بضعة أيام مرت على اختتام مؤتمر ضم أطيافا عديدة من العرب السنة
العراقيين في العاصمة الأردنية عمان، لكن شيئا جرى خلال المؤتمر أو بعده لا يوحي بأن ثمة تغييرات سياسية أو عسكرية قد تنتج عنه على الأرض في العراق.
ورغم ما يجمع المشاركين في المؤتمر، وهو أنهم جميعا من الذين لم ينخرطوا في العملية السياسية التي نشأت تحت عين الاحتلال الأميركي، ورغبة جميعهم "في الخروج بعيدا عن الخلاف قدر الإمكان"، بحسب المحلل السياسي عبدالحميد العاني، إلا أن غالبية هؤلاء المشاركين يفتقدون للنفوذ الحقيقي أو الواسع على الأرض في العراق، باستثناء بعض الهيئات مثل هيئة علماء المسلمين التي تملك رؤية سياسية "متماسكة" تقوم على رفض الاحتلال والعملية السياسية التي تمت بإشرافه، الأمر الذي منحها قوة معنوية خاصة بين أولئك العراقيين الذين انخرطوا في مقاومة الاحتلال بين الأعوام 2003-2010، والذين ينحدر غالبيتهم من طائفة العرب السنة.
وشارك في المؤتمر ممثلون عن التيار السلفي والإخوان المسلمون والمجلس السياسي للمقاومة العراقية، وممثلون عن شيوخ العشائر من سبعة محافظات عراقية، وكذلك ممثلون عن مجموعات كانت تنتمي لحزب البعث الحاكم قبل الاحتلال.
غير أن امتناع هيئات مثل مجلس ثوار العشائر الذي ينضوي في صفوفه آلاف المسلحين، وكان لهم دور كبير في إنهاء سيطرة حكومة
المالكي على الموصل وتكريت ومدن الأنبار عن المشاركة في المؤتمر، كما أوضحت مصادر عراقية مطلعة على ترتيبات المؤتمر، يقلل من أهمية المؤتمر ومدى تأثير دعواته على أرض الواقع في العراق.
وتقول المصادر العراقية إن مجلس ثوار العشائر امتنع عن المشاركة في المؤتمر "كونه يجري على أرض غير عراقية"، كما أن هذه الأوساط تبدي حذرا مما إذا كان للولايات المتحدة "يد خفية" في المؤتمر، إما من خلال الضغط على الأردن لعقده، أو من خلال توظيف نتائجه في سياق سياساتها الإقليمية في المنطقة، في إشارة إلى المفاوضات النووية الجارية حاليا بين الدول الست وإيران في جنيف.
ورغم أن الحكومة الأردنية تجنبت المشاركة "رسميا" في المؤتمر أو التعليق على ما جرى، تذهب أوساط إعلامية مقربة من مراكز صنع القرار في الدولة الأردنية إلى أن المؤتمر جاء بطلب مباشر من الملك عبدالله الثاني الذي كان في زيارة إلى واشنطن التقى خلالها مسؤولين أميركيين بارزين، من بينهم نائب الرئيس الأميركي جوزيف بادين، أحد أهم مهندسي الملف العراقي في إدارة الرئيس باراك أوباما.
ولاحظ ممثلون لهيئات ناشطة في المؤتمر، استعجال السلطات الأردنية في عقده، حتى مع عدم وجود الملك في المملكة، وبالتالي غياب التحضيرات المناسبة للمؤتمر لتنحسر في الترتيبات الأمنية واللوجستية، بينما غابت رؤية عمان "السياسية" عن المؤتمر، كما يقول الناطق باسم هيئة علماء المسلمين الدكتور مثنى الضاري لعربي 21.
ويعزو سياسي عراقي بارز لعربي 21 ذلك إلى "طلبات" وضعتها هيئة علماء المسلمين أمام السلطات الأردنية للقبول بالمشاركة في المؤتمر، واستجابت لها السلطات الأردنية "على الفور"، كان أبرزها رفض التحاق أي ممن شاركوا في العملية السياسية بالمؤتمر، والامتناع عن تشكيل أي لجنة تحضيرية للمؤتمر قبل انعقاده، منعا لأي تدخل أردني "رسمي" في المؤتمر، وكذلك الامتناع عن طرح "الفدرالية" على أجندة المؤتمر.
المصادر العراقية المتطابقة أجمعت على أنها "فوجئت" من الدعوة الأردنية لمثل هذا المؤتمر، وتشير هذه الأوساط إلى "الصدود والحذر" الذي كانت تواجهه من قبل مسؤولي الدولة الأردنية خلال العامين الماضيين حول دعم ساحات "الحراك السني" في محافظة الأنبار والمدن السنية بعد اتفاق الحكومتين الأردنية والعراقية على مشروع أنبوب نفط واصل بين مدينة البصرة وميناء العقبة الأردني، وهو مشروع استراتيجي تطمح حكومة عمان من خلاله الحصول على عوائد سنوية تقدر بمليار ونصف دولار.
لكن مصادر أردنية رأت أن "الدافع الأساس وراء رغبة صانع القرار المفاجئة بهذا المؤتمر هو الانخراط في المساعي الأميركية الراغبة بالإطاحة في المالكي، كما أن صانع القرار في عمان يرغب في استثمار الفرص الجديدة لناحية توسيع مشاركة العرب السنة في العملية السياسية، الرؤية ذاتها عبرت عنها مصادر عراقية شاركت في المؤتمر لمست "سعيا أردنيا "غير ملموس" وعبر أطراف عراقية للدعوة إلى "تعديل" العملية السياسية بدلا من إلغائها".
ورأت أوساطا عراقية أخرى أن "صانع القرار في عمان ربما شعر بالحاجة على التحرك مبكرا قبل أي انهيار مرتقب في العملية السياسية أو أي تشكيل جديد في الخارطة العراقية من قبيل تراجع قوات المالكي إلى بغداد وصعود إقليم عربي سني بحكم الأمر الواقع"، في حين تربط أوساط أخرى المؤتمر كله بمساع أميركية تضغط على طهران من أجل إنجاز اتفاق نووي نهائي في المفاوضات التي تجري في جنيف حاليا ويفترض أن تنتهي يوم غد الأحد.
اللافت في رد فعل حكومة بغداد على المؤتمر الذي أبدى الكثير من أطرافه استعدادهم وترحيبهم بتنظيم
داعش واعتبار ما جرى في الموصل "ثورة عراقية" أنه اقتصر على إطلاق بعض نواب كتلة المالكي "دولة القانون" على المؤتمر بوصفه لقاءا "داعشيا" بامتياز، فيما اكتفت الحكومة، وعبر وزير خارجيتها حسين الشهرستاني، باتصال هاتفي دام عشرين دقيقة مع الوزير الأردني ناصر جودة لاستيضاح موقف عمان عن المؤتمر، حسب تصريحات جودة نفسه خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي لوران فابيوس اليوم (السبت).
ورصد أمس ارتدادات "خفيفة" أخرى لمؤتمر عمان مع إعلان "الخارجية" العراقية استدعاء سفيرها في عمان احتجاجا على مؤتمر إنقاذ العراق.
مثل هذا "الارتدادات الخفيفة" فسرها الخبير السياسي عبدالحميد العاني بأنها تعبير عن "انشغال المالكي بأزمته"، كما ذهب ابعد من ذلك حين قال إنه من "الخطأ أن تفكر أن هناك دولة في العراق ..هناك أحزاب وميليشيات وليس هناك مؤسسات".
جودة الذي اعتبر قرار استدعاء سفير بغداد في عمان "إجراء عراقيا"، أضاف: "المؤتمر ليس أردنيا ولم يتم برعاية أردنية ولا علاقة للأردن بمضمونه ومخرجاته كدولة مضيفة سوى ألا تسيء تلك المخرجات بأي شكل من الأشكال للدولة العراقية ودستورها بالإضافة إلى المسار السياسي". وأضاف "آمل أن لا يكون هناك أي تفسير غير صحيح للمؤتمر".
بين التبني "الضمني" لمؤتمر العراق والتنكر اللاحق له من قبل الأردن، وإعلان المؤتمر عن الحاجة إلى "عراق جديد" لا يعترف بالفدرالية ولا التقسيم ويعترف بالهوية الوطنية الجامعة للعراقيين بدلا من الهويات الطائفية السائدة، وفي نفس الوقت لا يحدد موقفا واضحا من الوضع الحالي القائم حاليا "العملية السياسية"، ويبدي استعدادا للتحالف "مؤقتا" مع داعش، كما لا تشارك فيه قوى فاعلة على الأرض مثل مجلس ثوار العشائر، لا يبدو أن مخرجاته ستترك صدى كبيرا على الأرض في بلاد الرافدين.