كتب جون لي أندرسون في مجلة "
نيويوركر" الأمريكية عن زيف الحكم الصادر على ما أطلقت الصحافة
المصرية والمؤيدون للإنقلاب عليه "خلية ماريوت الإرهابية".
وجاء في مقالته "كان الحكم الذي أصدره يوم الإثنين قاض في القاهرة على ثلاثة صحافيين بمدد تمتد من 7 إلى 10 أعوام بعد اتهامهم بجريمة "تشويه سمعة مصر" و"استخدام معدات غير مرخصة" للقيام بالعمل هو عبارة محكمة صورية فاضحة وضوح أشعة الشمس.
وقضى بيتر غريست، المراسل الأسترالي الذي يحظى باحترام، ومحمد فهمي، المصري- الكندي، وباهر محمد المنتج في قناة الجزيرة، مدة ستة أشهر منذ اعتقالهم في فندق ماريوت في القاهرة في 29 كانون الأول (ديسمبر). ولم يتم التثبت من التهم الموجهة إليهم عبر الأدلة التي قدمت للمحكمة و "الملفقة" ومثيرة للضحك في بلد يطبق فيه القانون، ومصر ليست هذا البلد".
وأضاف "أيضا يتهم فهمي ومحمد بالعضوية في جماعة الإخوان المسلمين، الجماعة السياسية التي قام النظام العسكري المصري بحظرها قبل أربعة أيام من اعتقالهما، ولكنها كانت الحزب الرئيسي في الحكومة التي انتخبت قبل عام حتى تمت الإطاحة بها بطريقة دموية في تموز/ يوليو 2013. وتمت إدانة ثلاثة صحافيين آخرين، بريطانيان وهولندي وحكم عليهم غيابيا بالسجن مدة 10 أعوام بنفس الجرائم المزعومة. والرئيس المصري السابق محمد مرسي معتقل هو الآخر ويتنظر محاكمته. ففي حملة قمع واسعة وعنيفة، تم اعتقال العشرات وحكم على المئات بالإعدام في محاكمات جماعية".
ويرى أندرسون أن "النظام استخدم قضية الصحافيين في حملة لشيطنة الإخوان وكل شخص مرتبط بهم، متبعا منطقا سطحيا ومغرضا. فدولة قطر التي قدمت دعما كبيرا لحكومة مرسي تمول أيضا الجزيرة. والآن وقد أعلنت مصر عن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، فقد شعرت بأنها حرة لمعاملة قناة الجزيرة ليس كشبكة أخبار متعاطفة بل كذراع للعمليات السيكيولوجية لشبكة من المجرمين".
ويضيف "يظهر شريط فيديو للشرطة عن اعتقال غريست وفهمي ومحمد عرضه التلفزيون المصري، ومزود بموسيقى صاخبة حيث تم نعت المراسلين بأنهم أعضاء في "خلية ماريوت الإرهابية".
ويقول أندرسون إنه يعرف غريسته "حيث قضيت معه ولعدة أيام في جبال النوبة في السودان عام 2013، تجربة أظهرت حرفيته العالية، وأحترمه وأقدر صداقته. ففي بداية هذا العام انضممت لمجموعة من الصحافيين في لندن حيث اجتمعنا مع السفير المصري ومسؤولين آخرين للإحتجاج على اعتقال غريسته وزملائه. وفي ذلك اللقاء شعرنا بالأمل وأن السلطات المصرية الجديدة ستتصرف بمنطق وتفرج عن سراح الصحافيين. وللأسف كانت هذه الآمال بدون جدوى".
ويواصل "جاءت محاكمة الصحافيين بعد شهر من الانتصار الساحق في أيار/ مايو لقائد القوات المسلحة ووزير الدفاع السابق، والذي نصب نفسه مشيرا عبدالفتاح سعيد حسين خليل
السيسي، وهو رجل قضى حياته في الجيش وأصبح ضابطا أثناء حكم أنور السادات، وترفع في سلك العسكرية خلال ثلاثين عاما من حكم حسني مبارك، وبرز في قمة الفوضى التي تبعت الإطاحة بمبارك في شباط/فبراير 2013. والسيسي هو رجل الظل، ونجا من "ثورة" ميدان التحرير، ونال ثقة مرسي بعد انتخابه في حزيران/يونيو 2012- فقد كان مرسي هو من قام بترقيته لوزير دفاع- وفي أقل من عام دفع لمرسي الثمن وأطاح به ووضعه في زنزانة السجن".
و"منذ ذلك الوقت بدأ السيسي، الرجل القصير، المربوع القامة، الشخص العادي مشروعا بناء عبادة الشخصية لنفسه، فقد حظي بالثناء لكون "المخلص من الظلام" وقام مؤيدوه بصناعة عطور باسمه وشوكولاتة وحتى ساندويشات. وفي آذار/مارس أعلن للجميع انه قرر النزول في انتخابات الرئاسة "نزولا على رغبة الشعب". وبحسب إحصائيات الحكومة فقد فاز السيسي بـ 23 مليون صوت".
ويمضي الكاتب بالقول "كان من المتوقع أن يظهر شخص بقوة لا حد لها نوعا من العفو، ويصدر عفوا عن الصحافيين أو بأي وسيلة. فقد طلب منه الرئيس أوباما عمل هذا، ووزير الخارجية جون كيري الذي زار السيسي قبل يوم من صدور الحكم، وأعلن عن مساعدة قدرها 575 مليون دولار أمريكي التي تم تعليقها منذ الإطاحة بمرسي سيتم الإفراج عنها للنظام الجديد. ورفض السيسي، وكال المديح للنظام القضائي المصري "إن كنا نريد بناء مؤسسات الدولة فعلينا احترام قرارات المحكمة وعدم التعليق عليها، حتى لو لم يفهمها البعض".
ويعلق أندروسون قائلا "وقاحة السيسي ليست مثل تلك التي يتمتع بها فلاديمير بوتين الذي يعيش في فقاعة منفوخة مشابهة في روسيا، حيث قام بإسكات إعلامه لدرجة لا ينجو من الصحافيين سوى المتملقين (واللافت أن السيسي يتطلع لبوتين كي يقدم له الدعم)، ومن المفارقة لزمننا هو انتعاش مثل هذا الزيف الوقح في عصر الإنترنت الذي يمكن أن يعرف فيه كل شيء وبشكل سريع، أليس كذلك".
ويشير الكاتب إلى نبوءات السيسي وأن وصوله للسلطة قدر مقدر "قال السيسي إن صعوده للسلطة "نبوءة" تلقاها "في المنام".
كان مسؤولا منضبطا في ثكنات الجيش المصري الذي لم ينتصر ولو في أي حملة عسكرية طوال حكم مبارك، ثم وقف مع "الثورة" التي أطاحت برئيسه ولمدة طويله، وبقي ينتظر، سامحا للفوضى بالاستمرار أو ربما ساعد على مفاقمتها أثناء حكم مرسي، يقوم الآن بالحديث عن تهديد الإرهاب الإسلامي بطريقة يعتقد فيها أنه فاز بدعم الأمريكيين والإسرائيليين من خلال فوهة البندقية، نحن بحاجة إليه، أو هكذا هي الرسالة، ونحتاج ليده الحديدية، ولكن هل نحن بحاجة إليه؟".
الجواب كما يقول الكاتب "لم يتغير الوضع في المنطقة بالتأكيد في ظل حكمه، وهل من المفترض أن نقول لبيتر غريست، ومحمد فهمي وباهر محمد أن هناك قضية أكبر منهم تقود إلى تقبلنا الحكم الظالم عليهم، وأنهم في يوم من الايام سيفهمون؟".