كتب جيه جيه غولدبيرغ: هذا الصباح، نشر يوفال ديسكين، الذي كان مديراً لجهاز الأمن
الإسرائيلي الشين بيت ما بين 2005 و 2011، ملاحظة جرئية على صفحته على موقع الفيسبوك بشأن العمليات الانتقامية التي تلت مقتل المراهقين الثلاثة، وتظاهرات الفلسطينيين في القدس وفي المثلث (حيث يتركز السكان العرب إلى الجنوب من حيفا) وما يخشى أن تتفاقم إليه الأمور.
أذهلني أنه لربما عبر عن كثير مما كان يدور في ذهن رئيس هيئة أركان جيش الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس في اجتماع الحكومة الأمنية المصغرة هذا الأسبوع حينما تمخضت تعليقات غانتس المنضبطة عن تطاول باللسان من قبل نافتالي بينيت.
بمعنى آخر، هذا ما تبدو عليه الصورة بالنسبة لمعظم كبار الضباط الإسرائيليين في الجيش والمخابرات، إنه ما يعبرون عنه سراً حينما يكونون على رأس عملهم أو بشكل علني بعد أن يتقاعدوا (وفي بعض الأوقات علناً حتى حينما يكونون على رأس عملهم).
اجتهدت أن أترجم لكم ما قاله ديسكين من العبرية إلى الإنجليزية: "أصدقائي الأعزاء، خذوا بعض الوقت لقراءة الكلمات التالية وأشركوا غيركم فيها. أشاهد التدهور السريع في الحالة الأمنية في المناطق وفي القدس وفي المثلث، ولست مستغرباً من ذلك. لا تختلطن عليكم الأمور، ولو للحظة. فهذا الذي يجري إنما هو نتاج السياسة التي تنتهجها الحكومة الحالية، وخلاصة هذه السياسة: دعونا نرعب الشعب بشأن كل ما يجري حولنا في الشرق الأوسط، دعونا نثبت أنه لا يوجد شريك فلسطيني، دعونا نبني المزيد والمزيد من المستوطنات وخلق واقع يستعصي على التغيير فيما بعد، دعونا لا نعالج المشاكل الشديدة التي يعاني منها القطاع العربي في إسرائيل، دعونا نستمر في عدم حل المشاكل الناجمة عن الفجوات الاجتماعية الحادة داخل المجتمع الإسرائيلي.
كان هذا الوهم يؤدي أغراضه بشكل رائع طالما تمكنت المؤسسة الأمنية من توفير الهدوء بشكل يثير الإعجاب على الجبهة الأمنية خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك نتيجة العمل الملتزم وعالي الجودة للعاملين في الشين بيت وفي جيش الدفاع الإسرائيلي وفي الشرطة الإسرائيلية وكذلك في أجهزة الأمن الفلسطينية الذين لا ينبغي التقليل من مساهمة الكبيرة في تحقيق الأمن النسبي في الضفة الغربية. ولكن، لم ينجم التدهور السريع الذي نعاني منه في الوضع الأمني عن جريمة قتل نفتالي وإيال وجلعاد، فلتبارك ذكراهم.
وإنما نجم التدهور أولاً وقبل كل شيء بسبب الوهم بأن قعود الحكومة عن العمل في كل جبهة من الجبهات يمكن أن يجمد الوضع ويبقيه كما هو، الوهم بأن “بطاقة السعر” هي مجرد شعارات قليلة على الحائط وليس عنصرية قحة، الوهم بأن كل شيء يمكن أن يحل باستخدام المزيد من القوة، الوهم بأن الفلسطينيين سيقبلون بكل ما يفعل بهم في الضفة الغربية وبأنهم لن يردوا رغم الغضب والإحباط وتدهور الحالة الاقتصادية، الوهم بأن المجتمع الدولي لن يفرض عقوبات علينا، وبأن مواطني إسرائيل العرب لن يخرجوا إلى الشوارع في نهاية النهار بسبب نقص الاهتمام بمشاكلهم، وبأن الشعب الإسرائيلي سيستمر بكل خضوع في قبول عجز الحكومة عن حل مشكلة الفجوات الاجتماعية التي أوجدتها سياساتها وتستمر في مفاقمتها، بينما يستمر الفساد في تسميم كل ما هو جيد، وغير ذلك الكثير.
ولكن، كل من يظن أن الوضع يمكن أن يمشي على الماء على المدى البعيد فإنه يرتكب خطأ، وخطأ كبيراً.
ما يجري منذ أيام قليلة يمكن أن يزداد سوءاً، حتى لو هدأت الأمور لحظياً. لا تغرنكم اللحظة الآنية، لأن الضغط الداخلي الهائلي سيبقى موجوداً، ولن تتلاشى الأبخرة القابلة للاشتعال من الأجواء، وإذا لم نتعلم كيف نقلل من تواجدها فإن الوضع سيصبح أسوأ وأسوأ. سأرفق أدناه مقتطفات من محاضرة ألقيتها بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لمبادرة جنيف في ديسمبر 2013، والتي انبثقت من عدد من المقالات التي كتبتها خلال السنوات القليلة الماضية. هذه الكلمات تعكس خلاصة تجربتي في ساحة الأمن بشكل عام وفي النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وفي
الانقسام الحاصل بين اليهود والعرب داخل دولة إسرائيل بشكل خاص.
من المهم قراءة ذلك لكي نفهم إلى أين نتجه، وذلك لأنه في ضوء الظروف الحالية لا توجد الكثير من الإمكانيات الأخرى: “وإلى جانب هذه جميعاً - التوتر المتعاظم والإحباط الهائل الذي يشعر به الفلسطينيون في الضفة الغربية، الذين يشعرون بأن أرضهم تسرق منهم باستمرار، والذين بدأوا يفهمون بأن الدولة التي كانوا يحلمون بها أفلتت من أيديهم، وحتى الاقتصاد الذي تحسن قليلاً منذ عام 2007 لم يعد أمراً يرتاح المرء إليه. > كل هذه الأشياء تدفع باتجاه مشكلة أشد وأخطر من أي شيء آخر، وهي تحديداً الشعور الآخذ بالانتشار بين الجماهير الفلسطينية - الشعور بأنه “لا يوجد مستقبل، وإنما فقط الماضي”، بأنه لا يوجد في الماضي ما هو جيد وأن المستقبل، بلا شك المستقبل المشترك، لم يعد موجوداً!
> المتغيرات الاجتماعية العميقة تحصل عادة ببطء، ولكن علينا ألا نتجاهل ما يمكن أن يعنيه ظهور جيل جديد، جيل يرى ظاهرة “الربيع العربي” تندلع في كل أنحاء الشرق الأوسط، ويشعر بأنه حبيس لا يجد سبيلاً للخروج. ولذلك، فإن مئات الآلاف من الفلسطينيين الشباب الذين ينشأون في ظل الاحتلال الإسرائيلي ويشعرون بالمرارة والإحباط والغضب وفوق ذلك كله اليأس، هؤلاء يبحثون عن هدف ينقضون عليه، ومن السهل تخمين من سيكون ذلك الهدف.
> ودعونا لا ننسى أنه بين ظهرانينا، داخل مجتمع إسرائيل، هناك توترات بالغة التعقيد بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية بمسلميها ومسيحييها، وهذه يمكن أن تتغذي من خلال هذا الذي يجري والذي سوف يجري فيما بيننا وبين الفلسطينيين. لقد أثبتت التجارب السابقة أن المواطنين العرب في دولة إسرائيل إذا ما حصلت مواجهات كبيرة فإنهم يتضامنون مع إخوانهم الفلسطينيين، ولذلك يتوجب علينا أن نأخذ بالحسبان تلك العلاقة الحميمة بين الفلسطينيين وإخوانهم العرب من مواطني إسرائيل. ولذلك أعتقد أن الأبخرة القابلة للاشتعال في الأجواء بلغت مستوى من التركيز بحيث يمكن لأصغر شرارة أن تشعل انفجاراً هائلاً.
حوادث الإرهاب التي تزايدت خلال الشهور الأخيرة والتوتر الهائل المكبوت لدى الفلسطينيين، وحتى اندلاع المظاهرات ضد خطة براور لنقل بدو النقب، كل هذه الأمور يمكن أن تفهم على أنها حوادث منفصلة ومعزولة، ولكنها تعتبر بمجملها دليلاً على مناخ في غاية التوتر يمكن بسهولة أن ينفجر.
من الوارد جداً أن ينتفض الفلسطينيون و/أو المواطنون العرب في إسرائيل وينزلوا إلى الشوارع، وليس هذا مستبعداً أبداً، وقد حدث ذلك خلال السنوات الثلاث الأخيرة في إيران وفي تونس وفي ليبيا وفي مصر وفي سوريا وفي البحرين وفي تركيا وفي روسيا وفي البرازيل وفي الأيام القليلة الأخيرة حتى في أكرانيا. ولذلك من الخطأ الجسيم الظن بأن ذلك لا يمكن أن يحدث هنا.
بإمكاني إخباركم بناء على تجربتي بأن من طبيعة هذه الأشياء أنها يمكن أن تفلت من زمام الأمور وتخرج عن السيطرة. فحتى مروان برغوثي، الذي كان من العناصر الأساسية التي صنعت الأحداث التي تمخضت فيما بعد عن الانتفاضة الثانية، لم يخطط مسبقاً لكي تتحول مظاهرات سبتمبر 2000 إلى انتفاضة استمرت سبعة أعوام استخدمت فيها التفجيرات الانتحارية التي قتلت عدة مئات وجرحت عشرات الآلاف في الجانب الإسرائيلي كما في الجانب الفلسطيني. إنما خطط لقيام بعض المظاهرات المعزولة لبضعة أيام أو على الأكثر لبضعة أسابيع.
إلا أن مجريات الأحداث، ورد الفعل عليها، ثم ردود الفعل على الردود، أدى إلى فقدان السيطرة وإلى تدهور في غاية الخطورة باتجاه موجات من الإرهاب استمرت سبعة أعوام.
(نقلا عن صحيفة "ذي جويش ديلي فوروارد" 5 تموز/ يوليو 2014)