الجانب الآخر، قبلت إسرائيل بالمبادرة المصرية كحل وحيدا للأزمة، رافضة في ظل عدم التجاوب معها أي أفكار أخرى للتفاوض قد تؤدي لتحقيق تلك الشروط التي وضعتها حركة حماس، وهو ما أدى إلى فشل كل الجهود الدبلوماسية التي بذلت خلال الفترة الماضية.
وفي ظل تمسك طرفي الأزمة برأييهما وغياب ما يمكن تسميته بـ "الحلول الوسط" التي تسعى مصر وبعض الأطراف الدولية للوصول إليها، يضغط كل طرف بما يملكه من أدوات بما فيها "سلاح التصريحات"، ساعيا لانتزاع صرخة عدوه في حرب عض الأصابع".
وتبدو حرب التصريحات هي أحد أساليب "الحرب النفسية"، التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في هذه الحرب، ردا على استخدام الاحتلال الإسرائيلي الأسلوب نفسه.
ويدعم كل من طرفي الأزمة تصريحاته بإجراءات تبدو في صالحه من وجهة نظره، فإسرائيل تكثف من هجماتها بسلاح الطيران تجاه القطاع، والمقاومة ترد بصواريخ أقل فتكا وقوة تصل إلى داخل إسرائيل، وتسبب حرجا معنويا قبل أن يكون ماديا للحكومة الإسرائيلية.
وتحتاج إسرائيل للقضاء على تلك الصواريخ إلى التوغل داخل قطاع غزة، ولكن هذه العملية باعتراف المحللين الإسرائيليين أنفسهم "صعبة".
وقال أفي لسخاروف، المحلل السياسي في موقع (والا) الإخباري الإسرائيلي، في تصريحات سابقة إن "انتقادات وجهت لنتنياهو في إسرائيل، بسبب عدم المس بالأنفاق، ولذلك فإن العملية البرية التي أعلن الجيش الإسرائيلي عنها تتركز على الأنفاق، ولكن عندما تدخل في عمق غزة فلا تدري إلى أين ستتجه الأمور".
وأعلنت إسرائيل، عن بدء العملية العسكرية البرية ضد قطاع غزة، مساء يوم الخميس 18 تموز/ يوليو الجاري، من أجل ضرب الأنفاق التي تخرج من قطاع غزة وتدخل الأراضي الإسرائيلية، ومنع إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل من القطاع.
وحتى إعلان بدء العملية لم تستطع إسرائيل التوغل داخل القطاع مكتفية بإطلاق الصواريخ التي تدمر المنازل والبنية التحتية وتستهدف أغلبها المدنيين وبينهم نساء وأطفال، لكن كل ذلك لا يحقق الأهداف التي تسعى إليها.
فهل تصمد المقاومة أمام تلك الصواريخ وتتمسك حتى النهاية بشروطها رغم الخسارة المادية والبشرية، أم تضطر الحكومة الإسرائيلية للقبول بشروط المقاومة، تجنبا للمعادلة الصعبة التي تواجهها؟
وتتلخص المعادلة التي يتعين على قوات الاحتلال الإسرائيلي التعامل معها إذا رفضت الهدنة وفق شروط المقاومة، في أن بقائها بمكانها يعرضها للاستهداف. وبالتالي، فهي إما أن تتقدم وتواجه الخسارة البشرية في عمق غزة أو تنسحب، وكلا الخيارين مر.