فر معظم السكان المسيحيين من مدينة
الموصل الشمالية في
العراق ولم يكد يبقى منهم أحد لينتهي وجودهم الذي استمر على مدى ما يقرب من 2000 عام وذلك بعد أن حدد لهم تنظيم الدولة الإسلامية مهلة انتهت ظهر يوم السبت للخضوع للحكم الاسلامي أو الرحيل.
وأدى الإنذار الذي وجهته "الدولة الاسلامية" إلى خروج بضع مئات من المسيحيين كانوا قد بقوا عندما اجتاح مقاتلو "الدولة الاسلامية" مدينة الموصل قبل نحو شهر وهددوا المسيحيون وأفراد طوائف دينية أخرى.
وهذا الأسبوع منح تنظيم "لدولة الاسلامية" من بقي من المسيحيين فرصة الاختيار إما باعتناق الاسلام أو دفع الجزية أو مواجهة حد السيف.
وقال أسقف كاثوليكي من الموصل إن 150 عائلة مسيحية رحلت في الأيام الأخيرة وإن قيادات الكنيسة نصحت الأسر القليلة التي أرادت التفاوض مع المتشددين بالرحيل من أجل سلامتها.
ووصف المسيحيون هروبهم بأنه خسارة تاريخية.
وقالت إمرأة في الستينات هربت يوم الجمعة إلى بلدة الحمدانية التي تقطنها أغلبية مسيحية وتخضع لسيطرة قوات الأمن الكردية إلى الجنوب الشرقي من الموصل "عشنا في المدينة وكانت لنا حضارة على مدى آلاف السنين وفجأة جاء أغراب وطردونا من بيوتنا."
وقال رجل مسيحي تحدث بشرط عدم نشر اسمه "الدولة الاسلامية أوقفت أقاربي في نقطة تفتيش أثناء هروبهم وعندما اكتشفوا أنهم مسيحيون أخذوا منهم كل ما يحملونه بما في ذلك هواتفهم النقالة."
وأضاف متحدثا من الحمدانية "لم يتركوا لهم سوى الملابس التي يرتدونها."
وقال سكان إن "
داعش" أذاعت الإنذار من مكبرات الصوت في المساجد وكتبت حرف "ن" على ممتلكات المسيحيين لتوضيح أنها ممتلكات نصرانية.
وأبدى زعماء دينيون انزعاجهم لهذا الأمر. وقال لويس روفائيل ساكو بطريرك الكلدان الكاثوليك في بيان نشر على موقعه الرسمي إنه ليس سرا مدى العواقب الوخيمة التي قد تترتب على التعايش السلمي بين الاغلبية والاقليات وكذلك بين المسلمين أنفسهم في الاجل القريب وفي الأجل البعيد."
قلب بلاد ما بين النهرين
تقع الموصل على الناحية الأخرى من نهر دجلة في مواجهة مدينة نينوى القديمة في قلب بلاد الرافدين. وقد ازدهرت في وقت كانت فيه المنطقة التي أصبحت العراق في العصر الحديث تعتبر "مهدا للحضارة" وعلى مدى قرون أظهر سكانها أهمية العراق كمفترق طرق للتجارة والثقافة.
ويتضح مدى تداخل الديانتين الاسلامية والمسيحية في الموصل اليوم من خلال وجود قبر النبي يونس الذي ورد ذكره في الانجيل وفي القرآن في أحد مساجد المدينة.
وأصبح هذا المسجد عرضة للتدمير مع مساجد أخرى في الموصل تعتبرها "الدولة الاسلامية" من مظاهر الشرك بالله.
وكانت مدينة الموصل أكبر مدن شمال العراق في فترة من الفترات من بين أكثر مدن البلاد مزجا للاديان. وأدت موجات من الهجمات على المسيحيين منذ اجتياح القوات الامريكية العراق عام 2003 للاطاحة بصدام حسين إلى تقلص سكانها من المسيحيين وخاصة من الاشوريين والكلدانيين.
وقال نبيل خشت المسيحي الذي انتقل منذ سنوات إلى إربيل في اقليم كردستان "إنها كارثة ... لا أعتقد أن هناك قدرا أسوأ من ذلك."
رؤية سنية خالصة
ومنذ اجتياح الموصل في العاشر من يونيو/ حزيران الماضي في بداية هجوم خاطف عبر شمال العراق اتخذ تنظيم الدولة الاسلامية تدريجيا خطوات تماثل الأساليب التي اتبعها في سوريا منذ استولى على مساحات في الشمال الشرقي العام الماضي.
وتشابه المرسوم الذي أصدرته "الدولة الاسلامية" في الموصل مع مرسوم أصدره مقاتلوها في مدينة الرقة السورية في فبراير/ شباط الماضي طالبوا في المسيحيين بدفع الجزية ذهبا والحد من مظاهر ديانتهم مقابل حمايتهم.