داعش صديق النظام اللدود، خرج من صحراء
العراق تحمله رياح التغيير كما تحمل الريح الكثبان ليتنقّل في بلاد العربان، ويتكاثر في بؤر الفوضى ويقتات على بقايا الأنظمة الإجرامية. دوليا يلعب دور وحوش أفلتت من عقالها بعد تجويعها، ليتلذذ برؤية ضحيته تتمزق بين أنيابها.
يعتبر تنظيم دولة العراق والشام الورقة الأقوى التي تسخدمها القوى الفاعلة في الشرق الأوسط كأميريكا وروسيا والصين وايران والغرب بشكل عام، من أجل مد نفوذهم، وضبط من يخرج ضد عملائهم في المنطقة العربية، ويبدو أنها ورقة قيمة حقا، فالأسد استخدمها لإطلاق يده، واستباح بها دماء شعبه، وضمن من خلالها تمرير جرائمه، ومجازره، واليوم يلعب المالكي بالورقة ذاتها، بفارق أن عشائر العراق الثائرة وجهت خطابا للرأي العام العالمي تتبرأ فيه من أي تنظيم إرهابي متطرف لإجلاء حقيقة ثورتهم وشرعية أهدافها.
لا يمكن اليوم النظر إلى ما يحدث في
سوريا بمعزل عما يحدث في العراق، ولبنان، والأردن، وفلسطين، بشكل خاص هذه الدول التي تدخل في حدود الشرق الأوسط الجديد، الساحة التي اشتعلت لتذيب كل ملامح الشرق الأوسط التاريخية والإثنولوجية و الدينية؛ عبر الصراع الداخلي بين أبناء المناطق من جهة؛ والمطامع الخلافية والدولية من جهة أخرى.
في خضم هذا الصراع تتفتت المنطقة وتتجزأ و تتحول إلى دويلات، و إمارات، ومناطق محررة، وأخرى تحت السيطرة أو تحت النزاع أو هادئة نسبيا، وخلال هذا كله تتراجع أهداف الثورات، وتتغير توجهات القائمين على حمايتها، ودعهما لصالح تقدم القوى المهيمنة، فداعش تسير نحو دولتها في العراق متجاوزة الحدود السورية متجهة نحو الأردن، و تجد في كل منطقة تغزوها المناصرين والمبايعين المعجبين بعباءتها التي تخفي وحشيتها، فتقوى شوكتها و تزداد قوتها.
في سوريا تبدو كتائب الحر المحدودة الإمكانات أمام خيارين إما مبايعة داعش؛ أو مواجهة خصمين في وقت واحد: النظام بطيرانه و قواته، ومقاتلي داعش المدعومين بسلاح عقائدي و إيديولوجي و مقرات عبر طول الحدود مع العراق، و لهذا تجد معظم المناطق المحررة اليوم في سوريا هي مناطق مستهدفة من داعش، مع إدراك الثوار أن داعش وحش من صنع النظام و أن المناطق التي تسيطر عليها ما يلبث النظام أن يستعيدها. فهل نقول في هذا استسلام اليائس؟
وهل توشك سوريا أن تكون ولاية في دولة خلافة مقبلة أم ستتدخل القوى الفاعلة لتجعل من مناطق داعش والحر أرضية لتحقيق وثيقة الحلم كيفونيم التي نراها توشك أن تتحقق بندا تلو الآخر في سوريا و العراق اليوم.
يبدو أننا قد اقتربنا من شرق أوسط جديد فعلا، فالفوضى عمت المنطقة ولكنها ما زالت غير خلاقة، وإن لم تغير قوى الثورة من سياستها وأساليبها في استجداء الغرب فستواجه مخاضا مؤلما بكل تأكيد وقد ينتج عنه نظام مشوه مخيب لآمال شعوب الربيع العربي كلها، فخارطة الشرق الأوسط الجديد ترتسم معالمها اليوم على أجساد المعتقلين في السجون، وتمرر فوق جثث البسطاء، والمستضعفين، وها هي ترسم من العراق وسوريا وقد تعبر الحدود إلى دول أخرى في المنطقة.
وفي حين يلوح الانتصار أمام عيني ثوار العراق مع اقترابهم من بغداد وسيطرتهم على مناطق واسعة و مهمة من البلاد، بفضل اتحاد قواهم وحرصهم على نظافة ثورتهم و جلائها، لا يزال خطاب الثوار السوريون عاطفيا، وفوضويا، و متناقضا، فتارة يتسول قوانين حقوق الإنسان ويطالب بالتدخل الدولي؛ و تارة أخرى تراه يشجب التدخل الخارجي في الشأن الداخلي لسوريا.
بائس هو حال هذه المعارضة، فهي تطالب المجتمع الدولي بتسليحها بما يمكنها من الحسم ضد نظام الأسد وداعش، و تعتبر نفس الدول التي تطلب منها الغوث عدوا ذا مصالح استراتيجية في المنطقة، فتتهم من يتفاوض معه بالعمالة و الخيانة، على الرغم من تنافس قياداتها للجلوس على موائد حواراته.
و إن لم يتحول خطابها إلى مخاطبة العقل، ووضع استراتيجية محكمة لبناء قوة متماسكة تعتمد على الذات وتجلي موقفا حرا معتدلا غير متطرف -فسوف يغطى الثوار الأحرار بعباءة داعش، وهم في هذه الحال كالمستجير من الرمضاء بالنار.
و على كل حال فإن اضطراب قيادة الثورة وتفككها طبيعي في ظل المكونات والإيديولوجيات والأجندات، و عليها أن تتجاوز كل معوقات الوحدة وأن تتجه إلى هدف: تنظيف وجه الثورة أمام العالم الحر، و الاعتماد على الذات حرصا على كرامة السوري المهدورة، والإيمان بأن السوريين وحدهم قادرون على نزع الأشواك من أقدامهم بأنفسهم. مستفيدين من تجربة ثوار العراق، و قد كادت تنتصر.