لم تعد وزارة الداخلية المصرية حاضرة في المشهد السياسي والأمني بمصر فقط؛ بل أضحت مكونا أساسيا للمشهد الدرامي الرمضاني من خلال ظهورها اللافت فى 8
مسلسلات رمضانية، ما أثار جدلا كبيرا في أوساط النقاد والمشاهدين حول الصورة الذهنية "المثالية" التي تحاول هذه المسلسلات طبعها في ذهن المشاهد عن ضباط الشرطة، بحسب متابعين.
ففي الوقت الذي يرى البعض هذا الأمر من قبيل الصدفة أو عكسا لواقع مصر الجديد، يراه آخرون محاولة لتجميل صورة الداخلية، ومسح الصورة الذهنية السلبية المرتبطة بها في ذهن المواطن والتي أدت لنشوب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.
وكانت ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، اندلعت في يوم الاحتفال بعيد الشرطة، اعتراضا من شباب الثورة على ممارسات العنف التي انتشرت بأقسام الشرطة ومقار الاحتجاز مما أدى لموت الشابين خالد سعيد وسيد بلال واللذين يعتبرهما نشطاء حقوقيون أيقونتي الثورة المصرية.
ويتصدر هذه المسلسلات "صاحب السعادة" الذي يجسد فيه الممثل خالد زكي دور وزير داخلية صارم لا يعترف بالواسطة والمحسوبية، فنجله الضابط الممثل محمد عادل إمام، وصل إلى هذا المنصب باجتهاده وعمله، ويتهرب دائما من تعريف من حوله بأن والده هو وزير الداخلية حتى لا يخشوه ويعاملوه بشكل طبيعي.
أما زوجته الممثلة نهال عنبر، فهي رئيس مصلحة الجوازات، التابعة للداخلية، ومع ذلك حينما ترتكب خطأ في عملها يقوم زوجها وزير الداخلية بإيقافها عن العمل، وتحويلها لديوان الوزارة، وقال لها حينها إن صلة قرابته بها لن تمنعه من اتخاذ القرار المناسب ضدها إذا ما أخطأت ولو بدون تعمد.
أما في مسلسل "تفاحة آدم"، فتركز أحداثه كثيرا على ما يعانيه رجال الشرطة من صعاب للقيام بوظيفتهم في حفظ أمن المجتمع من خلال شخصية ضابط شرطة، يُقتل ابنه أثناء قيامه بالدفاع عن قسم الشرطة الذى يعمل به، ويتخلل العمل تلميحات بأن الجماعات الإرهابية نجحت في اختراق الوزارة ما سهل مهمة تنفيذ عمليات إرهابية تستهدف الشرطة ورجالها.
وفي المسلسل ذاته، يدور حوار بين ضابطتي شرطة تسأل إحداهما الأخرى: "إزاى (كيف) الناس فرحت فينا وفى الداخلية، بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني، لمجرد تجاوزات عادية تحدث في أي مكان؟"، فترد زميلتها "مليون بق (فم) مفتوح عشان (من أجل) النفخ فى النار".
وفي مسلسل "فيفا أطاطا"، جسد الممثل سامي العدل شخصية مأمور سجن يجمع ما بين الصرامة والحنان والمودة؛ فابنته تعاني من مرض نفسي يجعلها منفصلة عن الواقع، ولكنها تشفى من هذه العقدة على يد "أطاطا" إحدى السجينات؛ فيقوم مأمور السجن بتهريب السجينة بسبب تعلق ابنته الشديد بها، وفي سبيل ذلك يقنع كل من في السجن أنه سيودعها سجنا انفراديا للتأديب.
أما مسلسل "دلع بنات"، فيجسد من خلاله الممثل طارق صبري دور ضابط المباحث "علاء" وهو شخصية حالمة تهوى الرسم ويركز العمل على الجانب الإنساني من حياته.
بينما يجسد الممثل أحمد صفوت شخصية ضابط شرطة يدعى "طارق" في أحداث مسلسل "الصياد"، ويتولى مهمة البحث عن مجرم شديد الخطورة ما يجعله يصطدم مع الواقع ويعرِّض نفسه للمخاطر.
وفي رمضان هذا العام أيضا يتنافس مسلسلان على تقديم صورة الضابطات في وزارة الداخلية، الأول هو مسلسل "كيد الحموات"، الذى تقدم فيه الممثلة ماجدة زكي دور "العميدة نور" مأمور سجن القناطر، شمالي القاهرة، التي تتعامل بجدية القانون مع كل من حولها حتى بناتها الثلاث.
أما المسلسل الآخر وهو "سجن النسا" والذى تجسد فيه الممثلة نيللي كريم دور فتاة تتوفى والدتها وتضيق بها ظروف الحياة ما يدفعها للعمل كسجانة في سجن القناطر، لتوفير سكن لها كسكن السجينات، وراتب شهري ثابت، فضلا عن الامتيازات التي توفرها الدولة لمن يمتهن هذه المهنة.
أما مسلسل "عد تنازلي"، فقد غرد خارج السرب قليلا بتقديمه لنموذجين من رجال الشرطة، الأول يجسده الممثل طارق لطفي وهو ضابط شرطة عانى الكثير من الأزمات ما اضطره للحصول على إجازة مطولة ليكتشف مدى الضغوط التي يعانيها رجال الشرطة في عملهم مما يؤثر على حياتهم الخاصة.
وفي المقابل، يجسد الممثل محمد فراج دور ضابط شرطة يدعى "بهاء" يتعامل بمنتهى القسوة والعنف مع المتهمين في القضايا التي يتولى التحقيق فيها.
خالد زكي الذى يجسد دور وزير الداخلية في مسلسل "صاحب السعادة"، اعترف في تصريح لوكالة الأناضول، عبر الهاتف، أنه قدم صورة الوزير بصبغة "ملائكية"، ولكنه استدرك قائلا: "هذه الصورة لا يوجد بها أي مبالغة، لأننا في مصر حتما لدينا مسؤولون بهذه الدرجة من النزاهة، كما أن الرجل ظهر منذ الحلقات الأولى بشخصيته الصارمة جدا، فلماذا نستبعد عليه أن يعاقب كل من يخالف القانون حتى لو كانت زوجته؟".
وأرجع زكي تقديم شخصيات ضباط الشرطة بهذا الشكل المثالي في كل مسلسلات رمضان إلى أن هذا "تعبير عن المحبة والتقدير التي يكنها الفنانون والشعب للشرطة بسبب دورها في حفظ الأمن والاستقرار بمصر".
بينما اختلفت معه في الرأي الناقدة ماجدة خير الله، التي قالت إن "الحكومة تدخلت قبل رمضان بأيام قليلة لمنع مسلسل "أهل إسكندرية" بسبب تناوله لتجاوزات بعض ضباط الشرطة".
ورفضت خير الله ما ذكره رئيس الوزراء إبراهيم محلب في تصريحات تلفزيونية عن أنه لم يتدخل بشكل مباشر لمنع المسلسل لكنه رأى أن الوقت غير مناسب لطرحه.
وقالت بلهجة ساخرة: "على كل مؤلف إذن أن يستأذن رئيس الوزراء قبل طرح أي قضية في عمل فني، كي نرى ما إذا كان الوقت مناسبا أم لا لطرحها وفقا لوجهة نظر رئيس الوزراء".
ومضت قائلة: "منع مسلسل "أهل إسكندرية" لم يكن فقط بسبب انتقاده لممارسات جهاز الشرطة في مصر، بل أيضا بسبب المواقف السياسية المعروفة عن صناع العمل وهم الممثلان عمرو واكد وبسمة والمؤلف بلال فضل".
وأكدت الناقدة المصرية أن "مسلسل "عد تنازلي" حاول الخروج قليلا عن الصورة الملائكية التي رسمتها دراما رمضان عن الداخلية وضباطها بتقديمه لدور ضابط أمن دولة يضطهد ويعذب شابا ما يدفعه للانضمام لجماعة متطرفة".
محمود قاسم، الناقد الفني، يرى أن "تدخل الحكومة لمنع أو حتى تأجيل مسلسل تلفزيوني لأنه ينتقد بعض تجاوزات الداخلية مؤشرا خطيرا".
وأضاف: "هذه المسلسلات الثمانية استقى مؤلفوها أفكارها من أخبار الحوادث التي تنشرها الصحف، وما يرد بها عن ضباط الداخلية ودورها في حفظ المجتمع، وهو نفس النسق الدرامي السائد في مصر عن أي عمل يتناول وزارة الداخلية حتى التسعينيات، ولم يخرج عن هذا النسق سوى أعمال قليلة جدا".
ولفت قاسم إلى أن "كل هذه المسلسلات لا عمق فلسفي لها ولا رسالة مجتمعية، ولكنها فقط تقدم تسلية للقارئ وصورة مسطحة جدا للمجتمع المصري".