كتبت رندة حيدر: تخوض الحكومة
الإسرائيلية احدى أشرس الحملات على حركة "
حماس" والسلطة الفلسطينية في آن واحد، تحت شعار محاربة الإسلام الجهادي، مستغلة الظروف الإقليمية والهلع الدولي الذي أثاره الصعود الكبير للقوة العسكرية لتنظيم "
داعش" في العراق. في حين أن هدفها الحقيقي هو تقويض المصالحة الفلسطينية، وإسقاط حكومة التوافق الوطني، وإعادة الفلسطينيين إلى وضع التشرذم والانقسام.
ويبرز التذاكي السياسي للحكومة الإسرائيلية من خلال تحويل انظار الجمهور الإسرائيلي عن الاخفاق الامني والاستخباري الكبير الذي برز في حادثة خطف الشبان الإسرائيليين الثلاثة في الضفة الغربية، نحو المعركة التي تخوضها ضد "حماس" التي تحملها إسرائيل مسؤولية الخطف. وهي تحاول اقناع هذا الجمهور بانها لن تسكت او تهدأ وستبذل كل ما في وسعها من اجل اعادة المخطوفين. لكنها من ناحية اخرى تبعث إليه باشارات واضحة بان عليه هذه المرة ان يتحلى بالصبر، وألا يضغط، لأن البحث قد يستغرق وقتاً طويلاً، وخلال تلك الفترة يجب ترك الحكومة تعمل من دون ضغوط شعبية. وبهذه الطريقة تسعى هذه الحكومة الى تحقيق هدفين: الاول تفادي الانتقادات والنقمة الشعبية على تقصير الاجهزة الامنية؛ والثاني اعطاء نفسها فترة زمنية غير محدودة لتحقيق اهداف لا علاقة لها بموضوع الخطف.
من ناحية أخرى، تستغل إسرائيل القلق الإقليمي والدولي من خطر "داعش" والإسلام الجهادي، كي تضفي شرعية على حملتها على "حماس"، وتصويرها بأنها جزء من المساعي الدولية لمحاربة الارهاب. وتعتبر حملة الاعتقالات التعسفية التي تقوم بها والحصار الذي تفرضه وتقييد حركة الفلسطينيين داخل مدنهم، أمراً مشروعاً ومقبولاً في نظر دول العالم والمنطقة لمواجهة "ارهاب" الإسلام الجهادي والخطر الذي تمثله "حماس". وهي تدعي أن ما تقوم به لا يختلف كثيراً عن الحملة التي شنها عبد الفتاح السيسي على "الإخوان المسلمين" في مصر منذ تموز 2013، ولا عن الاجراءات الأميركية والأوروبية لدرء خطر التيارات الجهادية داخل بلدانهم، ومعالجة مشكلة الجهاديين من مواطنيهم الذي يشاركون في القتال في سوريا والعراق.
لكن ما يجري هو في الحقيقة تنفيذ لمخطط وضعته إسرائيل قبل حادثة الخطف يهدف الى احداث انقلاب في الحياة السياسية الفلسطينية واخراج "حماس" من المشهد السياسي، واعادة الامور الى ما كانت قبل المصالحة الاخيرة.
توحي إسرائيل بأن حملة الدهم والاعتقالات داخل مدن الضفة هي للعثور على المخطوفين واجتثاث خطر الإسلام الجهادي، لكن ما تقوم به اليوم واضح وصريح وهو يهدف الى تدمير اي أمل للشعب الفلسطيني في استعادة وحدته وتحقيق دولته، من خلال زرع الشقاق ونار التفرقة من جديد في صفوفه.
(النهار اللبنانية)