رغم أنه لم تعرض عليه الجامعة العربية أو الأمم المتحدة رسميا حتى الآن منصب المبعوث العربي والأممي لسوريا خلفا للجزائري الأخضر الإبراهيمي، إلا أن الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية
عمرو موسى، لم ينف ولم يؤكد الأنباء التي تتكهن بترشحه لهذه المهمة التي وصفها الإبراهيمي ذات يوم بـ"المهمة المستحيلة".
موسى يبقي الباب مواربا حتى تأتي الفرصة إلى بابه، ما لم تكن هناك نية لدى عبدالفتاح السيسي في الاحتفاظ به لإدارة أحد الملفات الداخلية في
مصر.
موسى يبدو متحفظا حتى لا يظهر وكأنه متهافت على المنصب، ويكتفي بالقول "أي شيء يجب أن يدرس أولا".
حذر موسى من طرح نفسه في هذا المنصب، ربما يعود إلى طرح اسم آخر يحظى بقوة في المجتمع الدولي، وهي منسقة البعثة المشتركة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة الخاصة بسوريا، سيغريد كاغ.
وتشير مصادر صحافية إلى أن كاغ تعرف المنطقة جيداً، وتجيد العربية بطلاقة، ولديها خبرة عمل طويلة في منظمة اليونسيف، والبرنامج الإنمائي وفي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ومنذ بداية الأزمة السورية فإن بعثتها هي الوحيدة التي عادت بنتائج.
عمرو محمود أبو زيد موسى، المولود عام 1936 بالقاهرة، لعائلة سياسية، كان والده نائباً في مجلس الأمة عن حزب "الوفد" وهذا ما شجعه على دخول عالم السياسة ودهاليزه عبر التحاقه بكلية الحقوق في جامعة القاهرة عام 1957، والتحق مباشرة بعد تخرجه بالعمل الدبلوماسي بوزارة الخارجية عام 1958.
عمل مديرا لإدارة الهيئات الدولية بوزارة الخارجية المصرية عام 1977، ثم مندوبا دائما لمصر لدى الأمم المتحدة عام 1990، ووزيراً للخارجية ما بين عامي 1991 و2001 حيث عين أمينا عاماً للجامعة العربية عام 2001 حتى عام 2011.
وفي فترة تسلمه الجامعة العربية تعاملت الجامعة مع العديد من القضايا العربية، ودائماً ما يُهاجم من قبل معارضيه بأنه لم يكن على المستوى المطلوب في الجامعة العربية، ولم يكن للجامعة دور ملحوظ، رغم أن المنطقة العربية شهدت أحداثا جساما في فترة ولايته، أشهرها: الغزو الأمريكي للعراق والحصار الإسرائيلي على غزة وعلى الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.
إلا أن موسى يرد دوماً على هذا الهجوم بأنه لم يتخاذل ولم يقف صامتاً إزاء هذه التطورات، وندد كثيراً بالغزو الأمريكي للعراق، وطالب بفك حصار غزة، بل إنه قام بزيارة لقطاع غزة كانت الأولى عربياً للتفاوض مع حركتي "فتح" و"حماس" وللمطالبة بكسر هذا الحصار، وفقا له.
ويقول مؤيدوه إنه وقف موقفا صلبا أبان انتفاضة الأقصى، مما دفع بالمطرب الشعبي الشهير شعبان عبدالرحيم إلى تقديم أغنية "أنا بكره إسرائيل وبحب عمرو موسى".
لكن موسى يعود قبل أيام إلى سيرة مناقضة تماما، مطالبا حركة حماس بأن "تقبل بالمبادرة العربية والاعتراف بوجود إسرائيل، وأن تعلن قبولها بمبادرة السلام العربية للعام 2002 التي تشكل خطة للتطبيع والاعتراف بدولة إسرائيل"، دون أن يكلف نفسه عناء الحديث عن عنصرية وفاشية "إسرائيل".
وهو عراب المؤتمر العالمي في شرم الشيخ عام 1996 لدعم "إسرائيل بعد سلسلة العمليات الاستشهادية التي قامت بها "حماس" و"الجهاد الإسلامي" وحضرته 30 دولة منها 18 دولة عربية.
متناقض كغيره من السياسيين العرب، ويتقلب على جمر المواقف المتضاربة.
قبل سقوط مبارك قال: "أرى ضرورة بقاء الرئيس حسني مبارك في منصبه حتى تنتهي فترة ولايته الرئاسية".
وعندما نجحت الثورة في خلع مبارك غير موقفه، وحمل مبارك مسؤولية العنف الطائفي في البلاد، مؤكدا أن كل الأحداث السلبية هي نتيجة لسوء الإدارة من المجتمع في ظل الإدارة السابقة للبلاد.
و بعد اندلاع ثورة 25 يناير، زار موسى ميدان التحرير، معقل الاحتجاجات التي اندلعت ضد مبارك، وأعلن تفكيره علنا في الترشح للرئاسة، وهو ما أغضب جماعة مبارك بشدة، ويعتبره شباب الثورة من ضمن "الفلول" بسبب تصريحات سابقة نوه فيها بقدرة جمال مبارك على إدارة البلاد، وبعد أن سربت وثيقة حصل عليها مقتحمون لمقار أمن الدولة أنه زار ميدان التحرير بموافقة مبارك لتهدئة الشباب، كما يقول خصومه، إنه لولا دعم مبارك له لما استمر أمينا عاما للجامعة، ووزيرا للخارجية في حكومته.
ثم إنه ركب موجة العسكر وسار في مركبهم إلى شط الانتخابات الرئاسية، ممعنا في مجاملة العسكر بقوله "إن المصريين اختاروا السيسي بأغلبية حقيقية غير مسبوقة، ليكون الرئيس السادس لجمهورية مصر العربية" متناسيا صناديق الاقتراع التي بقيت فارغة لثلاثة أيام متتالية.
وعندما يقول إنه لم يكن بينه وبين مبارك تفاهم، بل تصادم، وهو ما دفع مبارك إلى إقصائه من منصبه كوزير للخارجية، وإن مبارك كان يخشى على نفسه من شعبية موسى، فإن كثيرين ترتسم على وجوههم علامات التعجب، فموسى هو زير خارجية مبارك لنحو عشر سنوات وفي فترة حساسة عربيا ومصريا، كما أنه كان من المتحمسين لتصدير الغاز المصري إلى "إسرائيل" ولم يعرف عنه أي موقف معارض لسياسة مبارك الداخلية والخارجية، بل كان جزءا منها.
وعندما ترشح للانتخابات الرئاسة المصرية عام 2012، خسر وجاء في الترتيب الخامس والأخير بحصوله على 10% من الأصوات الصحيحة.
وبعد خسارته الانتخابات لم يعتزل الحياة السياسية، وصرح بكل وضوح بقبوله لنتائج الانتخابات وتقبله للهزيمة، وعزمه على المضي قدماً في "سبيل نهضة ورفعة البلاد ووضعها على الطريق السليم".
وقام بإطلاق مبادرة لتشكيل تحالف الأمة المصرية، وهو تحالف يجمع عددا من الأحزاب السياسية والحركات الوطنية والثورية، بالإضافة لعدد من الشخصيات العامة الوطنية والشخصيات السياسية المعروفة، وكان هذا التحالف يهدف إلى إسقاط حكم الرئيس مرسي.
وقد أجرى عمرو موسى -بصفته مؤسس التحالف- مشاورات مع عدد من أصحاب التيارات السياسية الأخرى، بهدف دعوتهم للانضمام لتحالف الأمة المصرية.
واختير عام 2013 رئيساً للجنة الخمسين، التي تم تعيينها لتعديل الدستور المصري بعد الانقلاب العسكري ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي.
وتبدو فرصة عمرو موسى لأخذ مكانة الإبراهيمي ضعيفة، لذلك يضع عينه على الساحة الداخلية في مصر، رغم المعارضة التي بدأت تظهر في طريقه.
وكثيرون في مصر يرفضون عودته إلى الساحة السياسية بوصفه من "الفلول" ومن بقايا نظام مبارك، قائلين بأن الشعب المصري: "لن يقبل أن يقود شخص على مشارف الثمانين المرحلة الراهنة"، داعين موسى لاعتزال العمل السياسي بدلا من محاولته مساعدة "الفلول" للعودة للمشهد السياسي، رغم أنه يرفض وصفه بأنه من جماعة "الفلول".
وبدأت تظهر تحذيرات له، من محاولات العودة للمشهد السياسي عبر الانتخابات البرلمانية المقبلة، بتشكيل تحالف انتخابي بهدف السيطرة على البرلمان.
عمر موسى البالغ من العمر 78 عاما يتمسك بأي دور سياسي سواء كان داخل مصر أو خارجها، ويبدو بأن بابه الموارب قد لا يطرق ثانية.