حزب
العدالة والتنمية الحاكم في
تركيا يمر هذه الأيام بمرحلة حساسة للغاية وأكثر خطورة منذ تأسيسه قبل حوالي 13 عاما، لأنه يعيش مخاض التحول من حزب سياسي إلى حركة سياسية، في ظل ظروف محلية وإقليمية ساخنة ووسط زحمة الانتخابات.
عندما قام المنشقون عن تيار أربكان بتأسيس حزب العدالة والتنمية في 14 أغسطس / آب 2001 كانت ظروف تركيا تختلف تماما، وكان المطلوب تأسيس حزب سياسي يشبه نوعا ما حزب الوطن الأم الذي أسَّسه تورغوت أوزال بعد انقلاب 12 سبتمبر / أيلول 1980 ليجمع تحت سقفه الإسلاميين والديمقراطيين والليبراليين والقوميين وحتى بعض اليساريين.
كانت آنذاك المحكمة الدستورية أغلقت حزب الفضيلة بعد أن أغلقت حزب الرفاه ولم يكن من الحكمة تأسيس حزب يسير على الخط السياسي نفسه، وكذلك كانت هيمنة العسكر على الحياة السياسية قوية، وكان على رأس الأولويات إجراء الإصلاحات وترسيخ الديمقراطية وتعزيز الحريات ومكافحة "الدولة العميقة" والشبكات الإجرامية المرتبطة بها، مع تحسين الوضع الاقتصادي وظروف معيشة المواطنين.
هذا الهدف قد تحقق إلى حد كبير بعد أكثر من عشر سنوات من تأسيس حزب العدالة والتنمية، وقطعت تركيا مسافة كبيرة في طريق تعزيز الديمقراطية والحريات، وتراجع نفوذ العسكر ولم يعد الجيش يتدخل في الشؤون السياسية، بالإضافة إلى القفزة الاقتصادية التي شهدتها البلاد.
خلال هذه الفترة تحالف حزب العدالة والتنمية مع قوى مختلفة، مثل الليبراليين وجماعة كولن، ولم يكن هناك خط سياسي واضح المعالم، وكان الهدف المشترك يجمع المتحالفين، ولكن بعد تحقيق ذلك الهدف وخروج العسكر من المعترك السياسي اختلف الحلفاء وانشق أولا بعض اللبراليين، ثم انتهى التحالف بين جماعة كولن وحزب العدالة والتنمية.
حزب الوطن الأم الذي تأسس عام 1983 بعد الانقلاب العسكري حقَّق بزعامة تورغوت أوزال نجاحات باهرة في تلك الظروف غيَّرت وقتها وجه تركيا، ولكنه لم ينجح في التحول إلى حركة سياسية، ما أدَّى إلى انهياره في غياب أوزال وحل نفسه بعد أقل من ثلاثة عقود ليصبح جزءا من التاريخ. حزب العدالة والتنمية الذي قاده أردوغان منذ تأسيسه حتى اليوم قد يواجه المصير نفسه بعد أردوغان إن لم يتحول إلى حركة سياسية ذات قضية وأهداف وأيديولوجية تربي عليها شبابها ليحلوا محل القادة القدامى حتى يعيش الحزب جيلا بعد جيل.
الأزمة التي اندلعت بين حزب العدالة والتنمية وجماعة كولن أكدت ضرورة تعجيل الخطوات في عملية التحول إلى حركة سياسية وحاجة الحزب الملحة إلى كوادر توالي تلك الحركة السياسية وتؤمن بأيديولوجيتها وتخدم الحزب الذي يمثل الحركة ولا تطعن في ظهره عند الأزمات.
المادة الـ132 من النظام الداخلي لحزب العدالة والتنمية تحظر على أعضاء الحزب الترشح لأكثر من ثلاث فترات متتالية. وأصر أردوغان على تطبيق هذه المادة على الرغم من الضغوط التي مورست عليه لإلغائها. ويعطي تطبيق هذه المادة فرصة ذهبية لحزب العدالة والتنمية لتجديد الدماء وإعادة هيكلة الحزب وبناءه من جديد على أسس تلبي متطلبات المرحلة المقبلة.
رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أعلن يوم الثلاثاء الماضي ترشحه لرئاسة الجمهورية، وهذا يعني أنه سيقدم استقالته من رئاسة حزب العدالة والتنمية في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية وأن الحزب برمته يقف الآن على عتبة مرحلة جديدة. وقال أردوغان في كلمته إن "من يعتقد أن حزب العدالة والتنمية سيزول عقب غياب أردوغان لم يستوعب جيدا القضية التي نمضي في سبيلها"، مضيفا أنه واثق بأن هناك أبطالا سيحملون هذه القضية من بعده.
استطلاعات الرأي تشير إلى تفوق أردوغان على منافسيه أكمل الدين إحسان أوغلو وصلاح الدين دميرتاش في الانتخابات الرئاسية بنسبة تمكنه من الفوز في الجولة الأولى. وسواء فاز أردوغان في أغسطس / آب أو لم يفز، لا يمكن أن يقود حزب العدالة والتنمية إلى ما لا نهاية. ومهما كان أردوغان مطمئنا على مستقبل حزبه فإن اختبار تحول الحزب إلى حركة سياسية ذات أيديولوجية وقضية والحفاظ على وحدة حزب العدالة والتنمية واستمرارية نجاحاته لن يكون سهلا.