هذي
فلسطين بصواريخها و"أبابيلها" ومجاهديها روحٌ حرّة تسري من جديد في جسد الأمّة، فتبعث فيها الأملَ بربيعها، وتستنهض أحرارها ليقفوا خلف مقاومتها:
أيّها المرابطون على ثغور الأمّة، الرابضون على قلاع الأمل بالنّصر، أيّها المنتشرون في أصقاع الأرض: في الحارات، في أزٌّقة المخيّمات، في عواصم أوروبا من لندن إلى روما، في العواصم العربية والعالمية، في المدارس، في الجامعات، في مؤسسات الإعلام، شيباً وشبّاناً، طلاّبا وطالبات ...
يا كلّ من يصوّب سهام قلبه نحو فلسطين كلّ فلسطين أرض المسرى، ويرفع يديه يجأرُ بالدعاء ليل نهار لشهدائها والأسرى والمسرى! يا كلّ من يكتب كلمةً "تحريض" عن غزّة وصمودها وعزّتها، يا من يجمع القرش على الدرهم والريال ليخلف "غازياً" في الخليل يتربّص قطعان المستوطنين أو "يُجهّز" مهندساً يصنع "
الأبابيل"، يا كلّ حرّة وحرّ يتحرّق شوقاً أنْ يكون هناك بين غبار القصف ورائحة البارود..
من حقّكم علينا جميعاً، تحيّة يُضمِّخها عبقٌ رمضانيّ مشبّعٌ بمسك الشهادة والشهداء، تحيّةمحلاّةٌبطَعم النّصر ونكهة العزّة والقوّة برغم الأذى والخسائر؛ فلا والله لا نعدّ ضحايانا فالقائد الذي يبدأ عدّ ضحاياه ينسى في خضمّ العدّ رايته، ولستُم ولسنا بالذي يُسقِطُ رايته!
تحيّة صادقة كصدق شهدائنا نبرقها لكم، ونحنُ نتفيّأُ ظلال معيّةً الله التي تغمُرُنا دوماً؛ فما أنْ تضيقُ عليها الأمور وتَسْتحكِم حلقاتها، وتبلغ القلوب الحناجِر، ويوشكُ شيطانُ "الإستيئاس" أنْ يتسرّب للنّفوس، حتى يأتيَ فَرَج الله ونصرُه من حيث لا يُحتَسَب!إنّها المعيّةٌالرحمانية التي نستمطِرُ معها أملاًبالله أن يرحمنا منّةً منه وفضلاً وتكرّماً ثم ببركة مواكب شهدائنا ودمائهم التي تروي ثرى فلسطين المقدس، وتضحيات آلاف الأسرى ومعاناة ذويهم من خلفهم فداء للوطن وترساً للأمة.. كلّ الأمة.
نعم، ضاقت علينا الأرض بما رحبت! فغزة الصامدة المحاصرة منذ ثماني سنوات عجاف تذوي وتذوي حتى تلوذ "بالمصالحة" أملاً بالفرج، والضفة الثائرة الجريحة تئنّ تحت وطأة التنسيق الأمني "الفاجر"، وتتلوى في ثنايا جدار عنصريّ يلفّها وحواجز ذلّ تقطّع أوصالها،أمّا شتاتُ شعبِنا فتضيّق عليه الدنيا، فما أنْ يستقرّ في بلدٍ و"يضعُ" بعض شَعْثِه فيها حتى تطويه موجةٌ كاسحةٌ من التشرد، ومن هجرة إلى تهجير حتى البحار والمحيطات ابتلعت شبابنا المهاجر!
هذه حالنا إذ أوشكنا على "الاستيئاس"!! لكنّنا والله ما ظننّا بالله "الظنونا"؛ بل دوماً كان حادينا حُسن الظنّ بالله أن يكرِمَنا بما عوّدنا عليه من معيّته .. وهكذا كان؛ فهو – جلّ شأنُه – عند حُسن ظنّ عبدِه به!
فمن خاصرتنا الضعيفة (مِنْ حيث لا نحتسِب) جاءنا دَفْق القوّة، ومن جُرحنا النّازف جاءنا البلسم الشافي لجراحٍ عَزّ طبيبها ودواؤها ... من خلف القُضبان ومن عتمة الزنازين ومن قرقرة الأمعاء الخاوية انطلق إعصار التحدّي بإضراب أبطالنا الأسرى الإداريين الذي استمر أكثر من 59 يوماً، هذا الصمود الأسطوريّ خلق جوّا من الغضب والثورة استفزّت هِمم ثلّة مباركة من شباب الضفّة الأتقياء الأخفياء؛فقاموا بعمليتهم البطولية باختطاف ثلاثة من علوج المستوطنين، واختفوا عن الأنظار (ومازالوا مختفين)، في عمليّة نوعيّة برغم الوضع الأمني القاسي للضفّة.
وهنا جُنّ جنون الكيان الصهيونيّ وأجهزته وأجهزة شركائه في التنسيق الأمني؛ فانطلقوا يعيثون في أرض الضفّة فساداً ودماراً وخراباً، ثمّ جاءت الإعتداءات والاقتحامات المتكرّرة للمسجد الأقصى، وذروتها في محاولة فَرْض التقسيم الزماني والمكاني له، واستمرّ التكبر والعنجهية الاسرائيلية في الاستيطان والتهويد والاعتقالات التي طالت النوّاب والقيادات والمحرّرين من صفقة وفاء الأحرار، وامتدّ الصَلف الصهيوني ليصل أهلنا في 48لتضامنهم مع إخوانهم.
وبعد عثوره على جثث المستوطنين وفشله في إكتشاف الخاطفين عمد إلى إطلاق قطعان المستوطنين تعيث في الأرض فساداً وحقداً؛ فلم يجدوا أمامهم إلاّ ذلك الطّفل محمّد أبو خضير فيقتلوه حرقاً بطريقة بشعة وهو حيّ بعد أنْ سقوه البنزين!! هنا هبّت الضفّة من جديد في
انتفاضة القدس تعبّر عن غضبها وثورتها التي نسأل الله أن تستمرّ على هذا السلوك الإجرامي.
وسّع العدوّ الصهيوني تخبّطه وعدوانه بهدف إشباع غروره وإرسال رسائل انتقام لجمهوره ليقصف غزّة الصامدة؛ هنا كانت غزّة له بالمرصاد كعادتها، فأخرجت من جعبة القسّام ما أذهل العدوّ إرباكاً وشفى صدر قوم مؤمنين في أنحاء الكون كافّة عندما رأوا قطعان جنود الصهاينة مثل "البسس والفئران" كما وصفهم أطفال القدس الأبطال!
هذا قدرُنا أن نكون على موعد مع هذا العدوّ، موعد يختاره الله لنا ولا نختاره، لكنّنا وكتائبنا ومجاهدينا صُبُرٌ عند اللقاء بإذن الله وعونه، لا نتولّى لحظةَ زحف، وسنريهم منّا قوّة لم تخطر ببالهم حتى تسوء صباحاتهم وتتنكّد حياتهم، لا يضرّنا من خذلنا، ولا تفتّ في عضُدنا طائراتهم وهي تقصف بيوت أحبابنا، ما دامت تظلّنا معيّة الله وما دمتم "تخلُفون" مجاهدينا وتحملون في الآفاق راياتهم.
هذه رسالة مجاهدي فلسطين يا أمّتنا؛ رسالة معطّرة بغبار الميدان ومضمّخة بمسك الشهادة، لا تعرف تزويقاً ولا تنميقاً، تنبض بروح لا تهزّها زنّانات الصهاينة ولا الF16، ولن يُخيفَهم إنْ نفذ مخزون صواريخهم؛ وهم يعدّون الأيّام عدّا حتى يلتقون وجهاً لوجه مع بني صهيون! واثقون بالله أنّ النصر آت، روحهم تحلّق "كأبابيلهم" في عنان السماء، لا تعرف ضعف الطّين ولا تردّد الجبناء!
رسالة تذكر الفضلَ لأهله؛ لكنّها تصف الحال الذي يستصرِخ فينا مزيداً من المبادرة والمروءة التي يجب أن تتحرّك في جنبات كلّ منّا تجاه ما يرى من تضحيات وإبداعات وكذلك آلام وجراحات، فتدفعه للفعل! أم أنّ فلسطين لهم وحدهم؟!